كان الوطن منسياً ومدفوناً.. وما زال. كان الوطن يتهاوى نحو الأسفل بفضل حاكميه وما زال. في النهاية، يبقى وطننا، الذي لا نشعر أننا قررنا مصيره ولا مصيرنا حتى، نأسف لحاله ولواقعه، ومن ثم تأتي الرياضة لتعيد لنا بعض طعم الأمل والفرح.
في لبنان، لا شيء يشبه الحياة، بل هو أقرب إلى عباراة "فوق الواقع". الأمر ببساطة سريالي هنا، وكأن الزمن توقف بنا عند مرحلة ما، ثم يأتي منتخب السلة ليعيدنا إلى أمجاد الحكمة والرياضي، لترى على مواقع التواصل الاجتماعي أغاني عن بيروت، عن لبنان الجميل الذي لم نعد نعرفه سوى في مخيلتنا.
على كلّ حال، بعيداً عن الصورة القاتمة التي لا تنفك تلازمني في هذا المقال، كان لبنان على موعدٍ مع تتويج أبطاله اللاعبين بلقب بطولة العرب للمرة الأولى في تاريخه، بعد فوزه على نظيره التونسي صاحب الباع الكبير والألقاب العربية الأربعة، والمنتخب الأفضل تصنيفاً على مستوى العرب عالمياً، رغم افتقاده بعض نجومه في هذه الدورة، وعلى رأسهم صالح الماجري.
بعد المباراة، خرج نجم منتخب لبنان وائل عرقجي لترديد كلمات لن يشعر بها إلا من يعيش في لبنان أو عرف واقعه: "هيدي للبنانيين. لكلّ لبناني قاعد ببيته بلا كهربا، لكلّ لبناني عم بناضل كلّ يوم.. وحياة الله عم نجرب نعمل قد ما فينا لنترك الفرحة بوجوهكم".
صدق عرقجي بما قاله، معظم اللبنانيين يعانون من ترّهات السلطة وزعماء الوطن الذين حولونا إلى "خربة". بالمناسبة، تلك الكرة التي يسخر منها البعض، إن كانت تركل بالقدم أو تلعب باليد، أو مهما كانت طبيعة الرياضة، هي دائماً مصدر سعادتنا.
يوم انتصر منتخب لبنان على نظيره السوري في تصفيات آسيا المؤهلة لمونديال قطر 2022، كان الشعور ذاته، عشنا النشوة التي لا تتكرر إلا كلّ مدة طويلة، لكن مع منتخب السلة، تلقينا جرعة أمل أكبر وفخراً لا نعرفه سوى بأشعار البعض في مدح أنفسهم، الآن، على أبطال السلة التفكير فينا مجدداً، ومحاولة بلوغ المونديال.
الأمر الأخير هو ما تقدّمه الجاليات اللبنانية عند كلّ استحقاق. في كأس العرب بقطر، كانت الجماهير تزيّن المدرجات وأثبتت حضوراً لافتاً، وهذا الأمر شاهدناه في البطولة العربية للسلة بدبي، الجميع يقف خلف الوطن الذي دفعهم لتركه والرحيل عنه.
هنا، في البلد الذي يموت فيه الإنسان يومياً لأنه لم يعد يشعر بأنّه إنسان، ننتظر لحظات الفرح هذه، شكراً لمنتخب لبنان ورجاله...