يخوض بيب غوارديولا المدرب الإسباني لنادي مانشستر سيتي اليوم السبت نهائي دوري أبطال أوروبا الثالث في مشواره، الأول له منذ مغادرته إسبانيا في اتجاه البايرن والسيتي بحثاً عن التاج الأوروبي بعيداً عن نادي برشلونة الذي فاز معه باللقب مرتين في 2009 و2011، وأخفق بعدها في بلوغ النهائي مع البايرن والسيتي، أين كان يفشل كلّ مرة في اجتياز نصف النهائي مثلما حدث له الموسم الماضي عندما خرج في ربع النهائي أمام ليون، تعرّض إثرها لانتقادات لاذعة من طرف الصحافة الإنكليزية التي حملته مسؤولية الإخفاق بسبب خياراته الفنية التي لم تكن موفقة، قبل أن يتمكن من اجتياز باريس سان جيرمان هذا الموسم والوصول بالسيتي إلى النهائي لأول مرة في تاريخ النادي، ويستعيد لقب الدوري والتتويج بكأس الرابطة المحترفة، ولقب أفضل مدرب في إنكلترا في استفتاء المدربين.
حدث كلّ هذا بعد بداية موسم سيئة تعرّض فيها غوارديولا إلى انتقادات لاذعة لما كان في شهر نوفمبر يحتلّ المركز التاسع في ترتيب الدوري المحلي إثر خسارته أمام توتنهام بهدفين لصفر، وقبلها هزيمته الكبيرة على ميدانه أمام ليستر بالخماسية، وبأداء تعيس حير المتتبعين، قبل أن يتمكن من تحويل فريقه إلى وحش دهس في طريقه كلّ منافسيه وبلغ 28 مباراة من دون خسارة، من بينها 21 انتصاراً متتالياً، بفضل تغييرات عميقة في نمط اللعب وفي اختيار وتوزيع اللاعبين، حيث صار يلعب من دون قلب هجوم صريح ومن دون رحيم ستيرلينغ، ما أدّى إلى تحرر رياض محرز، برناردو سيلفا وفودين، إضافة إلى كيفن دي بروين أفضل ممرر وإيكاي غوندوغان الذي تحول إلى هداف الفريق بعدما تحرر من العمل الدفاعي، ما سمح له بالتتويج باللقب قبل الأوان.
عمليات تدوير اللاعبين التي سمح بها ثراء تشكيلة غوارديولا وقوة منظومته الدفاعية المبنية على البرتغالي روبن دياش، ساهمت بقسط كبير في صناعة الفارق مقارنة بليفربول مثلاً الذي أنهى الموسم في المربع الذهبي بصعوبة نتيجة الإصابات الكثيرة التي تعرّض لها لاعبوه خاصة مدافعه فرجيل فاندايك، مما قاده إلى بلوغ نهائي كأس الاتحاد الإنكليزي ونهائي مسابقة دوري الأبطال التي لعبها دون خطأ، رغم هاجس الإقصاء أمام ليون في ربع نهائي الموسم الماضي الذي كان بمثابة ذكرى سيئة دفعت غوارديولا إلى اعتماد سيناريوهات تكتيكية مختلفة اعتمدت على إعادة الانتشار بضغط عال ونسبة استحواذ كبيرة، تسمح لك بحرمان الخصم من الكرة، وإرهاقه، والتحكم في الريتم الذي يسمح لك بمباغتة المنافس، وهو ما فعله غوارديولا الذي بلغ معدل استحواذه على الكرة 67% من زمن مبارياته هذا الموسم.
دروس الماضي وخيارات الحاضر التي انتهجها منذ شهر نوفمبر 2020 سمحت لغوارديولا ببسط سيطرته، وفرض نمط لعبه على منافسيه وتحقيق أهدافه في انتظار نهائي هذا السبت الذي سيجمع للمرة الثالثة في التاريخ بين فريقين إنكليزيين في مسابقة دوري الأبطال، في مواجهة فريق تشلسي الذي تطور كثيراً منذ مجيء المدرب الألماني توماس توخيل الذي استثمر بدوره بالخيارات الكثيرة المتوفرة لديه، ونجح في بلوغ نهائي كأس الاتحاد الإنكليزي بعدما أخرج السيتي، ونهائي دوري الأبطال على حساب الريال، ليصبح أول مدرب ألماني يصل إلى النهائي للمرة الثانية على التوالي في مواجهة سيحسمها المدربان بخياراتهما قبل اللاعبين فوق الميدان، خاصة وأنهما يتوفران على خيارات فنية وتكتيكية كثيرة ومتنوعة.
التفاصيل والجزئيات والخيارات التكتيكية والفنية حولت غوارديولا في ظرف ثلاثة أشهر من مدرب فاشل في بداية الموسم يجب رحيله عن السيتي إلى أفضل مدرب في نهاية الموسم، والأوفر حظاً للتتويج بدوري الأبطال بفضل خياراته الجديدة في فريق يملك المال واللاعبين الكبار الذين تمكن من استغلالهم، وتسييرهم فوق الميدان وفي غرف الملابس وعلى كرسي الاحتياط، لأنه يجب أن تكون غوارديولا حتى تبقي أغويرو وستيرلينغ ومحرز وبرناردو سيلفا في كرسي الاحتياط أو تقحمهم كلهم في نفس التشكيلة ضمن منظومة كروية تستند على تشكيلة قوية لديها دفاع متماسك، ووسط ثري وريتم سريع، ولياقة عالية، تحولت إلى ماكينة لا تتوقف عن الإبداع كلّ ثلاثة أيام في دوري قوي أوصل ثلاثة أندية إلى نهائي دوري الأبطال والدوري الأوروبي.
إذا نجح غوارديولا في التتويج بدوري الأبطال سيكون تحصيل حاصل، وإذا أخفق لصالح تشلسي فسيكون بسبب خياراته الفنية في النهائي، وبسبب دهاء مدربه توماس توخيل الذي جعل من تشلسي قوة ضاربة في ظرف وجيز، وفي كلتا الحالتين فإن المدرب هو من يصنع الفارق.