بلماضي وقصة 5 سنوات لأكثر مدرب أثار جدلاً في تاريخ الجزائر

25 يناير 2024
حقق بلماضي لقب كأس أمم أفريقيا عام 2019 (Getty)
+ الخط -

وصلت رحلة مدرب منتخب الجزائر، جمال بلماضي، لمحطتها الأخيرة بعدما سجل فشلاً جديداً في فترته مع الخضر، تمثل في الإقصاء من الدور الأول لنهائيات كأس أمم أفريقيا 2023 بخسارة أمام نظيره الموريتاني، الثلاثاء، باستاد "السلام" في ملعب بواكي.

وجاء رحيل جمال بلماضي (47 عاماً) من منصبه بعد 5 سنوات وبضعة أشهر قضاها مع المنتخب الجزائري شهدت الكثير من الجدل، كما تميزت بمرحلتين، الأولى حملت نجاحاً كبيراً قبل أن تصنف الثانية في خانة الفشل الذريع، لكن الملفت للانتباه أنها تبقى ناجحة رقمياً، فهذا المدرب ثاني أكثر من قاد الخضر بـ64 مباراة وبعد رابح سعدان (72 مباراة)، وفيها حقق المنتخب الجزائري 41 فوزاً و17 تعادلاً و6 هزائم فقط، كما هناك العديد من المحطات الأخرى يستعرضها "العربي الجديد" في هذا التقرير.

الجماهير تريد بلماضي

حقق جمال بلماضي ذلك المدرب الشاب والصاعد نجاحات كبيرة في مسيرته في قطر مع نادي الدحيل و(لاخويا سابقاً)، إضافة إلى لقب كأس الخليج مع منتخب "العنابي" في السعودية عام 2014، ما جعله يخطف اهتمام الجماهير الجزائرية التي أصبحت في تلك الفترة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تُطالب اتحاد الكرة بإعطائه فرصة مع الخضر، الذي كان يُعاني من عدم استقرار كبير في الجهاز الفني، ليتحقق ذلك خلال عهد الرئيس السابق خير الدين زطشي وجرى الإعلان عن التعاقد معه يوم 02 أغسطس/ آب 2018 خلفاً للمقال رابح ماجر.

رفع التحدي وحقق الحلم

استلم جمال بلماضي مهامه كمدرب جديد للمنتخب الجزائري وفي أول ظهور إعلامي له كمدرب للخضر، قدم وعداً جريئاً مفاده أنه سيعمل على التتويج بلقب أمم أفريقيا 2019 ما أثار سخرية البعض كون أن المنتخب في تلك الفترة كان محطماً من جميع النواحي النفسية والذهنية، كما أن فئة أخرى أشادت بروحه وإصراره على رفع التحدي قبل أقل من سنة من خوض ذلك التحدي، وفي الأخير نجح بلماضي في الوفاء بوعده وقاد تشكيلته للقب تاريخي قاري تاريخي في مصر وبعد انتظار دام 29 عاماً، وقبل ذلك أظهر هذا المدرب شخصية وكاريزما كبيرة في التعامل مع محيط المنتخب، أبرزها إبعاده بعض الأسماء التي كان يرى أنه انتهت صلاحيتها الدولية، وإعطاء فرصة لأخرى كانت تُعاني التهميش في عهد مدربين سابقين، مثل يوسف بلايلي وجمال بلعمري.

سلسلة عالمية دون هزيمة وإنجازات فردية

لأن هناك الكثير من النجاحات تعقبها مرحلة انحدار مثلما يحدث الأمر مع كثير من المنتخبات والفرق في كرة القدم، أثبت المنتخب الجزائري عكس ذلك في فترة جمال بلماضي، إذ واصل الخضر حسم مبارياتهم في الوديات والتصفيات بنتائج عريضة وأداء مميز، على غرار الفوز التاريخي على منتخب كولومبيا في مدينة ليل الفرنسية بـ3 أهداف دون رد وكذلك تعادل أمام المكسيك 2/2، وفي تلك الفترة حقق المنتخب الجزائري سلسلة تاريخية من مباريات متتالية دون التعرض لأي هزيمة وصلت لـ35 مباراة، وهو رقم سبق وأن حققه منتخبان فقط على مدار التاريخ هما إسبانيا وإيطاليا، أما على المستوى الفردي فيجوز التذكير باحتلاله المرتبة الرابعة لجائزة "الأفضل" التي ينظمها "فيفا" لأحسن مدربي العام، وكذلك أحسن مدرب في أفريقيا حسب اختيارات "الكاف" عام 2019.

بداية التراجع

رغم أن المنتخب الجزائري كان يعيش نتائج إيجابية رقمياً، إلا أن الأداء بدأ في التراجع مع شهر سبتمبر/ أيلول 2022 حيث دقت بعض الأصوات ناقوس الخطر ومن إمكانية أن يؤثر ذلك على المردود الفني مستقبلاً، إلا أن المدرب جمال بلماضي دخل في مرحلة جديدة وسلبية في تجربته مع المنتخب الجزائري وأصبح تركيزه أكثر خارج المستطيل الأخضر، خاصة مع عدم الاستقرار الذي عاشه اتحاد الكرة، ما أزّم الأوضاع وأثر على مشاركة المنتخب الجزائري في العرس القاري بالكاميرون عبر خروج من الدور الأول وكذلك خسارة الجولة الثانية من المنافسة أمام غينيا الاستوائية التي خاضت سلسلة من المباريات المتتالية دون هزيمة، مع انتقادات موجهة صوب هذا المدرب للفلسفة التكتيكية التي أصبح يعتمد عليها في مباريات الخضر.

مباراة الكاميرون

كانت الجماهير الجزائرية تُمني النفس بأن يكون الظهور السيئ للخضر في "كان" 2021 مجرد كبوة جواد وقرصة في أذن جمال بلماضي من أجل إعادة ترتيب بيت المنتخب الجزائري قبل اللقاء الفاصل أمام الكاميرون والمؤهل لكأس العالم 2022 في قطر، وازداد التفاؤل بعد الفوز ذهاباً بهدف نظيف في دوالا وعلى ملعب "غابوما" الذي جرى اعتبار أرضيته أحد أسباب المشاركة السيئة في تلك البطولة الأفريقية وكذلك مخلفات فيروس كورونا، إضافة إلى أنه كان الفوز الرسمي الأول في تاريخ "المحاربين" على منتخب "الأسود غير المروضة"، إلا أن لقاء الإياب بعد 4 أيام ذلك كان بمثابة كابوس لم تستفق منه الجماهير الجزائرية لحد اليوم، بسبب السيناريو الدراماتيكي الذي شهدته المباراة وحرمت بلماضي من المشاركة الأولى له في كأس العالم والخامسة في تاريخ المنتخب الجزائري.

كما أنها الخسارة الأولى للخضر في ملعب "مصطفى تشاكر" منذ تأسيسه، وهو لقاء أثار الكثير من اللغط وما قيل حول تحيز الحكم الغامبي باكاري بابا غاساما وتلاسنه مع المدرب جمال بلماضي عندما التقيا في المطار، وغيرها من التبعات السلبية لتلك المباراة، لكن المتفق عليه أن المنتخب الجزائري دخل بسببها نفقاً مظلماً والخروج منه يتطلب التضحية بالعديد من الرؤوس، وكبش الفداء هنا لم يكن إلا رئيس اتحاد الكرة شرف الدين عمارة الذي خلفه بعد ذلك جهيد زفيزف.

تصريحات نارية واتهامات

عكس التوقعات قرر الاتحاد الجزائري لكرة القدم تجديد الثقة في المدرب جمال بلماضي رغم فشله في كأس أفريقيا 2021 وكذلك الوصول لنهائيات كأس العالم 2022، كما أن فئة لا بأس بها من الجماهير لم تفقد الأمل في هذا المدرب لإعادة المنتخب لسكّته الصحيحة، شرط القيام بتغيرات جذرية وضخ دماء جديدة بلاعبين شباب عوض الأسماء المخضرمة التي تراجع مستواها، لكن كل ذلك لم يحدث، حيث استمر جمال بلماضي في ردود فعله المبالغ فيها تجاه الصحافيين واتهمهم بالتشويش على عمله، وأيضا انتقاده العلني لـ "الكاف" وتسبب الحكام الأفارقة في النتائج السلبية التي حققها المنتخب الجزائري، إضافة إلى انتقاده مسؤولي الملاعب الجزائرية، مروراً بتصريحاته النارية ضد لاعبه أندي ديلور وكذلك الدولي الفرنسي السابق جيروم روثان، وغيرها من الأمور الغريبة التي عاشها طوال 5 سنوات السابقة على رأس الجهاز الفني لمنتخب الجزائر.

اشتباكات على خط التماس

غاب الهدوء عن بلماضي وأصبح أكثر غضباً وصاحب ردة فعله قاسية تجاه كل من يُعارضه من إعلاميين أو محللين في بلاتوهات التلفزيون، حتى أن هذا امتد كذلك إلى اشتباكه لفظياً مع حكام المباريات، وأيضاً بالأيدي مع لاعبين أمثل التونسي، علي العابدي، خلال اللقاء الذي جمع الخضر بمنتخب "نسور قرطاج" شهر يونيو/ حزيران الماضي، كما كان الحال مع لاعبه سعيد بن رحمة في اللقاء الودي أمام مصر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت في الإمارات، دون إغفال ردة فعله الغريبة تجاه لاعبيه عند تضييع فرصة أو سوء التعامل مع إحدى الكرات وهذه العقلية تبلورت منذ نهائيات كأس أمم أفريقيا في الكاميرون، وفسرها بعض المتابعين أنها تزيد أكثر الضغوطات على اللاعبين وأثرت على مردودهم فوق أرض الملعب.

القطرة التي أفاضت الكأس

نفد صبر الجماهير الجزائرية تجاه المدرب جمال بلماضي بعد الفشل الأخير في كأس أمم أفريقيا الجارية وقائعها في ساحل العاج، حتى أن من كان يُنادي ببقائه في المرحلة السابقة ندم على ذلك، ويرى أن منتخب الخضر ضيع عامين كاملين كان من الممكن أن يفيدا مدرباً جديداً عند الوصول إلى "كان" ساحل العاج، خاصة وأن الاتحاد الجزائري لكرة القدم وبرئاسة وليد صادي وفرّ له كل الأمور التنظيمية واللوجستية التي يحلم بها أي مدرب في منتخب آخر، لكن النتيجة لم تكن إلا عبارة عن إخفاق جديد للمنتخب الجزائري وخروج من الباب الضيق لهذا المدرب، الذي يتفق الكثيرون على أنه الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الكرة الجزائرية وحتى على المستوى القاري، ليس فقط فنياً بل حتى من الجانب التواصلي والإعلامي.

المساهمون