تتفهم الجماهير الجزائرية جيداً صدمة جمال بلماضي وحسرته بعد الإقصاء من مونديال قطر، لأنها تعيش المشاعر نفسها، وتتفهم تردده في إعلان موقفه من مواصلة مهامه على رأس الخضر أو الرحيل بسبب ظروفه النفسية نتيجة الخيبة، لكنها لم تستوعب حتى الآن هذا التأخر في اتخاذ القرار قبل أربعين يوماً من الموعد الرسمي الأول في تصفيات كأس أمم أفريقيا 2023 المقرر بداية شهر يونيو/حزيران المقبل.
وفسح هذا الأمر المجال أمام التكهنات والتأويلات التي انقسمت بين من يعتقد أن الرجل سيستمر في عمله وينتظر الفرصة للإعلان، ما دام لم يعلن صراحة رحيله، وبين من يعتقد أنه سيرحل، لا محالة، لأنه لم يتخلص من مشاعر الحسرة والأسف، ولن يكون بمقدوره مواصلة مهامه وإيجاد محفزات جديدة، وخاصة في ظل الفراغ الذي تعيشه الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، المقبلة على انتخاب رئيس جديد منتصف شهر يونيو/حزيران المقبل.
في كلتا الحالتين جمال بلماضي مطالب اليوم بإعلان قراره ليواصل عمله الذي يتطلب جهداً مضاعفاً، أو يسمح للاتحاد الجزائري بالبحث عن مدرب جديد عشية مواعيد جديدة تقتضي وقتاً وجهداً، ونفساً جديداً بلاعبين جدد، رغم أن المكتب الفدرالي الحالي لن يكون بمقدوره التعاقد مع مدرب جديد قبل رحيله المقرر منتصف يونيو/حزيران، لكن سيكون بإمكانه على الأقل تكليف مدرب منتخب الرديف مجيد بوقرة الإشراف على المنتخب الأول مؤقتاً خلال المباراتين الرسميتين المقبلتين، تجنباً لأي تعثر يعقّد من مأمورية التأهل إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا في مجموعة ليست سهلة تضم أوغندا، وتنزانيا والنيجر، ومرحلة صعبة تقتضي تصوراً جديداً لمنتخب انتهت دورته البيولوجية بنهاية جيل رائع حقق نتائج رائعة وصنع أفراح الجزائريين على مدى أكثر من ثلاث سنوات.
استمرار جمال بلماضي يبدو صعباً في الظروف الراهنة، لكنه ممكن ووارد أيضاً، لأن علاقات الرجل مع المنتخب وبلده أكبر من أن تختزل في وثيقة، ويلقى دعماً رسمياً وجماهيرياً كبيراً، بما في ذلك في أوساط اللاعبين المطالبين بالتعويض ورفع تحديات جديدة.
ولن يكونوا بحاجة إلى إعادة تحفيز أو وقت أطول للاستدراك، بينما سيكون جمال بلماضي بحاجة إلى إعادة ترتيب البيت واعتماد خيارات جديدة، دون أن يكون مطالباً بتغيير قناعاته التي تميزه عن الآخرين، وانتهاج استراتيجية جديدة مع الصحافيين دون استعلاء أو احتقار، يكون فيها الانسجام عاملاً مهماً في استعادة علاقات مهنية جيدة تجنبه متاعب إضافية سيكون في غنى عنها في المرحلة المقبلة، وفي هذه الحالة سيشكر بلماضي على شجاعته واستجابته لنداءات جماهير عريضة تريده أن يستمر على رأس الخضر على الأقل إلى غاية نهائيات كأس أمم افريقيا 2023.
أما إذا أراد بلماضي اتخاذ قرار الرحيل، يجب أن يكون في أقرب وقت ممكن ليتخلص من الكابوس الذي يعيشه، وينهي التشويق والجدل، وتتضح الصورة أكثر لرئيس الاتحاد المطالب بانتداب مدرب مؤقت، لمواجهة التحديات المقبلة، لأن المنتخب يجب أن يستمر بجمال بلماضي أو دونه ولا يبقى رهينة أي كان.
وعندها ستشكره الجماهير الجزائرية لا محالة على كل بسمة صنعها على وجوههم، وكل دمعة حب ذرفوها في عهده، وتشكره على كل الأيام والليالي الجميلة التي عاشوها معه طوال سنوات مع منتخب كان مهدماً فنياً ومنهاراً معنوياً عندما أشرف عليه في أغسطس 2018، قبل أن يقوده إلى التربع على عرش القارة السمراء، ويرفع شأنه بين الأمم، ويعيد إلى نفوس الجزائريين مشاعر الاعتزاز والافتخار بجزائريتهم.
موقف جمال بلماضي لا يحسد عليه في هذه الظروف، لكنه يبقى مدرباً محظوظاً مقارنة بسابقيه، لأنه لا يزال يلقى كل الدعم الرسمي والجماهيري، وحتى الإعلامي، رغم الإخفاق المزدوج في كأس أمم أفريقيا وكأس العالم، وهو الأمر الذي لم يحظَ به مدربون سابقون للخضر. لذلك، عليه رد الجميل باتخاذ القرار الآن، لأنه سيكون لا محالة في مصلحة الخضر ومصلحة جمال بلماضي على حد سواء، مهما كانت طبيعة القرار.