الولادة الصعبة لتقنية الفيديو

20 اغسطس 2022
جمال الشريف يتحدث عن التحكيم في كرة القدم (Getty)
+ الخط -

لاقت تقنية التواصل باللاسلكي بين الحكام وتقنية خط المرمى قبولاً وارتياحاً؛ لأنهما حققتا المزيد من العدالة دون أن تمسا بجوهر اللعبة، مع منح الحكام فرصة أكبر للتركيز على مهامهم الأكثر أهمية كالتسلل، أو المساعدة باحتساب الأخطاء ذات التأثير على نتائج المباريات.

وهذا عزز دور الحكام ولم ينل من سلطتهم، وهو ما كان يخيف الفريق المعارض لإدخال التقنية، وهذا ما دفع أيضًا الفريق المؤيد لطرح المزيد من الأفكار التي تعتمد بشكل رئيسي على مراجعة اللقطات التلفزيونية، طبعًا دون الدخول في الإجراءات والتفاصيل، إلا أن الفريق المحافظ أكد حرصه على اعتماد العنصر البشري، رافضاً إدخال المزيد من التقنيات على اللعبة، رغم اعترافه بوجود أخطاء تحكيمية مؤثرة.

وعمل بالتالي على ممارسة ضغط لاستمالة بعض الأعضاء في فيفا إلى طرفه، فكسب الرهان، وقدم مشروعه للاستعانة بحكمين مساعدين إضافيين يقفان على الخط قريبًا من المرميين لمساعدة الحكم في احتساب الأخطاء الواضحة سواء داخل منطقة الجزاء أو حولها، مع احتساب الأهداف في حال لم تتوفر تقنية خط المرمى، متذرعين بأن استخدام التقنية سوف يفقد اللعبة بساطتها، ويعقد قوانينها، وهذا  سيسهم بتقسيم ممارسي اللعبة ما بين أغنياء يمكنهم اقتناء التقنية، وفقراء غير قادرين عليها، وهذا يتطلب إصدار قانونين للعبة، واحد بتقنية وآخر من دونها.

وعليه شرع الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الطرف المحافظ في خوض تجربة الحكمين المساعدين الإضافيين التي طبقها في تصفيات بطولة أوروبا تحت سن 19 التي جرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2008، فاعتمد الاتحاد الدولي الفكرة، وطالب باستمرار التجربة لكن في دوري للمحترفين، فطبقت في الدوري الأوربي لموسم 2009/ 2010، ثم في دوري الأبطال موسم 2010/2011، ولعبت دوراً إيجابياً في تقليل الكثير من أخطاء الحكام، والمساعدة باحتساب بعض القرارات الهامة كاحتساب ركلة جزاء لفابريغاس بعد عرقلته من قبل دروغبا.

واستمرت رحلة  النجاح في نهائيات يورو 2012 إلى ما قبل مباراة منتخبي أوكرانيا وإنكلترة في دوري المجموعات حينما عبرت الكرة خط المرمى بأكثر من 70 سم دون أن يتمكن المساعد الإضافي ستيفان قادش القريب من المرمى من احتساب الهدف، مما أثر على تأهل المنتخب الأوكراني المضيف؛ ومن ثَمَّ فَقَدَ أفضل حكم في أوروبا لموسم 2011 المجري فيكتور كاساي وطاقمه إمكانية بقائهم في البطولة؛ فتعرضت التجربة لانتقادات إلا أنها تماسكت واستكملت مسيرتها؛ حيث اعتمد الفيفا الحكمين الإضافيين في قوانين اللعبة لموسم 2016/ 2017، وتغيرت تسمية المادة السادسة في القانون من (الحكام المساعدين) إلى (الحكام الآخرين)، بدأت الفكرة بالانتشار حيث تبنتها العديد من الاتحادات وطبقتها في مسابقاتها الرسمية.

وفي هذا التوقيت طرأت تغييرات على قيادات اللعبة في فيفا ويويفا، صاحبها تقدم في الدراسات والبحوث في مجال التقنيات مع استحضار حادثتين هامتين ومؤثرتين؛ الأولى في المباراة النهائية لكأس العالم التي جمعت فرنسا وإيطاليا في ألمانيا 2006، حين ساهم الحكم الإسباني الرابع لويس كونتاليخو بطرد زين الدين زيدان في الدقيقة 110 بعد نطحته الشهيرة لمنافسه ماتيرازي إذ قيل فيها: إن كونتاليخو شاهد الحادثة من خلال شاشة موجودة في أرض الملعب؛ فأخبر الحكم الأرجنتيني، آليزوندو، الذي أشهر بدوره البطاقة الحمراء.

وبعدها بأربع سنوات بدأت التجارب الأولية  لاستخدام تقنية الفيديو بالصيغة الهولندية ليأتي دور الحكم الإنكليزي هاورد ويب حينما احتسب في كأس العالم للقارات 2010 ركلة جزاء للبرازيل مع طرد لاعب منتخب مصر المحمدي الذي تمكن من منع هدف مؤكد بقطع الكرة المتجهة إلى المرمى بذراعه؛ حيث لم يتمكن الحكم من مشاهدتها فاحتسب ركلة ركنية للمنتخب البرازيلي وسط اعتراضات لاعبيه، وقيل في حينه: إن الحكم تلقى بعدها مشورة مِن مساعده، فيما أكد آخرون أن  السبب في تغيير القرار كان مشاهدة اللقطة بإحدى الشاشات المصاحبة لكاميرات النقل التلفزيوني الأمر الذي تم إنكاره؛ لأن القانون كان يحظر استخدام لقطات الفيديو لتغيير قرارات الحكام الفنية، ويستثني منها الحالات الانضباطية.

فأمسى التوجه بعدها واضحاً باستخدام تقنية تعتمد على اللقطات التلفزيونية؛ لأنها الأكثر دقة وحسماً، ليطلب فيفا آنذاك من الاتحاد الهولندي تطبيق التقنية الجديدة في دوري للمحترفين لتستقيم التجربة وتصبح أكثر جدية؛ ولتكشف النقاط الإيجابية والسلبية بوضوح؛ فأصبح القائمون على اللعبة أكثر قناعة بالحاجة لاستخدام التكنولوجيا خدمة للعبة وعدالة منافساتها.

*هذا التقرير هو جزءٌ من سلسلة تقارير حول "الثقافة التحكيمية"، يكتبها لـ"العربي الجديد" الحكم الدولي جمال الشريف، الذي يقدم فقرات تحكيمية في موقعنا
المساهمون