يسجل المهاجم هدفاً فيغفر الجميع له ما تأخر له من فرص، ويخطف عدسات الكاميرات وأنظار الجماهير، ليصبح المعشوق الأول لكل محبي الساحرة المستديرة، لذلك يعتبر هذا المركز أحد المفاتيح الهامة في انتصارات الفرق الكبيرة، ومن الصريح إلى الوهمي، في حضرة صيحة أخرى من الهدافين، مع هيبة أكبر وشخصية كروية رفيعة المقام.
البدايات
بدأت القصة مع فريق النمسا خلال النصف الأول من القرن العشرين، طريقة 2-3-5 في حلة مختلفة. خماسي الهجوم يتحركون بشكل كامل دون توقف، ثنائي الهجوم المتأخر يعود للوسط، بينما ينضم الأجنحة إلى الهجوم بالتحول من الطرف إلى العمق، أما المهاجم الصريح فيلعب بشكل عصري للغاية، وكان مايزل ورفاقه سابقين لعصرهم بالاعتماد على مهاجم وهمي.
نجم الفريق كان المهاجم ماتياس سنديلار. لاعب قوي وسريع ومهاري، يجيد تسجيل الأهداف وصناعتها، كان يفعل كل شيء في الملعب، لا يتمركز فقط في منطقة الجزاء كما كان يفعل كل المهاجمين، بل يتحرك خارج المنطقة ويترك المجال أمام القادمين من الخلف. طريقة لعب النمسا سبقت عصرها بسنوات وسنوات.
لذلك سنديلار ربما كان النسخة الأولى من ابتكار "الوهمي"، هو لم يكن مهاجماً وهمياً بامتياز، لكنه كان ذلك المهاجم الذي يجب أن تضعه في خانة اللاعب المتكامل. عُرف وقتها باسم موزارت الكرة نسبة إلى الموسيقار الشهير.
هيديكوتي
الفكرة بدأت مع هوجو مايزل في النمسا بتوظيف المهاجم سنديلار بشكل متأخر، لكن هيديكوتي كان دائماً يأتي من الخلف إلى الأمام لدرجة أن قلب الدفاع الإنجليزي هاري جونستون لم يجد أي وسيلة لإيقافه، خلال مباراة قديمة بين المجر وإنجلترا، لدرجة تصريحه بعد المباراة، "لقد كان كالشبح"، لم ألمحه أو أجده إلا أثناء تسجيله للأهداف.
هيديكوتي وبوشكاش وبقية النجوم وضعوا نهاية مأسوية للكبرياء الكروي ليصبح فريق المجر هو أول منتخب غير بريطاني يفوز على إنجلترا في ملعب ويمبلي، قبل أن يعيد الكرة مرة أخرى في المجر ويهزمهم بسبعة أهداف مقابل هدف يتيم، مع انتصارات متتالية وأهداف بالجملة وضعت كرة القدم الهجومية في منزلة كبيرة، ورفعت بعرابها جيمي هوجان إلى عنان السماء.
لعبت المجر بطريقة هجومية، لكن بدون أي لاعب حقيقي داخل منطقة الجزاء، وهي الفكرة التي لاقت ردود فعل واسعة داخل الأوساط الرياضية، وذلك لأن المجر تلعب في الأمام بشكل فعّال، لكن مع انطلاقات هيديكوتي من الخلف إلى قلب الهجوم دون سابق تحذير، لذلك كان مدرب الأهلي المصري السابق بمثابة الصيحة الغريبة في عالم المستديرة.
ملك روما
لعب روما في 2007 بشكل مميز وجديد، مع طريقة لعب 4-3-3-0، دوني في حراسة المرمي. خط الظهر مكون من الرباعي، بونوتشي، ميكسيس، جوان، تونيتو. بينما في الوسط، يوجد دي روسي كارتكاز دفاعي صريح أمامه بيروتا لاعب وسط حر، وبيزارو صانع اللعب من العمق، بينما فوشينيتش المهاجم الصريح يلعب في الجناح الأيسر ليدخل في العمق أثناء الهجوم، بينما يتواجد مانسيني على الرواق الأيمن، توتي صانع اللعب الذي يصبح مهاجماً وهمياً أو ما بعرف بالـ False Striker.
يلعب توتي فعلياً في الأمام، لكنه لا ينتظر الكرات داخل المنطقة بل يتحرك كثيراً، ويعود إلى الوسط من أجل الاستلام والتسليم. فرانشيسكو لعب كصانع لعب في السابق، يتحرك بين دفاعات ووسط الخصم، لكنه في ذلك الموسم أصبح يصعد بشكل أوضح إلى الأمام وزادت نسبة أهدافه أمام المرمى.
تمركز توتي الجديد أربك حسابات مدافعي الفرق الأخرى. لا يتواجد ملك روما داخل منطقة الجزاء لذلك يجد لاعبو الخصم أنفسهم دون القدرة على مراقبة أي لاعب، بالإضافة إلى عودته إلى خط الوسط يؤدي لزيادة لاعب إضافي، يصبح وسط روما مكوناً من أربعة لاعبين، وبالتالي زيادة نسبة الاستحواذ والسيطرة على الكرة.
الأرجنتيني
في مباراة الإياب بملعب سانتياجو برنابيو، مباراة الـ 6-2، فكر الجهاز الفني في إمكانية سقوط ميسي في العمق من البداية بدلاً من قطعه كما كان يفعل من الأطراف إلى مركز الهجوم. وجاء السؤال الأهم، هل مدافع الريال ستأتي له القدرة لكي يطارد ميسي؟ وترك مساحات خلفهم تتوغل فيها الأجنحة أو لاعبو الوسط القادمون من الخلف؟
انشغلت أطراف الريال بمواجهة ظهيري البارسا المتقدمين، بينما ظل الدفاع قابعاً في مناطقه لكي يقابل أي قطع هجومي من الجانبين في منطقة الجزاء، وبقى ميسي حراً طليقاً خارج منطقة الجزاء أمام كل من تشافي وانيستا. هنا واجهت محاور الريال ثلاثة لاعبين، لذلك تفوق البارسا بلاعب إضافي، وحينما تلعب بلاعب إضافي في الوسط فأنت تتحكم في الدفاع والهجوم.
وحينما يفكر الدفاع في الخروج من أجل مقابلة ميسي، تصبح المنطقة خلف الظهيرين مفتوحة تماماً، وهذا كان السبب الرئيسي في ظهور هنري بالمستوى الإعجازي في البرنابيو، بسبب انشغال الجميع بالفوضى التي أوجدها تمركز ميسي بالعمق.
ماذا يقول الحاضر؟
اختار براندن رودجرز طريقة لعب 3-4-2-1، فبعد رحيل سواريز وإصابة ستوريدج، راهن المدرب الإيرلندي على رحيم ستيرلينج في مركز الهجوم. هو لا يعتبر مهاجماً وهمياً أو صريحاً، بل هو لاعب هجومي ثالث رفقة الثنائي الأهم في التشكيلة، آدم لالانا وفيليب كوتينهو، بسبب القدرة على التحرك المستمر في القنوات بين المدافعين والظهيرين، مع اللعب كأجنحة صريحة عند الحاجة.
وبالتالي فإن وسط المنافس يحاول دائماً التقليل من خطورة أهم لاعبي ليفربول، ليحصل المهاجم ستيرلينج على مساحات كبيرة، بالعودة إلى منطقة الارتكاز والحصول على فراغ كافٍ للتألق. لذلك لم يراهن رودجرز على رحيم بإرادته في البداية، لكنه وجد لاعباً سريعاً وخفيفاً وذا مهارة، يستطيع من خلاله تطبيق أفكاره الخاصة باستغلال أكبر قدر ممكن من المساحات في نصف ملعب المنافس، وفي حالة عدم امتلاكه لحاسة التهديف؟ فإن الحلول تأتي من صناع اللعب ولاعبي الأطراف.
أما الشولو سيميوني فأعاد فكرة "الوهمي" أو المزور مع الفرنسي أنتونيو جريزمان، اللاعب المهاري القادر على التحرك في وبين الخطوط، وفاز الأتليتي على بلباو في السان ماميس بالأربعة، مع عودة الرقم 7 كثيراً للخلف وسحبه لمدافعي الباسك، لكي يتحول الجناح توران إلى منطقة الجزاء مع دعم مباشر من راؤول جارسيا، ليسجل جريزمان أهدافاً غزيرة ويستحق نجومية جديدة من مركز مختلف وجديد عليه.
مينيز له أسلوبه الخاص، الجناح القديم ولاعب الوسط المهاجم والمهاجم المتأخر في أندية موناكو، روما، وباريس، تحول إلى دور المهاجم الحقيقي الذي يلعب في الأمام ويقوم بكل مهام عاشق الشباك، لذلك سجل هذا الموسم حتى فترة التوقف 8 أهداف، كلها من داخل الصندوق ليصبح المهاجم غير التقليدي الذي يستفيد منه الميلان، نتيجة عوامل السرعة والمهارة وبرود الأعصاب الذي يساعده على التعامل مع أصعب المواقف خلال المباريات.
ورغم أن الحاجة إلى المهاجم الحقيقي رقم 9 مهمة ومستمرة في قادم المواعيد، إلا أن القوالب الجديدة في التكتيك حازت على اهتمام الغالبية العظمى من المتابعين، واستحقت الذكر في سجلات اللعبة، وفق باب المبتكرين الراغبين في تغيير ثوابت كرة القدم على مر التاريخ.