دخل المنتخب الجزائري لكرة القدم في أزمة من نوع خاص، بعدما خاض مباراته العشرين من دون خسارة أمام المكسيك، صاحب المركز الحادي عشر عالميا، في المباراة التي جمعت بينهما في مدينة لاهاي الهولندية، وحقق فيها تعادلا بطعم الفوز بعدما كان متفوقا إلى غاية اللحظات الأخيرة بعشرة لاعبين، إثر طرد وسط ميدانه عدلان قديورة في الثلث الأخير من المباراة.
أزمة من نوع خاص تمثلت في ارتفاع سقف الطموحات إلى مستويات غير مسبوقة، بلغت حد الجنون في الأوساط الجماهيرية، وحتى الإعلامية والفنية، التي ستزيد من حجم الضغوطات على المدرب جمال بلماضي، وهو الذي فاجأ الجميع قبل نهائيات كأس أمم أفريقيا في القاهرة عندما وعد بالتنقل إلى القاهرة للمنافسة على اللقب، فتوج به في وقت كان المنتخب يعيش أوضاعا مأساوية في عهد المدرب الأسبق رابح ماجر، و حتى قبل ماجر، بفعل حملات التهديم والتحطيم والتشكيك التي تعرض لها .
مواجهة المكسيك صادفت ذكرى موعد تعيين رابح ماجر مدربا للخضر في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، ما جعل الجميع يتذكر تصريحات نجم الكرة الجزائرية سابقا عندما رفض تقديم استقالته، بحجة أن المنتخب سيدخل في أزمة لن يخرج منها أبدا في حالة رحيله، وهو الذي حصل فعلا منذ مجيء جمال بلماضي حيث دخل المنتخب الجزائري في أزمة كبيرة سمحت له بالتتويج بكأس أمم أفريقيا والفوز وديا على كولومبيا ونيجيريا وتحقيق التعادل أمام المكسيك، ومن ثم الرفع من سقف الطموحات من مباراة لأخرى، زادها تصريح بلماضي بأنه سينافس على لقب كأس العالم في قطر، بعدما بعث في نفوس لاعبيه روحا جديدة ونفسا طويلا بنمط لعب فردي وجماعي لم تعرفه الجزائر من قبل إلا في بعض المحطات والمباريات، وليس بهذا الشكل المستمر والمتواصل بعدما أعاد اللحمة بين أفراد العائلة الواحدة .
البعض يعتقد بأن جمال بلماضي يبالغ في طموحاته، والجماهير الجزائرية وبعض إعلامييها يفرطون في التفاؤل وينفخون في المنتخب أكثر من اللازم، بينما يذهب البعض الآخر إلى وضع الأصابع على بعض النقائص التي تفرض على بلماضي البحث عن بدائل لعدلان قديورة وفيغولي، وربما مبولحي مثلا، لكن الرجل كشف بالمناسبة عن توفر أكثر من بديل في وجود بلقبلة و بولحية ومهدي عبيد، وحتى المدافع الأيمن حلايمية الذي سيكون لاحقا منافسا قويا لعطال في الرواق الأيمن من الدفاع، أما من لفتوا الانتباه إلى تراجع مستوى بونجاح ومتاعب بلايلي الذي صار من دون فريق، فالأمر يعود إليهما وليس للمدرب الذي لا يزال يعول على سليماني وأندي ديلور و إبراهيمي، وكذلك الوافد الجديد على وست هام يونايتد السعيد بن رحمة، لخوض غمار تصفيات كأس العالم بنفس الهوية والروح والتحفيز .
معروف عن الفرق والمنتخبات الأفريقية والعربية تراجع مستوياتها ونتائجها بعد كل تألق وتتويج، ودخولها في أزمات متعددة الأوجه بسبب فشلها في تسيير النجاح كما الفشل، لكن المنتخب الجزائري دخل في أزمة من نوع آخر لم تنتج عن تراجع النتائج ولا الأداء، ولا حتى بسبب نقص اللاعبين أو تراجع مستواهم وكيفية تحفيزهم وتوظيفهم والتعامل معهم، وليس بسبب غرور المدرب واللاعبين وتأثرهم بالضغوطات الجماهيرية والإعلامية المتزايدة، بل في الحالة الجزائرية زادت من شغفهم وعطشهم وجوعهم ورفعت من سقف طموحاتهم لدرجة غير مسبوقة، ربما تفرض ضغطا على المدرب جمال بلماضي دون سواه لأنه سيخسر يوما لا محالة.
صحيح أن العواطف هي التي تحرك مشاعر الجماهير التي يبقى من حقها أن تحلم حتى بالفوز بكأس العالم، لكن لا يجب عليها أن تنسى كيف كان حال المنتخب بعد مونديال البرازيل بفعل حملة التهديم والتشكيك التي تعرض لها لاعبوه قبل مجيء بلماضي، الذي عرف كيف يحفز اللاعبين نفسهم ويحميهم ويثق فيهم ويوظفهم بالشكل اللائق، وهو كله وعي بأن المنتخب سيخسر يوما لكنه لن ينهزم ولن ينكسر، ومن يتفوق عليه سيتعب كثيرا سواء لعب بالفريق الأول أو الثاني، بالجمهور أو بدونه، في الجزائر أو خارجها، في مباراة ودية أو رسمية، بأحد عشر لاعبا أو بعشرة، بعدما كنا نخسر بالثلاثة أمام منتخب الرأس الأخضر في الجزائر ، وكنا نخسر أمام الأفارقة والعرب والفرس والروم في الجزائر وخارجها وبنفس اللاعبين، ما يعني أن المدرب في الكرة الحديثة صار الحلقة المهمة مهما كانت أسماء اللاعبين، وكانت قيمة ومستوى المنافسين.
ما فعله ويفعله جمال بلماضي ولاعبوه لم يسبق له مثيل، قد يقودهم إلى تحقيق واحدة من معجزات القرن الحادي والعشرين، بالحفاظ على التاج القاري في الكامرون والتأهل إلى المونديال والذهاب أبعد من دور ثمن النهائي الذي بلغه الخضر في مونديال البرازيل..