أضاعت المنتخبات العربية فرصة مهمة من أجل إضافة لقب جديد إلى رصيدها، في كأس أمم أفريقيا، حيث شهدت السنوات الأخيرة، تراجع سيطرة المنتخبات العربية على الألقاب في منافسات كأس أمم أفريقيا، رغم أنها دخلت البطولة بحظوظ وافرة من أجل التتويج وحصد اللقب، ولكن النسخة 34 كانت مخيبة للآمال، فإضافة إلى النتائج السلبية، فإن الأداء لم يكن مقنعاً في معظم المباريات، ولم تستمتع الجماهير بعروض قوية رغم كثرة النجوم.
وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة، تكون أربعة منتخبات عربية مرشحة لحصد اللقب مع ضربة البداية بفرص متفاوتة بلا شك، ولكن عادة فإن منتخبات جنوب الصحراء تكون هي المرشحة للتتويج باعتبار أنها تملك أفضل اللاعبين، لكن هذه المرة اختلف الوضع، وخاصة بالنسبة المنتخب المغربي، رابع كأس العالم 2022، وصاحب أفضل إنجاز عربي وأفريقي في مونديال قطر، الذي تصدر كل ترشيحات التتويج.
كما رشح منتخب الجزائر للقب بفضل قائمة النجوم من أبطال أفريقيا 2019 وكذلك منتخب مصر، الذي يملك تقاليد كبيرة في المسابقة تجعل منه المنتخب الذي يعرف أسرار الحصول على الألقاب، فقد أثبت دائماً أنه قادر على كسب التحديات الصعبة، أو منتخب تونس، الذي يصنع المفاجآت ويصل إلى أدوار متقدمة، رغم أنه لا يملك نجوماً مثل بقية المنتخبات العربية القوية.
ولعل تألق منتخب موريتانيا، يعتبر المفاجأة السارة الوحيدة، من المنتخب الوحيد الذي لم يكن مرشحاً لصنع الحدث، ولكنه كسب التحدي بأول انتصار في سجله في النهائيات، وكذلك أول تأهل إلى الدور الثاني من المسابقة، إضافة إلى أن الكرة الموريتانية فازت بشرف إدارة نهائي المسابقة، بما أن الحكم دهان بيدا، هو الذي أدار اللقاء الختامي في مؤشر إضافي على التحسن الذي تعرفه كرة القدم النيجيرية، في وقت صدمت فيه بقية المنتخبات العربية المشاركة، جماهيرها بنتائج كارثية، في نسخة للنسيان بلا شك، ذلك أنه للمرة الأولى منذ عام 2013 تغيب المنتخبات العربية عن الدور ربع النهائي، بعد أن ودعت البطولة سريعاً.
وتكفي الأرقام المسجلة في هذه النسخة لتكشف حجم الفشل الذي رافق المنتخبات العربية في البطولة، بعد أن اقتصرت على 3 انتصارات وودعت 3 منتخبات البطولة دون انتصار، بل إن المنتخب التونسي سجل هدفاً وحيداً، في هذه النسخة في مؤشر على ضعف الحضور التونسي رغم الرقم القياسي في عدد المشاركات في البطولة توالياً، في وقت كان فيه منتخب الجزائر على موعد مع لقاء سادس توالياً في النهائيات دون انتصار، ما يثبت حجم الصعوبات التي يجدها "الخضر" في المسابقات الأخيرة.
وهذا الفشل تأكد برحيل ثلاثة مدربين مباشرة بعد البطولة، كان أولهم مدرب تونس جلال القادري، ثم الجزائري جمال بلماضي، قبل أن يلتحق بهما مدرب منتخب مصر، البرتغالي روي فيتوريا، وكل واحد منهم دفع ثمن الإخفاق في تحقيق الانتصارات في النهائيات في ساحل العاج. ويمكن القول إن المنتخبات العربية أضاعت فرصة الحصول على لقب جديد يدعم رصيدها، باعتبار أن المنتخبات التي وصلت إلى المربع الذهبي لا تفوتها من حيث القوة، وهو ما يجعل مرارة الخروج المبكر لمعظم المنتخبات مضاعفة طالما أن الفرصة كانت كبيرة من أجل حصد لقب جديد يدعم الحضور العربي.
فالمنتخب المغربي أساساً دخل البطولة في ثوب البطل ولا يلوم إلا نفسه على إضاعة فرصة تاريخية من أجل الحصول على اللقب الثاني، وهو ما ينطبق نسبياً على منتخب الجزائر، أما منتخب تونس فقد تعثّر في مواجهة منتخبات أقل منه قيمة وخاصة ناميبيا التي حققت انتصاراً تاريخياً على حساب منتخب تونس.
وتملك المنتخبات العربية، وخاصة المغرب والجزائر ومصر، نجوماً تُصنف الأفضل في البطولة، ولا تنافسها إلا نجوم منتخب السنغال وبدرجة أقل نيجيريا، ولكن عندما أصبح للعرب نجوم في مستوى عالمي ينافسون الأسماء الأفريقية القوية، كانت النتائج كارثية في مفارقة غريبة بلا شك تدفع كل الاتحادات إلى التفكير في أسباب هذا الفشل والتعجيل بالبحث عن حلول أبعد من إقالة المدربين، لأن الفشل كان فردياً وجماعياً وكذلك بدنياً وفنياً.
كما أن الخيبة طاولت كل المنتخبات تقريباً، ولم يقتصر الأمر على منتخب دون غيره ولا يمكن تحميل الفشل على المدربين فقط، وفي مثل هذه المواقف يكون من الضروري البحث عن أسباب هذه الخيبة، والسعي سريعاً إلى إيجاد الحلول خوفاً من تواصل هذه الأزمة في تصفيات كأس العالم، ذلك أن الحصاد العربي من البطولة رقم 34 كان كارثياً وصادماً، لا سيما بعد مشاهدة مستويات بقية المنتخبات، بما في ذلك ثنائي الدور النهائي.
وفي انتظار إيجاد الحلول التي تعيد لعدد من المنتخبات هيبتها، فإن المنتخبات العربية أضاعت فرصة من أجل حصد اللقب، ذلك أنه منذ عام 2010، عندما توقفت السيطرة العربية على البطولة بعد 4 ألقاب عربية توالياً بإمضاء منتخب تونس في 2004 ثم منتخب مصر في دورات 2006 و2008 و2010، فإن الحصاد العربي اقتصر على لقب وحيد حصده منتخب الجزائر في عام 2019.
وهذه الأرقام تؤكد أن منتخبات جنوب الصحراء بصدد تغيير الاستراتيجية، وباتت قادرة على تدارك النقائص التي حرمتها سابقاً من حصد الألقاب، وذلك من خلال التعاقد مع أفضل المدربين، والسعي إلى منح الفرصة إلى جيل جديد من اللاعبين، وخاصة الشبان منهم، والنسخة القادمة التي ستقام في المغرب قد تؤكد هذه المعطيات، إن لم تعمل الاتحادات على إيجاد الحلول واستغلال المرحلة القادمة من أجل استعادة الاعتبار.