خروج ألمانيا من الدور الأول لكأس العالم 2022، شكل مفاجأة فنية كبيرة، صنع الحدث في قطر وفي كل وسائل الإعلام ووسائط التواصل العالمية، ليس من الناحية الفنية فقط باعتبار المانشافت واحدا من بين أفضل منتخبات العالم، لكن أيضاً من الجانب الأخلاقي الذي حاول فيه الألمان تلقيننا درساً في الحرية واحترام حقوق الإنسان، من خلال تلك الصورة التي التقطوها قبل مواجهة اليابان وأيديهم على أفواههم في إشارة إلى منعهم من حمل شارة المثليين في مبارياته من فيفا.
وفي نهاية المطاف سقطوا رغم فوزهم على كوستاريكا في مباراتهم الثالثة بسبب تركيزهم على أمور لا علاقة لها بالكرة والمونديال، ففقدوا تعاطف المشجعين العرب وغير العرب، فخرجوا مبكراً رفقة بلجيكا والدنمارك وويلز الذين جاؤوا كلهم إلى قطر لأجل لعب مباريات من نوع آخر خسروها كلهم.
المدرب هانس فليك بدوره صرح قبل المونديال بأنه لن يحتفل في قطر بتتويج منتخب بلاده باللقب، في إشارة إلى اعتراضه على الانتهاكات التي تمارسها قطر، حسب تقديره ضد حقوق الإنسان والمرأة والعمال والمثليين بالخصوص، فكان عند وعده ولم يحتفل، لكن ليس بإرادته لأنه خرج من المونديال حزينا مكسورا وكأنها العدالة الإلهية التي أرادت أن تعاقبه وتعاقب الاتحاد الألماني ووزيرة الداخلية الألمانية التي صنعت الحدث بتصريحاتها التي انتقدت فيها احتضان قطر لكأس العالم 2022، قبل أن تتراجع عنها عند زيارتها للدوحة، دون أن يتراجع المدرب وأفراد منتخبها عن التهريج والتهييج، والتشويه والتشويش على بلد منظم وفر لهم إمكانيات وظروف إقامة لم يسبق لها مثيل في تاريخ كأس العالم بشهادة الجميع.
البعض يعتقد بأن خروج ألمانيا كان فنياً مستحقاً بمنتخب في نهاية مرحلة وأخطاء فنية كبيرة من مدرب يتقاضى 500 ألف يورو شهرياً، لم يتمكن من إعطاء المنتخب نفساً جديداً وهوية لعب ملائمة، خصوصاً عندما قرر اللعب بدون قلب هجوم صريح، والاعتماد على لاعبين تجاوزهم الزمن، بمن في ذلك الحارس مانويل نوير وتوماس مولر، وكذلك الاستخفاف بالمنافسين مثلما فعل في خرجته الأولى أمام اليابان التي خسرها بثنائية تاريخية، كانت السبب المباشر في فقدان اللاعبين توازنهم وثقتهم وخروجهم من الدور الأول للمرة الثانية على التوالي في نهائيات كأس العالم بعد التتويج باللقب سنة 2014، دون أن ينشغل آنذاك بحقوق الأطفال في البرازيل والظروف الأمنية والاجتماعية السيئة التي تعيشها.
آنذاك لم يكن الألمان يهتمون بحقوق الإنسان عندما تضامن مسعود أوزيل بمفرده مع أقلية الإيغور المسلمة في الصين، ومع الشعب الفلسطيني الذي يعاني الويلات منذ سنين في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، بل تم الاستغناء عن خدماته في المنتخب الألماني والتضييق عليه في وسائل الإعلام الألمانية التي تحاملت عليه، واتهمته بكونه مسلما، مثلما يتهمون قطر المسلمة بأنها عدوة لحقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، ولا تستحق تنظيم كأس العالم، رغم تميزها في ذلك وتسامحها مع الكثير من الممارسات إلا شرب الكحول في محيط الملاعب وداخلها، وهو الأمر الذي استحسنه الكثير لأنه قلل من أعمال العنف والشغب التي كانت تشهدها نهائيات كأس العالم كل مرة.
سقوط ألمانيا الفني، رافقه سقوط أخلاقي، وسخرية كبيرة في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي بما في ذلك في ألمانيا وأوروبا عموماً، فخسرت البطولة والسمعة، مثل كل المنتخبات التي غرقت في التفاهات ونسيت أن المشاركة في كأس العالم هي فنية كروية، قبل أن تكون سياسية أو عقائدية، ولا تسيء لعادات وتقاليد وثقافات الغير ومعتقداتهم التي تكرس المساواة والعدالة الاجتماعية، وتحفظ حقوق المرأة والطفل والمسن والوالدين، وكرامة الإنسان مهما كان لونه وجنسه وعمره.
وتبقى الخسارة الفنية واردة في الكرة لأنها لعبة، لكن الخسارة الأخلاقية تبقى وصمة عار في جبين أصحابها تلاحقهم إلى حين، وألمانيا خسرت فنياً وأخلاقياً في مونديال قطر.