بعد الإخفاق في التأهل إلى نهائيات كأس العالم مرتين متتاليتين في روسيا وقطر وما خّلفه من زلزال ضرب الكرة الإيطالية في العمق، عاد المنتخب الايطالي إلى أجواء المباريات الدولية من بوابة تصفيات كأس أمم أوروبا 2024، بخسارة على ميدانه أمام إنكلترا وفوز على مالطا، صنع فيها الحدث الوجه الجديد في التشكيلة، الأرجنتيني ذو الأصول الإيطالية ماتيو ريتيغي الذي سجل هدفين في المباراتين، ما دفع الكثير من الإيطاليين إلى دعم فكرة تغيير الجنسيات الرياضية لأبناء الإيطاليين المهاجرين إلى بلدان أميركا الجنوبية والمقدر عددهم بالملايين، لتعويض النقص الفادح في المواهب الكروية على مستوى الأندية والمنتخبات، مما أدى إلى تراجع نتائجها على المستوى الأوروبي والعالمي.
صانع الحدث في منتخب إيطاليا الأسبوع الماضي، المهاجم ريتيغي البالغ من العمر 23 سنة، المعار من بوكا جونيورز إلى نادي "تيغر" الأرجنتيني، سبق له اللعب مع المنتخب الأرجنتيني لأقل من 20 سنة، قبل أن يخطفه المدرب روبيرتو مانشيني ويتألق في أول خرجة، ما أثار جدلاً في الأوساط الفنية والإعلامية والجماهيرية بين مؤيد لفكرة الاستعانة باللاعبين الأرجنتينيين والبرازيليين من أصول إيطالية لدعم مختلف المنتخبات، كما تفعله عديد البلدان الأوروبية، وبين رافضٍ للمبدأ تشجيعاً للاعب المحلي وحفاظاً على هوية اللعب الإيطالية والروح التي تتميز بها، في وقت يجمع الكثير على أن الكرة الإيطالية صارت تفتقد للمواهب، ويجب البحث عنها أينما كانت وتجنيسها مثلما تفعل فرنسا وإنكلترا وبلجيكا وألمانيا وسويسرا التي يوجد في صفوفها ما لا يقل عن خمسة عشر لاعبا مجنساً.
مدرب المنتخب الإيطالي روبيرتو مانشيني صار من أشد المؤيدين لفكرة التجنيس وتغيير الجنسيات الرياضية على الأقل للاعبين الذين لديهم أصول إيطالية، على غرار عشرات الملايين الذين يعيشون في الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي من الذين هاجر أجدادهم بداية القرن العشرين الى أميركا الجنوبية، حتى أن بعض الأرقام تفيد بأن نسبة الأرجنتينيين من أصول إيطالية تصل إلى 50 بالمائة من عدد السكان، و45 بالمائة في الأوروغواي، و17 بالمائة من أصول إيطالية في البرازيل التي سبق وأن منحت لإيطاليا مؤخراً ثلاثة لاعبين ساهموا في تتويج إيطاليا ببطولة كأس أمم أوروبا سنة 2021 وهم جورجينيو، إيمرسون وتولوي، ويوجد أمثالهم مئات اللاعبين الذين ينشطون في مختلف دوريات أميركا الجنوبية.
تسريبات إعلامية تحدثت في الأيام الماضية عن اهتمام مانشيني بلاعب ليون الفرانكو جزائري، ريان شرقي، الذي يتمتع بأصول ايطالية من والدته وأخرى جزائرية من والده، إضافة إلى جنسيته الفرنسية، ما يسمح له باكتساب الجنسية الرياضية للبلدان الثلاثة، وهو الأمر الذي دفع بالمدرب الإيطالي إلى ربط اتصالات مع محيط اللاعب لاستقطابه رفقة مواهب أخرى في نفس الوضعية، في ظل نقص فادح لذوي المهارات في أوساط الشبان الإيطاليين الذين سُدت في وجوههم أبواب الكالشيو الايطالي الذي تفضل أنديته استقدام لاعبين أجانب لسد النقص، على إعطاء الفرصة للشبان الإيطاليين أو أولئك الذين لديهم أصول إيطالية، علما أن إيطاليا تملك أكبر عدد من المهاجرين في العالم، ومواهب كثيرة بإمكانها اللعب في الدوري الايطالي على الأقل.
المعارضون لفكرة الاستعانة باللاعبين من أصول ايطالية، من المحافظين في الوسط الكروي وحتى السياسي، ينادون بضرورة الاستعانة بالإيطاليين من مواليد إيطاليا دون غيرهم، على غرار الأسطورة الراحل تشيزاري مالديني الذي كان من أكثر المتعصبين والمتشددين في موضوع التجنيس والاستعانة بأبناء الإيطاليين المهاجرين، قبل أن تتغير المعطيات والمفاهيم ويأتي زمان تصبح فيه إيطاليا عاجزة عن التأهل إلى نهائيات كأس العالم، وتعول على لاعب أرجنتيني من أصول إيطالية اسمه "ماتيو ريتيغي" يقود إلى تقسيم الوسط الكروي مجدداً بين محافظ على التقاليد ومتحرر من العقد، يسعى إلى تجاوز مسألة الجنسية والأصول وحتى اللون لأجل استعادة أمجاد ايطاليا الكروية وتجاوز نقاش لم يعد مطروحاً في عديد البلدان الأوروبية بالخصوص.