كيف تنظر "حماس" إلى المصالحة

27 اغسطس 2017
مفاعيل اتفاق الشاطئ لا تزال سارية (علي جادالله/الأناضول)
+ الخط -
لم يكن الانقسام الفلسطيني الذى وقع عملياً عام 2007 إلا انعكاساً لواقع التباين السياسي والمنهجي في الرؤى والمواقف لكل من حركتي حماس وفتح على الساحة الفلسطينية، تمثل ذلك من خلال تبني حركة حماس لمنهج المقاومة ضد الاحتلال من أجل استرداد الحقوق، وفى المقابل تبنت حركة فتح منهج "التسوية السلمية" من أجل تحقيق ذلك الهدف.
وطوال أكثر من ثلاثة عقود مضت، كانت المناكفات السياسية والصدامات بين الحركتين حاضرة وعلى كل الصعد في الساحة الفلسطينية، إلى أن وصلت إلى ذروتها بعد فوز حماس بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وقيامها بتشكيل الحكومة الفلسطينية، وما تبع ذلك من اعتراض ومناكفة كبيرة قادت إلى إنتاج حالة من الصدام المسلح بين الطرفين قتل فيه العشرات، وأدى إلى انهيار السلطة في قطاع غزة وسيطرة حماس على كافة القطاعات الحكومية الأمنية والمدنية.

منذ ذلك الوقت بات مصطلح الانقسام عنواناً للواقع الفلسطيني داخلياً وخارجياً، ليس هذا فحسب بل إن مضي أكثر من عشر سنوات على هذا الانقسام أدى إلى خلق تعقيدات كبيرة وتباينات واضحة في المواقف والسلوك لدى طرفي الانقسام، فحماس في غزة استطاعت طوال السنوات السابقة أن تخلق بيئة حياتية ومؤسساتية تخدم رؤيتها السياسية. في المقابل، تمكنت فتح في الضفة الغربية من التحكم في واقع الحال هناك وبناء منظومة تخدم توجهاتها السياسية، وهذا بحد ذاته عزز من تمسك كلا الطرفين بما يراه سبيلاً لإنهاء حالة الانقسام الداخلي.


لقد جرت حوارات عديدة بين الطرفين وبرعاية أكثر من طرف عربي لتقريب وجهات النظر وإيجاد حالة من التفاهم قائمة على قواسم مشتركة يُمكن البناء عليها لإعادة تماسك الجبهة الداخلية الفلسطينية لمواجهة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، كانت أبرز هذه الحوارات تلك التي جرت في القاهرة ونتج منها ما يُعرف باتفاق المصالحة الفلسطيني الذي تم التوقيع عليه عام 2012، وما تبعة من اتفاق عُرف بتفاهمات الشاطئ في إبريل/نيسان من عام 2014، نسبة للمكان الذي وقع فيه وهو منزل قائد حماس في غزة حينها إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ.
واشتمل اتفاق المصالحة الفلسطيني على خمسة ملفات رئيسة، هي: تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، تفعيل المجلس التشريعي، إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، إغلاق ملف المصالحة المجتمعية، إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني. ومثلت هذه الملفات الخمسة قاعدة رئيسة للوصول إلى مصالحة بين طرفي الانقسام، لكن كلا الطرفين لم ينجحا حتى اللحظة في التقدم في أيِ من هذه الملفات إلا بالقدر اليسير.
لقد نجح الطرفان في تفاهمات الشاطئ بتشكيل حكومة متوافق عليها، عُرفت بحكومة التوافق والتي لا تزال قائمة حتى اللحظة، إلا أن الأمور لم تسر وفق ما تم التوافق عليه بشأن مهامها، فلم تستلم الحكومة مهامها في قطاع غزة بدعوى أن حماس لا تُمكنها من ذلك، وحماس تقول لا أحد يمنعها من استلام مهامها والتعامل مع المؤسسات وما بها من موظفين على رأس أعمالهم، الأمر الذي ترفضه حكومة التوافق برئاسة رامي الحمد الله، وتعتبر هؤلاء الموظفين الذين عينتهم حماس على مدار العشر سنوات الفائتة والبالغ عددهم ما يقارب الخمسين ألفاً غير شرعيين، ما شكل عائقاً رئيساً أمام التقدم في الملفات الأخرى للمصالحة.

إن رؤية حماس لإتمام المصالحة الداخلية تستند إلى السير في تطبيق كافة ملفات المصالحة الخمسة بالتوازي، والاعتراف بشرعية جميع الموظفين العاملين في مؤسسات الحكومة في غزة، وترى أن هذا الاعتراف مؤشر إيجابي لصدق النوايا من قبل حركة فتح للسير في إتمام باقي الملفات.
في المقابل يُعد رفض حركة فتح ذلك دليلاً على اختلال الثقة بين الطرفين وبالتالي المراوحة في المكان بشأن التقدم في أيٍ من الملفات الأخرى.
ترى حماس أن حركة فتح غير جادة في تطبيق ما وقعت علية في اتفاق المصالحة، وأنها، أي فتح، تهدف إلى إخراج حماس من المشهد السياسي الفلسطيني من نفس البوابة التي دخلت منها وهي الانتخابات، لذلك تركز حركة فتح دائماً في مطالباتها لحماس بالموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات التشريعية، دون التطرق إلى باقي ملفات المصالحة الأخرى التي ترى فيها حماس أنها رزمة واحدة ينبغي السير فيها معاً.


مع مضي الوقت وصلت حركة حماس إلى قناعة بأن وجود الرئيس عباس على رأس حركة فتح وفي قيادة السلطة يُمثل عائقاً أمام إتمام المصالحة الداخلية، ما دفعها إلى البحث عن خيارات أخرى تهدف من خلالها تفكيك أزمات القطاع الذي بات يعيش في وضعٍ مأساويٍ جراء ما يتعرض له من حصارٍ خارجيٍ وعقوبات. ورغم توصل حماس مؤخراً إلى ما عُرف بتفاهمات القاهرة مع كل من مصر والقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، والذي يُعد الخصم اللدود للرئيس محمود عباس، إلا أنها لا تزال تؤكد على جديتها في التمسك بما تم التوقيع عليه مع حركة فتح وترى في ذلك سبيلاً واضحاً للخروج من هذه الحالة الاستثنائية التي بات يعيشها الشعب الفلسطيني والتي أدت إلى تراجع كبير في مستوى التماسك الوطني داخلياً والتأييد والمساندة لقضيته على المستويين الإقليمي والدولي خارجياً.


وقد عبر عن ذلك رئيس المكتب السياسي الجديد للحركة إسماعيل هنية في خطابه الشهير في غزة بداية تموز/يوليو 2017، حيث أشار إلى أن المصالحة الوطنية ستبقى على رأس أولويات حركة حماس وأنها ستبذل كل الجهود من أجل استعادة اللحمة الوطنية والعمل مع الجميع الوطني من أجل تأسيس استراتيجية نضالية موحدة قائمة على التمسك بالثوابت والدفاع عن المقدسات وتأسيس الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

وقد صاغ محددات خمسة يمكن الارتكاز عليها لبناء وحدة داخلية لمواجهة الأخطار وإنهاء أي خلاف داخلي وهي "صياغة برنامج سياسي واضح، تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني، التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، إعادة تفعيل المؤسسات الوطنية وخاصة المجلس التشريعي، وقف التعاون والتنسيق الأمني مع الاحتلال".
ولأجل تحقيق ذلك لا بد من تهيئة الأجواء والظروف من خلال إزالة كافة المعيقات وفي مقدمتها التراجع عن جميع الإجراءات العقابية التي تم اتخاذها مؤخراً بحق غزة.
إن جوهر رؤية حماس لإتمام المصالحة الداخلية قائم على قناعاتها بسلامة المنهج الذي تتبناه – المقاومة - للتعاطي مع القضية الوطنية ولإدارة دفة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فهي حريصة على تعزيز الالتفاف الوطني حول هذا المنهج وكذلك خلق بيئة وطنية مؤسساتية وشعبية مساندة له، وفي المقابل إظهار فشل المناهج الأخرى القائمة على الساحة السياسية.
إن حركة حماس تستند في تمسكها بهذه الرؤية إلى ما استطاعت أن تحققه في قطاع غزة وخاصة في جانب التصدي للاحتلال خلال المواجهات التي جرت على مدى العشر سنوات الفائتة.
(أكاديمي فلسطيني/غزة)

المساهمون