يهود الجزائر.. إعادة فتح المعابد الدينيّة بين القبول والرفض

15 يناير 2015
إعادة فتح المعابد يخضع لقوانين البلاد (مهدي فيدوهاش/فرانس برس)
+ الخط -

يتابع يهود الجزائر جميع التصريحات الرسمية المتعلقة بإعادة فتح معابدهم (يوليو/تموز الماضي) وردود الفعل الرسمية والشعبية، وخصوصاً أن الأمر يعدّ "تابو" في البلاد، في انتظار إحالة القضية إلى البرلمان. من بينها تصريح وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، الذي قال إن "الجزائر لا تعادي اليهود، لكن إعادة فتح معابد لهم يخضع لقوانين البلاد. لا ينبغي تأويل هذا القرار، لأن المعابد كانت موجودة وأغلقت فقط بسبب المشاكل الأمنية التي شهدتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي".

في المقابل، برزت ردود فعل عنيفة وانتقادات من متشددين في البلاد. حزب "الصحوة الحرة" قال إن "قرار فتح معابد يهودية لن يمر بسلام. فقد أبلغنا السلطات استهجاننا وأسفنا، وخصوصاً أن فتح معابد وكنائس يعد الخطوة الأولى للاعتراف بالأقليات". من جهته، يقول الباحث فوزي سعدالله، وهو صاحب كتاب "اليهود في الجزائر"، لـ "العربي الجديد": "لا أعتقد أن إعادة فتح المعابد اليهودية يعد مشكلة، لأنه يدخل من الناحية الأخلاقية والفلسفية في إطار احترام حرية المُعتقد، ومن وجهة النظر الإسلامية، فيدخل في سياق احترام أهل الكتاب. يحتج المسلمون حين يُمس حقهم في أية دولة في العالم. لذلك علينا احترام حق الآخرين في ممارسة شعائرهم الدينية في بلادنا إذا أردنا على الأقل أن نُحترَم في الخارج".
في المقابل، يرى البعض أن الحكومة الجزائرية تستجيب لضغوط خارجية لأغراض سياسية. وتجدر الإشارة إلى أن أزمة التسعينيات ساهمت في هجرة كثيرين، حتى نسي الجزائريون أنهم مجتمع متعدد الثقافات.

تابو

في السياق، يقول أحمد سعدوني من حي القصبة: "أرفض إعادة فتح أي معبد يهودي في الجزائر. لا يعني ذلك أنني عنصري أو لا أتقبل الديانة اليهودية، لكن في ظل ما يجري اليوم في قطاع غزة التي تقصف بالصواريخ، أرى أنه لا يمكن لليهود أن يتحاوروا مع أحد. ومن لا يتقبل الآخر لا ينبغي عليّ قبوله". فيما ترى حسينة عمراوي أن "تجربتنا مع يهود الجزائر كانت جيدة، منذ ثورة التحرير والاستقلال، لم يظلموا وعاشوا حياة عادية وطبيعية. لكنهم اختاروا الرحيل إلى فرنسا بعد الاستقلال". أما سليمان لعروجي، وهو طالب جامعي، فيقول: "في المجتمع الجزائري كما في المجتمعات الأخرى، هناك مواطنون لا ينتمون إلى الدين الإسلامي. لذلك، على السلطات تأمين أماكن لهم للعبادة، وهذا يشمل اليهود المسيحيين وغيرهم".

الكتابات العربية عن يهود الجزائر قليلة، هم الذين هاجروا على دفعات لأسباب عدة، وخصوصاً بعدما منحتهم فرنسا المواطنة، ليدرجوا في خانة المعادين للاستقلال، عدا قلة. يعدّ الحديث عنهم تابو سياسيّاً واجتماعيّاً. لا توجد إحصائيات رسمية حديثة عنهم. ازداد عددهم خلال حقبة الاستعمار الفرنسي (1830 - 1962). وتشير دراسات إلى أن أكثر من 120ألف يهودي كانوا يعيشون في الجزائر قبل أن يهاجر غالبيتهم إلى فرنسا، لكن البعض عمل لصالح المستعمر.
بدورها، قالت عدد من وسائل الإعلام المحلية إن عدد اليهود في البلاد عام 1962 لم يكن يتجاوز الـ 25 ألف نسمة، بينهم 6آلاف في العاصمة. ووفقاً لبعض المراجع التاريخية، وتحديداً بعد مفاوضات "إيفيان" التي انتهت باتفاق على وقف إطلاق النار في شهر مارس/آذار عام 1962، بدأت الهجرات الجماعية لليهود من الجزائر إلى فرنسا ومنها إلى فلسطين المحتلة، علماً أن الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بله (1962 ـ 1965) خيّرهم بين البقاء أو الرحيل، ليصبح عددهم نحو ألف في بداية سبعينيات القرن الماضي.

لا ذاكرة

في السياق، يقول سعدالله لـ "العربي الجديد" إن "الكتابات عن اليهود قليلة بسبب إهمال الجزائريين دولة وشعباً لذاكرتهم، وضعف البحث، ما يعكس الضعف العام للدولة وتدهور أوضاعها الذي بلغ أشده في التسعينيات". يتابع: "أساءت السلطات إدارة شؤون الذاكرة الجماعية واكتفت بالتركيز على تاريخ المقاومة الجزائرية للاحتلال. هذا جزء هام من تاريخنا، لكنه لا يختصر كل شيء". يضيف "كان اليهود جزءاً من المجتمع الجزائري. كانوا ينظمون الشعر بالعربية والعامية".
يتابع عبدالله إن "الاحتلال الفرنسي أثر على هذا الانسجام بعدما سلخ الطائفة اليهودية عن بقية المجتمع، وخصوصاً بعد مرسوم كريميو عام 1871، الذي منح اليهود المواطنة الفرنسية. أمرٌ دفع غالبية اليهود إلى مساندة المحتل الفرنسي عند اندلاع ثورة التحرير الجزائرية، واختار غالبيتهم الرحيل". يتابع "الذين بقوا في البلاد بعد الاستقلال عاشوا من دون أية مشاكل".
وعن محاولات عودتهم إلى الجزائر، يقول سعدالله: "باستثناء الذين بقوا في البلاد بعد الاستقلال، يأتي بعض المهاجرين بهدف السياحة، منهم من يطالب باستعادة ممتلكاته، أو لعقد صفقات تجارية. عادة ما لا يرغب أحد منهم في الاستقرار في البلاد بشكل تام، وخصوصاً أن أوضاع البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي لا تغري كثيراً بالعودة، حتى بالنسبة لأبنائها المهاجرين".

وكانت وزارة الشؤون الدينية اعتمدت، قبل فترة وبشكل رسمي، ممثلية للديانة اليهودية في الجزائر يترأسها المحامي، روجي سعيد، الذي كان يقيم في منطقة البليدة قبل أن يغادر عام 1993 إلى مدينة مرسيليا (فرنسا) بسبب الوضع الأمني، بالإضافة إلى السماح لهم بممارسة بعض النشاطات ضمن القانون. وكانت الجزائر قد أقرت في مارس/آذار عام 2006 قانوناً لتنظيم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، المقدر عددهم بعشرة آلاف شخص. وينص القانون على منع الدعوة لاعتناق دين غير الإسلام، كما يمنع ممارسة أي ديانة أخرى شعائرها خارج المباني المخصصة لها قبل الحصول على ترخيص.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الجمعيات المسيحية المعتمدة في البلاد هي ثماني. وسبق أن تم الإعلان عام 2003 عن مخطط مشترك بين الجزائر وفرنسا لردّ الاعتبار للمعابد والمقابر اليهودية. وأعيد ترميم مقبرة بولوغين بكلفة بلغت 108 ملايين دينار، بالإضافة إلى مقابر أخرى في قسنطينة وعنابة والبليدة وتلمسان وبوسعادة.
دلالات