أثار قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القاضي بتسهيل إجراءات منح جنسية بلاده لسكان منطقة دونباس (جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتَين) الواقعة إلى الشرق من أوكرانيا والموالية لموسكو، ردود فعل متباينة في روسيا. ثمّة من رأى أنّ من شأن ذلك المساعدة على زيادة عدد السكان عن طريق جذب مهاجرين ناطقين بالروسية، في حين حذّر آخرون من العبء المالي الإضافي الذي قد يطاول منظومة الرعاية الاجتماعية الروسية من جرّاء ذلك، لا سيّما صناديق التقاعد.
وسط التغيّرات المسجّلة في الهرم السكاني بروسيا، وارتفاع عدد المسنين في مقابل تراجع نسبة الشباب، اضطرت الحكومة الروسية في الصيف الماضي إلى الإعلان عن إصلاح يقضي برفع تدريجي لسنّ التقاعد من 60 إلى 65 عاماً للرجال ومن 55 إلى 63 عاماً للنساء، الأمر الذي أثار غضباً واحتجاجات واسعة في البلاد. وبحسب تقديرات خبراء اقتصاديين، فإنّ صرف معاشات للمجنّسين الأوكرانيين سوف يكلف الميزانية الفيدرالية الروسية بضعة مليارات إضافية من الدولارات، الأمر الذي ينذر بمزيد من الغضب بين المواطنين المستائين من تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في بلادهم.
يقلل الصحافي المستقل المتخصص في الشؤون الأوكرانية، قسطنطين سكوركين، من "واقعية تقدّم عدد كبير من سكان جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين بطلبات للحصول على الجنسية الروسية"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ "موسكو قادرة على تحمل الأعباء المالية الإضافية الناجمة عن ذلك". ويقول سكوركين لـ"العربي الجديد"، إنّه "في حال انتقل جميع متقاعدي دونباس إلى منظومة المعاشات الروسية، سوف يكلّف الأمر الميزانية الفيدرالية ما بين 1.5 مليار دولار أميركي و2.5 مليار"، مضيفاً أنّ "مثل هذه الأعباء لا تمثّل مشكلة للقيادة الروسية، إذ إنّها تتعلق بالهيبة الجيوسياسية للدولة". لكنّه يؤكد أنّ "الرأي العام الروسي لن يرحّب بمثل ذلك ولو تجاه شعب شقيق، بعد ردود فعل غاضبة بسبب إصلاح منظومة التقاعد". وعن أهمية الأبعاد الاجتماعية للقضية، يوضح سكوركين أنّ "منح الجنسية لسكان جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتَين هو بالدرجة الأولى قضية إعانات اجتماعية، إذ إنّهم بمعظمهم من الشيوخ، في حين أنّ السكان في سنّ العمل غادروا بمعظمهم إمّا إلى روسيا وإمّا إلى أوكرانيا من أجل العمل". لكنّه يلفت إلى أنّ "المعاشات لن تُصرَف إلا للذين ينقلون محلّ إقامتهم إلى داخل روسيا".
إلى جانب الاعتبارات السياسية، يحمل قرار منح الجنسية للأوكرانيين أبعاداً ديموغرافية، في ظلّ سعي روسيا إلى زيادة عدد سكانها عن طريق جذب مهاجرين ناطقين باللغة الروسية، نظرا إلى سهولة اندماجهم. ويشرح سكوركين أنّ "المبادرة تندرج في إطار العقيدة السكانية الروسية الجديدة الهادفة إلى استقبال ما بين خمسة ملايين و10 ملايين مواطن ناطق بالروسية من الجمهوريات السوفييتية السابقة، في مقدّمتها أوكرانيا وكازاخستان ومولدوفا". مع ذلك، يقول إنّه "ليس من المتوقع حصول عدد كبير من سكان جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتَين على أوراق ثبوتية روسية قريباً، لأنّ أحد الشروط هو حمل المتقدّم أوراقاً رسمية من إحدى هاتَين الجمهوريتَين غير المعترف بهما، فيما لا يزيد عدد حاملي الأوراق عن 250 ألفاً من أصل ثلاثة ملايين نسمة".
وكان بوتين قد وقّع في نهاية إبريل/ نيسان المنصرم مرسوماً يقضي بتسهيل إجراءات منح الجنسية الروسية لسكان جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتَين (غير المعترف بهما دولياً)، على ألا تزيد مدّة النظر في الطلب عن ثلاثة أشهر، كذلك سوف يُعفى سكان دونباس من الشروط المتعلقة بمدّة الإقامة في داخل روسيا والتخلي عن الجنسية الأوكرانية واجتياز امتحان اللغة الروسية، وغير ذلك. وبينما أثارت هذه الخطوة استياء كييف، دافع بوتين عن قراره وعزاه إلى "اعتبارات إنسانية" ومستشهداً بتجارب المجر ورومانيا وبولندا في منح جنسياتها لأجانب تعود أصولهم إلى تلك الدول. وفي الأوّل من مايو/ أيار الجاري، وقّع بوتين مرسوماً آخر من شأنه تسهيل إجراءات تجنيس الأوكرانيين الذين ولدوا وأقاموا في شبه جزيرة القرم قبل أن تضمّها روسيا في مارس/ آذار 2014، إلى جانب مواطني أفغانستان والعراق واليمن وسورية في حال ولدوا في روسيا السوفييتية وحملوا جنسية الاتحاد السوفييتي قبل تفكّكه في عام 1991.
تجدر الإشارة إلى أنّه بعد اندلاع النزاع المسلّح في شرق أوكرانيا، توقّفت السلطات في كييف عن تحويل المعاشات والإعانات الاجتماعية إلى جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتَين في صيف عام 2014، الأمر الذي أدّى إلى ازدهار "سياحة المعاشات"، فصار وسطاء يتوجّهون إلى مناطق خاضعة لسيطرة كييف لتحصيل المبالغ بواسطة أجهزة السحب الذاتي، في مقابل عمولات. لكنّ القواعد تغيّرت لاحقاً، فبات الحقّ في تقاضي المعاشات يقتصر على المسجّلين كنازحين.