منذ أكثر من شهر، يتردّد اسم مدينة ووهان الصينية، إذ إنّها تُعَدّ مركز تفشّي السلالة الجديدة من فيروس كورونا الذي يؤرّق العالم اليوم. والمدينة الواقعة في إقليم هوبي، وهي عاصمته، تُعَدّ في الأساس مدينة صناعية كبيرة ذات موقع استراتيجي في وسط الصين، وتقيم علاقات وثيقة مع فرنسا. بماذا تتميّز هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، والتي يُفرَض عليها اليوم حجر صحي؟
ووهان نقطة التقاء محورَين كبيرَين، هما يانغتسي، أطول نهر في آسيا، الذي يعبرها من الغرب إلى الشرق، والمحور الشمالي الجنوبي بكين-هونغ كونغ. وكانت عاصمة إقليم هوبي قد شهدت تدشين أوّل جسر على نهر يانغتسي في عام 1957. وفي مؤشّر على موقعها الاستراتيجي، تضمّ المدينة قنصليات عدد من الدول (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية). وهي محطة ملاحية مهمّة، إذ تربطها رحلات مباشرة مع أوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة الأميركية.
في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1911، شكّل تمرّد في ثكنة في مدينة ووهان بداية الثورة التي أدّت إلى سقوط آخر إمبراطور للصين، الطفل بويي (ثلاثة أعوام). وقد عُرف عن سكان المنطقة أنّهم أشداء. كذلك تُعرف ووهان بمناخها الصيفي الحار، وهي تشكّل مع نانكين وشونغكينغ واحدة من ثلاث مناطق حارّة مطلة على نهر يانغتسي.
بفضل موقعها في وسط الصين، استفادت المدينة في عهد ماو من استراتيجية نقل الصناعات إلى المناطق الداخلية التي تُعَدّ أكثر حصانة. وهي اليوم من بين مراكز الصناعات المعدنية، إذ تُصمّم فيها ستّون في المائة من سكك حديد القطارات السريعة في البلاد. وتستقطب مصانعها عدداً هائلاً من العمّال، قدّر رئيس بلدية المدينة عددهم بنحو خمسة ملايين عامل. كذلك فإنّ ووهان رائدة في التقنيات الحديثة، وقد صنّفها مركز "ميلكن إنستيتيوت" في عام 2019 في المرتبة التاسعة على قائمة المدن الصينية "الأفضل أداءً" في قطاعات تراوح ما بين صناعة الكمبيوترات والطب الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، تضمّ المدينة نحو 160 شركة يابانية تعمل في قطاعات عدّة.
تُصنَّف ووهان كذلك مركزاً كبيراً لصناعة السيارات. ففيها تأسست شركة دونغ فينغ (رياح الشرق) ثاني شركة لصناعة السيارات في البلاد وشريكة المجموعتَين اليابانيتَين "نيسان" و"هوندا" والمجموعتَين الفرنسيتَين "بيجو" و"رينو". وتفيد أرقام نشرتها صحيفة "شانغليانغ ديلي" بأنّها تضمّ أكثر من عشرة مصانع لإنتاج السيارات ونحو 500 شركة لتجهيزات السيارات، في قطاع تقدّر قيمته بنحو 400 مليار يوان (نحو 58 مليار دولار أميركي). وقد بلغ إنتاج المدينة نحو 1.7 مليون سيارة في عام 2018. ولدى "بيجو" ثلاثة مصانع في ووهان، يعمل فيها نحو ألفَي شخص. أمّا منافستها "رينو"، فقد فتحت أوّل مصنع لها في الصين في هذه المدينة في بداية عام 2016.
إلى جانب الشركات الفرنسية فيها، تربط علاقات تاريخية وثقافية بين المدينة وفرنسا. وكان شطر من ووهان يحمل اسم هانكو قد استقبل في نهاية القرن التاسع عشر، تحت ضغط القوى الغربية، أوّل امتياز فرنسي شكّل بداية التصنيع. وتضمّ اللائحة القنصلية أسماء نحو 500 فرنسي فيها، فيما يوفّر معهد "أليانس فرانسيز" دورات في اللغة ونشاطات ثقافية فيها منذ عام 2000. كذلك تقيم جامعة ووهان المعروفة بقسم اللغة الفرنسية، تعاوناً مع جامعات باريس منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكذلك مع جامعتَي ليون وليل.
(فرانس برس)