العاملات الأجنبيات في لبنان.. أمومة مع وقف التنفيذ

13 يونيو 2014
الظروف الاقتصادية تدفع العاملات الأجنبيات للعمل في لبنان(فرانس برس/Getty)
+ الخط -

 

لا تقتصرُ معاناة العاملات الأجنبيات في لبنان على ظروف العمل الصعبة التي يجبِرن أنفسهن على تحمّلها في بلاد الاغتراب، من أجل تأمين لقمة عيشهن. فقد دُسن على مشاعر كثيرة، كالأمومة والعائلة. دفعتهن الظروف الاقتصادية الصعبة في بلادهن إلى ترك أطفالهن مع جداتهم، ليكبروا في غفلة عنهن. يُضاف إلى ذلك تفكّك العائلة في بعض الأحيان بسبب البعد. 

اعتادت سيمنتي السريلانكية اتخاذ القرارات الصعبة بمفردها. فبعد إيقاف زوجها نيرمان عن العمل، اضطرت إلى العمل لتأمين مصاريف تربية صغيرها سيتوم. صارت تلعب دور الأم والأب. مع مرور الوقت، كان عليها اتخاذ قرار السفر. اختارت لبنان رغم معارضة زوجها للفكرة.

تقول سيمنتي لـ "العربي الجديد": "بعدي عن ابني يقتلني. لكنني بعد كل اتصال معه، أواسي نفسي بسماعه يتحدث فرحاً عن ملابسه النظيفة التي ابتاعتها له والدتي من المال الذي أرسلته إليهم الشهر الماضي". وتضيف، وقد بدا الحزن على وجهها: "أجني في الشهر 250 دولاراً، وأرسلها إلى زوجي بالكامل. فبدل إيجار الشقة التي نسكنها يبلغ 30 دولاراً، والكهرباء عشرة دولارات، ومستلزمات البيت 100 دولار، لتصل مجمل التكاليف إلى 200 دولار". تتنهد قبل أن تتابع: "إذا كان عملي في خدمة المنازل يُعيل عائلتي ويبعد عنها الجوع ويحميها من المرض، فأنا مستعدة للعمل من أجلها".

خلال حديثها، تكرر سيمنتي كلمة طفلي، وتقبّل صورته. تتذكر الكلمات الأخيرة التي قالها سيتوم قبل مغادرتها سريلانكا. تقول: "في السفرة الأولى، أخبرت سيتوم أنني سأغيب أربعة أيام لجلب الهدايا له، فغبت سنتين. وعندما عدت لزيارته، صار يُكثر من الأسئلة، على غرار: ماذا تعملين؟ وهل يعاملك أصحاب العمل جيداً؟ وبعد تجديد عقد عملي، حزمت أمتعتي لأغادر من جديد، إلا أن ابني هددني بالرسوب في المدرسة إذا ذهبت، فأقنعته بأن جدته العاجزة بحاجة إلى دواء، والسفر هو الحل الوحيد. فقبّلني وودعني".

تقول سيمنتي إن علاقتها بزوجها "شبه منقطعة". وتضيف "في بعض الأحيان، أشعر بأنه على علاقة مع امرأة أخرى. فهو لا يهتم لمكالمتي إلا حين يحين موعد إرسال المال. لكنني أصلّي لأجل بقاء العائلة موحدة. فهذه المشاعر السلبية من شأنها تدمير حياة ابني". لكنها في الوقت نفسه، تخشى أن "تتحول إلى آلة لجلب المال فقط".

في المنزل المجاور لسيمنتي، تسكن بيانكا التي تركت سريلانكا أيضاً للعمل في لبنان. تعاني بدورها قسوة الغربة. حين يفتقدها أصحاب المنزل الذي تعمل فيه، يجدونها لدى العم أبو محمد، صاحب محل الاتصالات الدولية، تنتظر تَوفُّر خط لتُحدث زوجها وأولادها.

الأمراض التي تعاني منها بيانكا لم تمنعها من بذل جهد كبير لإرضاء ربة المنزل التي تعمل لديها. تسعى فقط إلى جمع المال للاتصال بعائلتها والاطمئنان عليها. لم يمرّ على وجود بيانكا في لبنان سوى أشهر قليلة. تُتابع أخبار بلدها من كوارث طبيعية وظروف اقتصادية متدهورة، وتشتري باستمرار مجلة محلية شهرية تحكي عن بلدها. تسعى جاهدة إلى التأقلم مع ظروف عملها الجديد. لكنها تقول إن محاولاتها باءت بالفشل بسبب "عدم قدرتي على التغلب على مشاعر الأمومة". وتضيف يائسة: "قررت الرحيل ولن أتراجع عن موقفي، مشكلتي الوحيدة هي في عقد العمل الذي ينتهي بعد سنتين. وإذا أردت فسخه، يتوجب عليّ دفع غرامة مالية كبيرة لا أملك منها شيئاً".

وتشير بيانكا إلى أنها حاولت مراراً اختراع الحجج لترحيلها. تقول: "في إحدى المرات، لم أتحمل اشتياقي لزوجي وأولادي الذين كانوا يحتفلون بنجاح ابنتي الصغيرة في المدرسة. طلبت من أصحاب المنزل ترحيلي، فتم احتجازي في المنزل وإخفاء جواز سفري وحرماني من راتبي. خرجت إلى شرفة المنزل وصرخت وهددت برمي نفسي. فتدخلت صاحبة المكتب التي تولت الاهتمام بأوراقي وسمحت لي بالتحدث مع زوجي الذي أقنعني بالبقاء سنتين ريثما تتحسن أحوالنا".

تؤكد بيانكا أن وجود الأطفال في مكان عملها يزيد من اشتياقها لأولادها، فتتمنى لو أنها "تعد الفطور لهم، وترافقهم إلى المدرسة، وتهتم بأناقتهم، وتفرح وتحزن معهم، كما تفعل مع أولاد أرباب العمل".

تتشابه قصة بيانكا مع إلسا البنجلادشية التي تعمل في أحد المطاعم الأجنبية في وسط بيروت. تمضي وقتها تحمل هاتفها الخليوي لتتحدث مع شقيقتها عبر تطبيق "واتساب"، فتطمئن على صحة ابنها الذي يعاني من الربو. تشرح أنه "في كل اتصال مع ابني، يسألني عن موعد عودتي. يبكي ويخبرني أنه يفتقدني. يغضب بسبب بُعدي عنه. يقول: أريد أن أعيش معك كما يعيش أولاد خالتي مع والدتهم".

انفصلت إلسا عن زوجها بعدما أخبرتها صديقتها عن ممارسات غير أخلاقية يقوم بها في غيابها. تقول ضاحكة: "أعمل خادمة وأنظف الحمامات لأؤمن له ولابني المال، لكنه لا يهتم لمشاعري، لماذا لم أقدم على خيانته كما فعل؟".
لكنها تتطرق إلى مشكلة أخرى "بعد انفصالي عنه، بدأ يزرع الأفكار السيئة عني في ذهن ابني. وصار يتهمني بأشاء كثيرة". مع ذلك، تُدرك أن "هذه هي ضريبة الغربة".

دلالات