مرض السرطان ليس تابو في الدول الإسكندنافية

06 ديسمبر 2014
شخص من ثلاثة معرّض للإصابة بالسرطان (دين لوينس/فرانس برس)
+ الخط -
لأن نشر التوعية بين العامة لم يعد كافياً لمكافحة مرض السرطان، ولأن الكشف المبكر هو الخطوة الأولى باتجاه الشفاء، انتشرت في خلال الأعوام الماضية ظاهرة الرسائل القصيرة التي تبعثها مستشفيات الدنمارك والسويد والنرويج العامة، وتدعو فيها السكان إلى إجراء فحوصات دوريّة ومجانيّة لاكتشاف المرض في مراحله الأولى؛ سواء عند النساء أو الرجال. ويأتي ذلك إلى جانب حملات دعائيّة تحثّ الإناث على الحصول على اللقاح المضاد لسرطان الرحم.

في الخريف، تكون هذه البلدان على موعد مع "أسبوع مكافحة السرطان". والتركيز الاجتماعي والطبي على هذا المرض في مثل هذا الأسبوع، يأخذ طابعاً شعبياً من خلال حملة تبرعات تذهب في معظمها إلى منظمات بحثيّة وعلاجيّة. إلى ذلك، يعمد اختصاصيّون في عيادات جوالة تنتشر في هذه الفترة الزمنيّة في المدن والقرى والضواحي، إلى فحص المواطنين وتقديم إرشادات ونصائح طبيّة تتعلق بالنظام الغذائي والبيئي للإنسان، في محاولة لتجنّب الأمراض السرطانيّة.

في نهاية حملة هذا العام، وخلال بث مباشر للقناة الدنماركيّة الثانية مساء السبت 25 أكتوبر/تشرين الأول، تمّ جمع أكثر من 150 مليون كرونة دنماركيّة (20 مليون يورو) تبرّع بها الصغار والكبار تحت شعار "كسر السرطان". وأتى ذلك في خلال أربع ساعات فقط.

بحسب آخر بيانات وزارات الصحة ومراكز الإحصاء في البلدان الاسكندنافيّة، فإن شخصاً واحداً من كل ثلاثة أشخاص معرّض للإصابة بهذا المرض. ويتعاطى القطاع الطبي في هذه البلدان بانفتاح، قد يكون صادماً لمجتمعات ريفيّة محليّة منعزلة ولثقافات أخرى. فالأطباء لا يتردّدون في القول لمريض مثلاً: "اكتشفنا أنك مصاب بسرطان في القولون أو الدماغ أو الرئتَين".

فتلك المجتمعات المحليّة ولفترة قريبة، كانت تماماً كما بعض المجموعات المهاجرة، تشير إلى السرطان بـ"ذلك المرض" وأحياناً كثيراً بالهمس. إلى ذلك، كانت الخرافة تختلط بالحقيقة حوله وحول مسبباته.

ويحمل كثيرون ممن هاجروا إلى بلدان الشمال الأوروبي، وتحديداً إلى السويد والنرويج والدنمارك، على النظام الصحي المنفتح بشكل صادم لهم في تلك البلدان. فكثيرون لم يعتادوا مصارحة المريض، لا بل غالباً ما يجري التكتّم عن ما يصيب بعض أفراد العائلة. ولا يعرف أحياناً المريض أنه مصاب بورم خبيث إلا في مرحلة متأخرة من انتشار الورم السرطاني في جسمه.

في مرحلة متأخرة من ستينيات القرن العشرين وبداية سبعينياته، بدأت تتشكّل جمعيات أهليّة للتوعية حول معاناة الناس والأهالي مع هذا المرض. وقد توسّعت تلك الهيئات لتصبح منظمات وطنيّة منتشرة في جميع أنحاء البلدان الاسكندنافيّة، تعمل كمنظمات غير حكوميّة لـ"مكافحة السرطان". وقد لاقت تلك المبادرات ترحيباً طبياً واجتماعياً وسياسياً- صحياً، لتصبح ذات نفوذ يضغط لمصلحة المواطنين المصابين بالمرض وللأهالي أيضاً.

وقد ساهم بعض الفنانين والشخصيات العامة في تعويد الشعوب على مثل ذلك الانفتاح على المرض ووسائل مكافحته. فحين خضع ملك النرويج في عام 2003 إلى عمليّة جراحيّة لاستئصال سرطان البروستات، جرى الحديث بصراحة عن هذا المرض الذي يرتعب منه كثيرون.

وتضغط تلك المنظمات الأهليّة وخصوصاً منظمات "مكافحة السرطان" على الموازنات الحكوميّة العامة، لتخصيص أكبر قدر من التمويل للأبحاث والعلاجات، وتوفير آخر الاختراعات في المستشفيات العامة.

وإلى جانب الحملات التي تنطلق في الخريف، يشهد فصل الصيف حملات تدعو المواطنين إلى إجراء فحوصات مجانيّة للكشف عن سرطان الجلد، أو فحوصات تبيّن احتمال إصابة الشخص بالمرض نتيجة تعرّضه لأشعة الشمس. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فما يسمّى "العيادات الجوالة" تقصد بنفسها تلك التجمعات في المنتزهات والشواطئ، وتقدّم لهم الفحص الطبي.

ناضلت منظمات "مكافحة السرطان" (تأسست في عام 1928) لسنوات طويلة في البلدان الاسكندنافيّة لحمل المستشفيات الحكوميّة على البعث برسائل إلى كل الإناث، تعرض عليهنّ عبرها فحصاً للكشف عن سرطان الثدي، بالإضافة إلى تخصيص مبالغ ضخمة للأبحاث وتأمين علاجات باهظة الثمن للمصابين ولو خارج حدود بلادهم.

وتشير الأرقام إلى أن نسب النجاة من مرض السرطان في السويد والنرويج تتعدّى 85%، وفي الدنمارك 75%. وما زالت الأخيرة تجهد لتصل إلى مستويات السويد، لجهة الأبحاث والعلاجات واستيراد وتأمين أدوات العلاج المتطوّرة لمواطنيها في الداخل.
المساهمون