8 سنوات على تغييب رجال من قرية البو عكاش العراقية.. المصير المجهول

04 يونيو 2024
فرت عائلات قرية البو عكاش من بطش تنظيم داعش الإرهابي، الأنبار 27 مايو 2016 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أمينة أحمد العكاشي، والدة تبحث عن زوجها وأربعة من أبنائها المختفين قبل ثماني سنوات على يد مليشيات عراقية، ترفض الاستسلام للاعتقاد بأنهم قد قُتلوا وتواصل البحث عنهم.
- في 2016، مليشيات الحشد الشعبي اختطفت مئات الرجال من قرية البو عكاش أثناء نزوحهم من سيطرة "داعش"، تاركةً أكثر من 700 رجل مفقودًا، فيما الحكومة العراقية فشلت في حل ملف المغيبين قسريًا الذي يتجاوز 26 ألف شخص.
- الذكرى السنوية لاختفاء رجال القرية تُحيي مطالبات بكشف مصيرهم، وسط اتهامات لمليشيات الحشد الشعبي بالمسؤولية وفشل الحكومات المتعاقبة في متابعة القضية وملاحقة الفاعلين، مما يثير إحباط أسر الضحايا والناشطين.

تستعين أمينة أحمد العكاشي، 59 عاما، بآخر ما تبقى لديها من أولادها للتنقل بين الدوائر الأمنية ومراكز الشرطة بحثا عن أي خيط يُمكن أن يوصلها إلى زوجها وأولادها الأربعة الآخرين الذين تم تغييبهم بمثل هذا اليوم قبل ثماني سنوات على يد مليشيات عراقية مسلحة خلال رحلة نزوحهم من قرية البو عكاش الواقعة في بلدة الصقلاوية شمالي الفلوجة.

أمينة التي لم يبق لها غير أبنها الأصغر (محمود)، لا تريد أن تستسلم لحقيقة أن أولادها الأربعة الآخرين وزوجها قد تمت تصفيتهم من قبل المليشيات بعد اقتيادهم بمثل هذا اليوم عام 2016، وتواصل البحث عن أي خيط ولو ضعيفا قد يمنحها الأمل بعودتهم في يوما ما إلى المنزل.

قرية البو عكاش: 700 رجل مصيرهم مجهول

وفي الثالث والرابع من شهر حزيران عام 2016، نزحت  من قرية البو عكاش مئات العائلات العراقية، حيث كان تنظيم "داعش" الإرهابي يسيطر على القرية، واتجهت العائلات إلى مناطق شرقي الأنبار حيث الطريق المتجه إلى العاصمة بغداد، لكن مليشيات مسلحة منضوية ضمن "الحشد الشعبي"، أوقفت العائلات خلال نزوحها من قرية البو عكاش وعزلت الرجال عن النساء والأطفال واقتادت من تجاوزت أعمارهم 13 عاما ، تحت مزاعم التدقيق الأمني، غير أنهم لم يظهروا منذ ذلك الحين. كما نقل الجيش العراقي النساء والأطفال لاحقا إلى مخيم للنازحين، دون أن يُفصح هو الآخر عن مصير الرجال الذين تم اقتيادهم.

ويُحيي أهالي المنطقة عموما في مثل هذا اليوم من كل عام ذكرى تغييب رجال قرية البو عكاش الذين تخطى عددهم الـ 700 رجل، تتراوح أعمارهم بين 13 و81 عاما.

ورغم وعود الحكومات الثلاث السابقة في بغداد، بحسم ملف المغيبين قسريا والذين يتخطى عددهم الـ 26 ألف شخص، تم اقتيادهم من قبل مليشيات مسلحة بدوافع طائفية خلال سنوات الحرب على "داعش"، من مناطق شمال وغربي العراق، إلا أنه لم يتم تحقيق أي تقدم بهذا الملف.

وتعتبر مناطق الصقلاوية، وبزيبز، والرزازة، والرطبة، وذراع دجلة، والكيلو 160، وبيجي، وتكريت، والدور، والإسحاقي، وبادوش، وحمام العليل، والرياض، والشرقاط، وجرف الصخر، والكرمة، وأبو غريب، ويثرب، والطوز، شمال ووسط وغرب العراق، أبرز المناطق التي شهدت عمليات خطف وتغييب من قبل المليشيات.

فيما تتورط جماعات مسلحة مختلفة أبرزها "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"النجباء"، و"بدر"، و"سيد الشهداء"، و"جند الإمام"، والخراساني"، و"الطفوف"، وسرايا عاشوراء"، إضافة إلى جماعات أخرى بالوقوف وراء تلك الجرائم التي ارتكبت بين عامي 2014، و2017.

وفي وقت سابق أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تقريرا اتهمت فيه مليشيات "الحشد الشعبي"، بالوقوف وراء تغييب 643 رجلا وصبيا من أهالي بلدة الصقلاوية عام 2016. ونقلت المنظمة إفادات ووثائق مختلفة بشأن اختطافهم مطالبة الحكومة العراقية بالكشف عن مصيرهم. فيما أكد مرصد "أفاد"، الحقوقي العراقي في تقرير سابق له، بأن عمليات التغييب التي ارتكبتها المليشيات المسلحة كانت بدوافع طائفية وانتقامية، مطالبا القضاء العراقي بالتوجه إلى فتح الملف وعدم المماطلة. وقال الناشط الحقوقي، عبد الله الذبان، مستذكرا، إن في كل عام من هذا التاريخ ننشر ونستذكر هذه الجريمة المروعة، لكن للأسف ما زال مصير هؤلاء المغيبين غير معروف.

ونشر ناشطون صورا لعدد من أسر الضحايا يطالبون الحكومة بمعرفة مصير أبنائهم، ويقول عضو التيار المدني العراقي، أحمد حقي، إن ملف الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في العراق "يُمثل نقطة سوداء في وجه العملية السياسية العراقية عموما والمؤسسات الحكومية والقضائية على وجه الخصوص"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن "بقاء الملف المفتوح بهذا الشكل دون أي تصريح أو موقف من الحكومة أو القضاء، يعود لنفوذ المليشيات المتورطة بهذا الملف، خاصة وأن إجمالي عدد المغيبين يتخطى 26 ألف شخص، ونعتقد أن مقابر جماعية كاملة ضمتهم بعد تصفيتهم، إذ إن أي مؤشرات على بقائهم أحياء تلاشت".

وتتركز غالبية من تم تغيبهم في قرية البو عكاش الواقعة وسط بلدة الصقلاوية، ويقول عضو نقابة المحامين العراقيين، كامل الجميلي، لـ"العربي الجديد"، إن 95% من رجال قرية البو عكاش تم تغييبهم، مضيفا "حاليا القرية لا تحوي غير النساء والفتيات، نحن أمام جريمة إبادة، إذ إن الواقع ينافي كونهم ما زالوا أحياء، وأنهم تم تصفيتهم بعد اختطافهم"، مشيرا إلى أن الحكومة لم تقم حتى بدعم أسر الضحايا من خلال الرعاية الاجتماعية، والفقر المدقع يتفشى بالقرية وضواحيها".

الباحث بالشأن العراقي، إياد الدليمي قال إن "إحياء واحدة من أكثر جرائم التغييب إيلاماً في العراق، يتطلب على الأقل موقفا حقوقيا وإنسانيا جمعيا في العراق"، مضيفا "رغم مرور ثمانية أعوام على هذه المأساة إلا أنها ما زالت تشكل نقطة سوداء، وهي تثبت مجددا أن الدولة العراقية بحكوماتها المختلفة مختطفة القرار من قبل المليشيات، وهنا نتحدث عن جريمة معروف فاعلها إلا أن الدولة بأجهزتها المختلفة فشلت في تقديم إجابة عن السؤال الأهم، أين هم؟ أين اختفى قرابة 700 مدني؟ لماذا إلى الآن الحكومة تحجم عن تقصي وملاحقة الفاعلين؟ لماذا لا تقدّم إجابات لذوي المغيبين؟"، معتبرا أن "أي حكومة عراقية تعجز عن متابعة هذه القضية ستكون شريكة في الفعل الإجرامي ناهيك طبعا عن الفاعل المعروف ألا وهم الميلشيات التابعة للحشد الشعبي".