صوت الشارع... الضغط مستمر في تونس لتحقيق المطالب

27 ابريل 2019
تتنوع الاحتجاجات (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

لا يخلو يوم من الأيام في تونس من الاحتجاجات التي تشمل فئات مختلفة ومطالب عديدة، كأنّ الشعب الذي منع عن الشارع قبل عام 2011، بات يحتله.

"الشارع هو متنفسي الوحيد لإيصال صوتي وصوت عشرات التونسيين الغاضبين ممن لم يجدوا آذاناً صاغية، فلا أحد من المسؤولين ينصت أو يفتح أبوابه لنا، وفي كلّ مرة توصد الأبواب، أجد الشارع وسيلتي للاحتجاج، وللتعبير، وهو صوت من لا صوت له. لا أعرف كم مرة منذ ثورة 2011 خرجت إلى الشارع حاملاً لافتات وشعارات كم من مرة صرخت: لا للظلم، وكم من إضراب جوع خضت وسأخوض" هذا ما يتحدث به الشاب أنيس المبروكي لـ"العربي الجديد".

أنيس من منطقة طبربة (تبعد 40 كيلومتراً عن تونس العاصمة) يتيم الأبوين، عاطل من العمل، اختار العمل النقابي ضمن جمعية "نحن عمال بلا حدود" التي تكونت عام 2017 للدفاع عن العمال والتحركات التي تحصل في منطقته. ويتعرض للعديد من المضايقات الأمنية والملاحقات بسبب نزوله إلى الشارع. وحال المبروكي حال مئات الآلاف وربما الملايين ممن يجدون في الشارع ملاذهم الوحيد لإيصال أصواتهم. يوم 10 إبريل/ نيسان الجاري، جرى إغلاق الطريق الرئيسية في برج التومي بتونس العاصمة، واختار 57 عاملاً الشارع للتعبير عن غضبهم بسبب عدم حصولهم على رواتبهم منذ 3 أشهر. يقول أحد العمال المحتجين، ويدعى معز الرزقي لـ"العربي الجديد" إنّ "العامل البسيط لا ملجأ له سوى الشارع فقد يئسنا من الوعود الزائفة والمماطلات وزيارات المسؤولين التي لا طائل منها، نحن نريد أن تصل أصواتنا لا غير، والشارع هو الوسيلة الوحيدة التي يمكننا من خلالها إيصال صوتنا". يضيف: "نحن نعمل في شركة الاندماج والتنظيم، وهي مختصة في المجال الفلاحي نتقاضى 12 دينارا يومياً (نحو 4 دولارات أميركية) لكن بسبب نزاع قانوني بين الدولة والمستثمر الخاص بالضيعة الفلاحية كنا نحن العمال الضحية. ولكن بعد الضغط وخروجنا إلى الشارع استرجعت الدولة الضيعة التي نشتغل فيها".




يعتبر المسؤول الإعلامي بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ الشارع قبل 2011 كان حكراً على الدولة، والمواطن لطالما حرم من النزول إليه، والتعبير عن رأيه بحرية، مبيناً أنّ الشارع بعد الثورة بات مساحة للمواطن وفضاء حراً للتعبير، خصوصاً في ظل غياب وسائل اتصال بين المحتجين والحكومة. يلفت إلى أنّ هناك عدة أشكال من الاحتجاج، تمتد من مجرد وقفة في الشارع إلى إغلاق الطريق وقطعه، مضيفاً أنّ عدم تجاوب الحكومة هو الذي يدفع أحياناً إلى الحدّ الأقصى، خصوصاً في ظل عدم حصول أي تفاعل مع المحتجين، مشيراً إلى أن هذه الحركات الاحتجاجية في الشارع قد تمر من خطوات سلمية ومؤطرة إلى احتجاجات فوضوية. يعتبر بن رمضان أنّ الحكومة والسلطات الجهوية بتعاملاتها مع الاحتجاجات هي التي كرست قاعدة ساهمت في الدفع نحو الحدّ الأقصى، خصوصاً أنّ الاحتجاج السلمي المؤطر والذي لا يعطل الإنتاج ولا يقطع الطريق يجري تجاهله من دون التفاعل مع المطالب، وعند الاحتجاج الفوضوي والتصعيدي يجري الإنصات والرضوخ للمطالب.

يتابع بن عمر أنّ أكثر الفئات لجوءاً إلى الشارع هي فئة العاطلين من العمل ممن يحتجون احتجاجات غير منظمة عادة. أما المنظمات القوية فتضغط وتدافع عن التابعين لها كالفلاحين والصيادين، لكن في الفترة الأخيرة باتت مثل هذه الفئات تخرج بدورها إلى الشارع لأنّ التفاوض المنظم لم يعد يحقق نتائج، ومؤخراً نزل أساتذة جامعيون وأصحاب تاكسيات (سيارات أجرة) ونقل جماعي إلى الشارع في محاولة منهم لخلق الضغط وتحقيق مطالبهم. ويلاحظ بن عمر أنّ تونس تشهد نسقاً مرتفعاً من الاحتجاجات منذ نحو 3 سنوات، لكنّ وتيرة الاحتجاجات المنظمة هي الطاغية في الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2019. يضيف أنّ الطلاب احتجوا مؤخراً ونزلوا إلى الشارع وأغلقوا الطرقات، كما احتج الأساتذة الجامعيون والفلاحون والعديد من القطاعات، وبالتالي فحتى الاحتجاجات المنظمة أخذت الآليات نفسها للاحتجاجات غير المنظمة، كاّن التعبئة وحدها مطلوبة من خلال حشد شارع كبير لتحقيق الضغط ومن بعده المطالب.



في هذا الإطار، يعتبر المتخصص في علم الاجتماع، الطيب الطويلي، أنّ ارتفاع عدد الاحتجاجات والحركات الاجتماعية في تونس يرجع إلى عوامل عديدة منها ﺍﻫﺘﺰﺍﺯ ﺛﻘﺔ ﺍﻟﺘﻮﻧﺴﻲ ﻓﻲ ﺍلأحزاب ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ والطبقة السياسية، وﺷﻌﻮﺭﻩ ﺑﺎلإﺣﺒﺎﻁ وانسداد الأفق بعد الانهيار الاقتصادي وتنامي الفساد خلال السنوات التي تلت الثورة إذ لم يكن للفاعلين السياسيين أيّ منجزات. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ المشهد السياسي الجديد ساهم في تعميق الأزمة في مختلف المجالات، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻼﺣﻆ ﺍﻟﺘﻮﻧﺴﻲ ﺍﻟحصيلة ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺫﺑﺎﺕ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﻳﺠﺪ ﺃﻥّ ﻭﻗﻌﻬﺎ ﺳﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍلاجتماعي وعلى معيشته اليومية إذ ﻭﺻﻞ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺎﻉ، ﻛﻤﺎ ﺃنّ التونسي يجد نفسه ﻣﻬﺪﺩاً ﻓﻲ ﻗﻮﺗﻪ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ وﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﻟﻮﺑﻴﺎﺕ الاﺣﺘﻜﺎﺭ ﻭﺍﻟﺘﻬﺮﻳﺐ إلى حدّ أنّه ﻻ ﻳﺠﺪ ﺃﺑﺴﻂ ﺍلأساسيات ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ كالحليب ﻭﺍﻟﺰﻳﺖ ﻭﺍﻟدقيق، كما أثرت الزيادات المتواصلة في أسعار المحروقات بالغليان الشعبي، ﻭﻫﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌل المواطن ﺃﻛﺜﺮ ﺗﺸﺎﺅﻣﺎً ﻭﺧﻮﻓﺎً ﻣن ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ.

يتابع الطويلي أنّ الاحتجاجات الاجتماعية تعبر عن الرفض والرغبة الجارفة في التغيير، ولها أشكال ووجوه كثيرة، لكن يبقى استخدام الشارع للفعل الاحتجاجي هو الأسلوب الأول والأهم، فالفضاء العام هو المكان الطبيعي والتاريخي للاحتجاج وإثبات الذات وإعلان الرفض، معتبراً أنّ استخدام الوسائل الأخرى كالفن أو الكوميديا السوداء أو الشعر والنثر يمثل نوعاً من الاحتجاج المساند للاحتجاج الأصلي الذي يكون الشارع فضاءه الطبيعي. ويلفت إلى أنّ استخدام الشارع للفعل الاحتجاجي مردّه الوعي بأنّ التغييرات الجذرية العميقة في المجتمعات سببها الشارع واستخدام الفضاء العام كورقة ضغط على الحاكم، ورسالة تشير إلى أنّ القواعد المجتمعية هي القادرة على التغيير ولها سلطة احتلال الفضاء العام وسلطة إيقاف المصالح الحكومية. وتبقى الإشكالية في مدى تنظيم هذه الحركات الاجتماعية ومدى تسييسها، وهل هي حراك شعبي حقيقي نابع من نزعات فردية وجماعية لرفض قرار أو سياسة ما؟ أم حركات يقودها بعض الأطراف من خلف ستار؟ كذلك، تبقى عنفية بعض الحركات موضعاً للتساؤل، بحسب الطويلي.



تجدر الإشارة إلى أنّ تقرير صادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يفيد بأنّ سنة 2018 سجلت 9356 تحركاً احتجاجياً أي بمعدل 25 تحركاً يومياً. ويعتبر المرصد أنّ الحصيلة المسجلة رغم تراجعها عن نتائج 2017 التي سجلت 10.452 تحركاً تبقى مؤشراً واضحاً لفشل الحكومة في استيعاب المطالب الاجتماعية للتونسيين، وأبرزها التشغيل.