كان لانتشار كورونا في المغرب تأثير كبير على بعض المواطنين. وخلال الحجر المنزلي، ساهمت كل الضغوط في انتحار البعض
في الوقت الذي يُسابق فيه المغرب الوقت بهدف الحدّ من تداعيات انتشار فيروس كورونا الجديد، أثار تكرار وقوع حوادث الانتحار ومحاولاته في هذه الفترة قلق المسؤولين والمغاربة بشكل عام، خصوصاً أن الرقم أخذ منحىً تصاعدياً في ظلّ الجائحة. وسجلت مدينة شفشاون (شمال البلاد) حادثتي انتحار متفرقتين كان ضحيتهما شابين عشرينيين، وقد وضعا حداً لحياتهما شنقاً بواسطة حبل وسط ظروف ما زالت مجهولة. وفي اليوم ذاته، أقدمت طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً في مدينة القصر الكبير (شمال غرب المغرب)، على الانتحار بواسطة قطعة ثوب لفتها حول عنقها داخل غرفتها.
ومؤخراً، انتحر شاب وفتاة قاصر في منطقة جبل الحبيب في ضواحي إقليم تطوان (شمال المغرب)، ما أثار ضجة على منصات التواصل الاجتماعي، وقد عثر على جثتيهما معلقتين على جذع شجرة، ما يرجح فرضية انتحارهما معاً.
وفي مكناس (وسط المغرب)، أقدم سجين محكوم بعشر سنوات على الانتحار شنقاً داخل الزنزانة، على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، في العاشر من مايو/ أيار الماضي، مستخدماً قطعة من ملابسه على الرغم من بقاء 15 يوماً فقط على انتهاء فترة محكوميته.
وبحسب دراسة حديثة أنجزها الباحث في التربية وعلم الاجتماع بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية، يونس الجزولي، "كان الانتحار في حالة كمون (خمود) مؤقت، لكنّ وباء كورونا أعاده مجدداً، فزادت الحالات سريعاً، ومعها المآسي التي قضت على أحلام أسر في العيش الكريم، وأفرزت مشاكل اجتماعية حقيقية تتغير أسبابها ودوافعها تبعاً للظروف الزمانية والمكانية". ويلفت إلى أنّ "ظاهرة الانتحار الحالية في تفاقم مستمر، وستتأثر لا محالة بظروف الحجر الصحي".
ورصدت الدراسة التي أعدت خلال الفترة الممتدة من 20 مارس/ آذار الماضي وحتى 20 إبريل/ نيسان الماضي، 22 حالة انتحار في شهر واحد. وزاد عدد المنتحرين مع استمرار الحجر الصحي، وسجل ارتفاع تدريجي منذ أواخر مارس ليبلغ ذروته في شهر إبريل، إلى حد تسجيل 3 حوادث انتحار في يوم واحد.
كما أظهرت الدراسة أن الغالبية الساحقة من المنتحرين يعملون في مهن بسيطة، وبالتالي يعانون من الفقر، وجعلهم الحجر الصحي عاطلين من العمل، ما يؤدي إلى زيادة الضغوط النفسية وبالتالي الاكتئاب الذي قد يؤدي إلى الانتحار.
إلى ذلك، يقول الطبيب النفسي في مستشفى محمد السادس في مراكش أحمد الكرعاني، إن حالات الانتحار المسجلة خلال فترة انتشار كورونا ترتبط بالضغوط النفسية الناتجة من الفيروس وحالة الهلع، ما يؤثر على أولئك الذين يعانون أصلاً من مشاكل نفسية وقد يدفعهم إلى الانتحار. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن هناك أسبابا عدة تجعل الشخص يصل إلى قناعة مفادها بأن هذه الحياة لم تعد تطاق، ويفضل الانسحاب منها، لافتاً إلى أن نتائج بحث كانت قد أعدته وزارة الصحة حول الأمراض النفسية في المجتمع المغربي في عام 2007، كشفت أن 16 في المائة من الشريحة التي شملها البحث (15 سنة وما فوق) تفكر في الموت والخلاص من الحياة، سواء بالانتحار أو انتظار الموت.
من جهته، يرى الباحث في علم الاجتماع، منعم الكزان، أن "التحول من التفكير في الانتحار إلى الفعل يقتضي وجود محفزات نفسية. وفي حالتنا هذه تلك المرتبطة بالحجر الصحي، يمكن ربط سلوك الانتحار بالضغط النفسي أو الاكتئاب وعجز المنتحر عن تقديم حلول لمشاكله الاقتصادية أو الاجتماعية". ويقول لـ "العربي الجديد" إن التباعد الاجتماعي الذي يفرضه الحجر الصحي قد يزيد من نسب الانتحار هذه نتيجة عدم القدرة على تدبر الخلافات الأسرية، إذ يؤدي الحجر إلى التدقيق في سلوك الآخرين داخل الأسرة، وزيادة الجدل بين أفراد الأسرة، والقلق من المستقبل، والحرمان من العادات التي كان يمارسها الفرد قبل العزل.
وفي ظل تكرار حوادث الانتحار خلال فترة الطوارئ الصحية التي فرضها المغرب في 20 مارس الماضي، يعتقد الباحث أن الحكومة لم تقم بما يكفي من دعم نفسي للمواطنين من خلال وسائل الإعلام، في وقت كان يفترض التفكير في عواقب الاضطرابات النفسية خلال هذه الفترة الاستثنائية. ويرى أن تمديد فترة الحجر الصحي كان إجراء غير مناسب من دون الدعم النفسي، وهذا أمر يمكن تداركه من خلال التخفيف الجزئي من الحجر الصحي مع تكثيف التوعية حول الوقاية من الفيروس.
وكان تقرير لمنظمة الصحة العالمية قد كشف أن 2.5 حالة انتحار من أصل 100 ألف نسمة، تسجل سنوياً في المغرب. وسجل عام 2016 انتحار 1013 حالة. أضاف التقرير أن المغرب شهد ارتفاعا ملحوظا في معدلات الانتحار لدى الإناث، وبلغ عدد الحالات 613 حالة في مقابل 400 حالة من الذكور في العام نفسه.