مدارس الكويت... رفض حكومي لإنهاء العام الدراسي بسبب كورونا

12 يونيو 2020
ما زال التلاميذ خارج المدرسة (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

تعيش وزارة التربية والتعليم العالي في الكويت حالة من الارتباك تسبب بها عدم وضوح الرؤية التعليمية. وقد تأثر قطاع التعليم سلباً بعد وقف مؤسساته بسبب إجراءات مكافحة فيروس كورونا الجديد

أدى تعطيل المرافق التعليمية في الكويت، في إطار إجراءات الإقفال العام التي فرضها فيروس كورونا الجديد، وعدم اتخاذ سياسة واضحة في ما يخص التعليم عن بعد، في ظل نقص البنية التحتية اللازمة، بالإضافة إلى رفض قيادات وزارة التربية إنهاء العام الدراسي وتنجيح التلاميذ فيه، أسوة بدول مجاورة، إلى حالة من الارتباك والأخذ والردّ بين وزارة التربية والتعليم العالي من جهة والبرلمان من جهة أخرى.

وتعرّض وزير التربية والتعليم العالي، سعود الحربي، إلى ضغوط من نواب مجلس الأمة (البرلمان) الذين طالبوه بإنهاء العام المدرسي واحتساب درجات الفصل الأول، وهو ما رفضه الوزير الذي قال إنّ تدخل السياسيين في العملية التعليمية سيؤدي إلى تدميرها. وهو ما أدى إلى تقديم النائب فيصل الكندري استجواباً له سيناقش بعد افتتاح المجلس والمقرر في منتصف هذا الشهر.




وعقد الحربي مؤتمراً صحافياً لـ"توضيح الحقائق للشعب الكويتي" قال فيه إنّ إنهاء العام الدراسي أسوة بما فعلته الدول المجاورة يعني وقوع كارثة تربوية وارتكاب جريمة بحق التعليم في الكويت. وأكد الوزير أنّ إنهاء العام الدراسي يعني المغامرة بمصير 700 ألف تلميذ وتلميذة يدرسون في المدارس الحكومية والخاصة، ويعني ظلم 30 ألفاً منهم رسبوا في الفصل الأول، كما يعني ظلم 30 ألفاً آخرين لم يدخلوا امتحانات الفصل الأول لظروف مرضية وخاصة. وأضاف الوزير: "هناك 7 آلاف تلميذ درجاتهم أقل من 70 في المائة، وإن أعطينا التلاميذ درجات الفصل الأول في الفصل الثاني وأنهينا العام الدراسي فوتنا عليهم فرصة رفع درجاتهم" في إشارة إلى عدم قبول جامعة "الكويت" الحكومية التلاميذ الذين تتدنى درجاتهم عن 70 في المائة.

وقررت وزارة التربية عدم البتّ في تأجيل العام الدراسي، الذي كان من المفترض أن يُستأنف في أغسطس/ آب المقبل، لكنّ قرار الحكومة بتقسيم مراحل العودة إلى الحياة الطبيعية إلى خمس مراحل، آخرها في سبتمبر/ أيلول المقبل، أدى إلى إعادة الوزارة النظر في خططها. وقررت الوزارة تأجيل الدراسة إلى أجل غير مسمّى، والبدء بإجراءات التعليم الإلكتروني وسط جدل بين القيادات التربوية التي ترى عدم إمكانية تطبيق هذا النظام بسبب نقص البنية التحتية الإلكترونية والتعقيدات الكبيرة، في تدريس أكثر من 700 ألف تلميذ عبر الإنترنت، بالإضافة إلى موانع دستورية وقانونية بحسب ما يقول أساتذة القانون في جامعة "الكويت". وقال الحربي إنّ الوزارة ستبدأ بتطبيق التعليم الإلكتروني للصف الثاني عشر (الثانوية العامة) وذلك بغرض تسريع تخرجهم من المدارس للتسجيل بالجامعات حول العالم، خصوصاً أنّ كثيرين منهم ينوون الدراسة خارج البلاد من مواطنين كويتيين، أو وافدين يريدون الدراسة في بلدانهم.

ولم تحدد وزارة التربية آلية أو موعداً معيناً لتدريس تلاميذ الصف الثاني عشر، لكنّها أرسلت للمعلمين رسائل بالاستعداد لإمكانية انطلاق التعليم الإلكتروني في أواخر يونيو/ حزيران الجاري من دون أن توضح الطريقة الإلكترونية التي يمكن للتلاميذ أن يتلقوا الدروس فيها، أو الطريقة التي يمكن للمعلمين أن يتواصلوا مع التلاميذ فيها.

صف مدرسي عن بعد بمدينة الكويت (ياسر الزيات/ فرانس برس) 












ورأى معلمون وخبراء تربويون أنّ وزارة التربية لن تتمكن من تحقيق أيّ تقدم في عملية التعليم الإلكتروني وأنّ قرار التجربة على تلاميذ الثانوية العامة، يوضح إلى أيّ حدّ تعيش الوزارة في مأزق كبير بسبب سنوات من البيروقراطية وعدم التطوير، والتي جعلت التعليم الكويتي ينحدر بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وقالت عايشة المطيري، وهي مديرة مدرسة ثانوية للبنات في الكويت، لـ"العربي الجديد": "تطبيق نظام التعليم عن بعد في المدارس الحكومية والخاصة هو عمل من وحي الخيال ولن يحدث بسبب انعدام الإمكانيات وضعف التواصل بين المدارس والإدارات التعليمية فضلاً عن ضعف التواصل مع وزارة التربية أصلاً". وأضافت: "ليس لدينا شيء اسمه تعليم إلكتروني في الكويت أساساً، و75 في المائة من المعلمين والمعلمات لا يعرفون شيئاً عن التعليم الإلكتروني ولم يتلقوا أي تدريب عليه، وليست هناك برامج عن التعليم الإلكتروني في وزارة التربية سوى بعض الحصص البدائية التي وُضعت لملء الجداول التعليمية والتدريبية للمعلمين والمعلمات".

وترى المعلمة السابقة، التي عملت في سلك التعليم لمدة 25 عاماً، إنّ الحلّ الأوحد هو إنهاء الدراسة لجميع المراحل الدراسية في ما عدا الثانوية العامة، واعتبار الجميع ناجحاً، بينما يجري امتحان الثانوية العامة لاحقاً.

بدوره، يقول مصدر مسؤول في وزارة التربية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "نعاني من مأزق فعلي، والحديث عن تعليم إلكتروني ليس صحيحاً حتى الآن، بسبب عدم توفر أجهزة إلكترونية متطورة لدى المدارس الحكومية والأهلية الخاصة". ويقول المصدر إنّ الخطة الأساس الآن هي تسجيل حلقات لشرح الدروس في استديوهات وزارة التربية ونقلها عبر التلفزيون وموقع "يوتيوب" للتلاميذ، وتحديد آلية لاختبارهم بعد انتهاء فيروس كورونا الجديد، أو سماح وزارة الصحة بأداء الاختبارات بشرط الالتزام بالضوابط الصحية المفروضة.



من جهته، يقول رئيس جمعية المعلمين الكويتية مطيع العجمي لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الأزمة، التي تعتبر التحدي الأكبر للنظام التعليمي في البلاد منذ عقود، مثلت درساً قاسياً للقائمين على العملية التعليمية وأكدت ضرورة المضي قدماً لتعديلات جذرية في النظام التعليمي الكويتي خصوصاً أنّ قطاع التعليم هو الخاسر الأكبر من هذه الأزمة بسبب تأخر التلاميذ وتعطلهم عن الدراسة مدة خمسة أشهر، من دون أفق حقيقي أو حلول واقعية لعودة الدراسة. يتابع العجمي أنّ أسباب فشل تطبيق التعليم الإلكتروني في الكويت تعود إلى غياب التخطيط والرقابة على مشاريع الوزارة وغرقها في البيروقراطية وعدم الاهتمام بتعليم المعلمين وتدريبهم على استخدام الوسائل الإلكترونية.

ويشعر نواف الشمري، وهو معلم للمرحلة الثانوية بالإحباط وفق ما يقول لـ"العربي الجديد" بسبب تعطل التلاميذ عن دراستهم لغياب منظومة التعليم الإلكتروني، بالرغم من أنّ ميزانية وزارة التربية تبلغ أكثر من مليارين و200 مليون دينار كويتي (نحو 7 مليارات و100 مليون دولار أميركي).

وأصدر وزير التربية أوامره لجامعة "الكويت" والهيئة العامة للتعليم التطبيقي بدراسة آليات التعليم الإلكتروني واتخاذ القرار المناسب دون الرجوع لوزارة التربية المشغولة بمحاولة إيجاد حل للتعليم المدرسي، وهو ما فعلته عمادة جامعة "الكويت" بتشكيلها لجنة عاجلة سميت بـ"لجنة التعليم عن بعد" والتي أقرت برامج التعليم عن بعد، لكنّها لم تحدد موعد تطبيقها بعد، وفق عميد الجامعة بالإنابة فايز الظفيري.

غابت النشاطات المدرسية (ياسر الزيات/ فرانس برس) 












بدوره، يقول ناصر العقيلي، وهو طالب في جامعة "الكويت" لـ"العربي الجديد" إنّه تلقى رسالة من الجامعة تطلّب منه الدخول في دورة لمدة أسبوع واحد للتدرب على برنامج "ميكروسوفت تيمز" وذلك استعداداً للعودة والدراسة عبر شبكة الإنترنت وإنهاء الفصل الدراسي الثاني والفصل الصيفي. وتملك جامعة "الكويت" على العكس من وزارة التربية البنية التحتية اللازمة لإتمام التعليم الإلكتروني، إذ إنّ الطلاب لا يمكن لهم تسجيل موادهم الجامعية منذ سنوات إلاّ عبر موقع الجامعة الإلكتروني، بالإضافة إلى أنّ التعليم الإلكتروني كان مطبقاً في بعض جوانب الجامعة بالرغم من الاعتراضات القانونية عليه. وقال أستاذ القانون العام والدستوري، ورئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة "الكويت" إبراهيم الحمود: "نظام التعليم بجامعة الكويت يسمى نظام التعليم المستمر ويقوم هذا النظام على اختبارات دورية ومحاضرات بوجود الطلاب وبالتالي لا يمكن الاعتراف بنظام التعليم عن بعد في الجامعة". ويحذر الحمود قائلاً:" تكليف طلاب جامعة الكويت من خلال نظام التعليم عن بعد أو إعطاء محاضرات عن بعد يخالف القانون واللوائح المعمول بها ويجعل شهاداتهم في ما بعد غير معتمدة".



وكانت جامعة "الكويت" قد رفضت الاعتراضات القانونية، متعللة بالظروف الاستثنائية، فيما يقول المحامي والخبير القانوني عمر العصيمي، لـ"العربي الجديد" إنّ التحذيرات القانونية تمسك بالشكليات لا غير، وجامعة "الكويت" تملك السلطة القانونية الكاملة لوضع أيّ آلية تعليم تريد اعتمادها.
المساهمون