شراء دفتر الذمّة في تركيا لسداد ديون المعوزين

27 مايو 2020
ديون سكّان هذا الحيّ كثيرة (فريدريك سلطان/ Getty)
+ الخط -
وسط أزمة كورونا المستجدة في تركيا كما في العالم، والتي عطّلت أشغال كثيرين، رأى فاعلو خير ضرورة المساهمة في سدّ ديون معوزين من خلال شراء ما يُعرَف بـ"دفاتر الذمّة"

"كنت آمل استيفاء ديوني من الناس، فإذ باثنَين من فاعلي الخير عمدا إلى سداد أكثر من نصف الديون المسجّلة في دفتر الذمة، مختارين الأقدم وتلك المسجلة بأسماء مسنّين وأرامل". هذا ما يقوله جيزمي يلدز، صاحب متجر في منطقة درامان في إسطنبول، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنّ "فاعلي الخير كثروا في هذا العام لأنّ الفقر زاد بسبب تراجع العمل على خلفية أزمة كورونا وبالتالي زادت الديون". ويشير البائع التركي إلى أنّ "سداد الديون من قبل الخيّرين وإن كان قائماً على مدار السنة، إلا أنّه يشيع أكثر في خلال شهر رمضان. فثمّة أتراك يختارون عادة أن تكون صدقاتهم عبر سداد ديون المعوزين، إلى جانب صدقة الصيام. فيحرقون دفتر الذمّة أمام المحلّ المعنيّ، علماً أنّ هؤلاء يشترطون عدم ذكر أسمائهم للمستدينين". يضيف أنّ "فاعلي الخير ركّزوا أكثر على سداد الديون في المحال، لأنّ الحجر المنزلي دفع الناس إلى شراء السلع التي يحتاجونها بالدين".



وشهدت الولايات التركية بمعظمها هذا العام، شراء ديون الذمّة في المحال والمتاجر التركية في خلال شهر رمضان الذي انقضى، وقد أطلقت ولاية غازي عنتاب على الحدود التركية السورية حملة "الوفاء" لشراء دفاتر الديون من المحال التجارية والبقالين وسداد ما يتوجّب على المستدينين. وأشرف والي غازي عنتاب، داوود غل، بنفسه على المبادرة التي حظيت برعاية من قبل وزارة الداخلية التركية وبدعم رجال أعمال ومحسنين وأتراك في إطار التخفيف من آثار وباء كورونا على الأفراد. وأسفرت هذه المبادرة، بحسب مصادر إعلامية، عن جمع 200 مليون ليرة تركية (نحو 30 مليون دولار أميركي) لشراء 240 دفتر ديون من 200 محل تجاري لأتراك وسوريين في 22 حياً في غازي عنتاب. وفي هذا الإطار انتشر تسجيل مصوّر على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر ثناء أحد السوريين على المبادرة وشكره القائمين عليها وفرحته بسداد ديونه.

وقبل شهر رمضان، تحدثت وسائل إعلامية تركية عن رجلَين تركيَّين قصدا محل بقالة في حيّ 7 أوجاك في مدينة عثمانية وقاما بسداد ديون سكان الحيّ بأكملها. وأفاد الزوجان عثمان وسيفغي دال اللذان يملكان محل البقالة بأنّ شخصَين أتيا إلى المحلّ وعبّرا عن رغبتهما في سداد الديون المسجلة في دفتر الذمّة، من دون أن يفصحا عن هويتَيهما. وأخبر عثمان دال وكالة "الأناضول" أنّ الرجلَين طلبا منه احتساب قيمة الديون المسجّلة في الدفتر، ليتّضح أنّ المجموع هو 3500 ليرة (نحو 520 دولاراً). لكنّهما كان يملكان أوراقاً نقدية من فئة اليورو، فأعطيا دال ألفاً منها، علماً أنّ المبلغ المشار إليه يساوي أقلّ من 500 يورو. أمّا المال المتبقّي فطلبا توزيعه على شكل مساعدات لمن هم في حاجة. بالتالي عمد دال إلى تجهيز سلال غذائية وتوزيعها على المحتاجين. من جهتها، أشارت سيفغي دال إلى أنّها سألت الرجلَين: "هل تتجوّلان في مدن تركيا وتسدّدان ديون الناس؟" فأجاباها: "كلا، نحن من مؤسسة خيرية".

وتعمد جميعات خيرية عدّة وكذلك مبادرات اجتماعية إلى سداد الديون في شهر رمضان إلى جانب تجار وفاعلي خير. ويقول رجل الدين التركي بولانت أوزون لـ"العربي الجديد" إنّ "الدعوات المتكررة، سواء أكانت حكومية أم من المجتمع المدني أم من رجال الدين، أنتجت تكاتفاً أكبر هذا العام. وأتى ذلك خصوصاً بسبب الفقر المتزايد من جرّاء توقّف مصالح كثيرين". يضيف أوزون أنّ "لتوقّف المساجد عن استقبال المصلين هذا العام أثره في تراجع الصدقات التي كان يتبرّع بها المصلون. كذلك كان فاعلو الخير يحضرون الطعام والشراب إلى المساجد ويقدّمون تبرعات، لكنّ هذا أمر افتقدناه هذا العام". ويوضح أوزون أنّ "شراء دفتر الذمم عادة قديمة تعود إلى أيام العثمانيين، لكنّها شهدت انتعاشاً في هذا العام بسبب توقف كثيرين عن العمل من جرّاء أزمة كورونا".

وسداد ديون المحتاجين في المحال لم يقتصر على الأتراك منهم إنّما شمل السوريين كذلك. من جهة أخرى شارك سوريون في حملات في هذا الإطار. ويقول صاحب مطعم "مسامح" في منطقة أكسراي بإسطنبول، عدنان أبو عرب، لـ"العربي الجديد": "ربّما أنا أوّل من فتح هذا الباب أمام السوريين هذا العام، إذ أعلنت براءة ذمّة كل المستدينين من المطعم وحرقت دفتر الذمة أمام المحل وصوّرت ذلك ونشرته قبل شهر رمضان المنصرم". يُذكر أنّ أبو عرب لطالما عمد قبل رمضان وقبل أزمة كورونا، ومنذ عامَين، إلى تقديم الطعام لأيّ إنسان لا يمتلك ثمنه وقد وضع لافتة في مطعمه كُتب عليها "ما معك ثمنها مسامح". لكنّ ثمّة من كان يستدين منه حتى نهاية الشهر وقد أعفاهم من الديون وأحرق دفتر الذمّة.



تجدر الإشارة إلى أنّ سداد الديون عبر شراء دفاتر الذمّة لدى سوريين ظهر بشكل أوسع ومنظّم أخيراً، بحسب ما يؤكد حسن خلف من منطقة إسينيورت لـ"العربي الجديد". ويقول: "ألّفنا مجموعة تحت اسم أهل الخير، قبل نحو شهرَين، وذلك بالتوازي مع فقدان سوريين عملهم بسبب كورونا. وقد اتفقنا على أنّه عوضاً عن تقديم مبالغ مالية للسوريين المعنيين، رحنا نسدّد بدلات إيجار المنازل كأولويّة يتبعها سداد الفواتير ثمّ ثمن الطعام لمن لا يمتلك نقوداً". يضيف خلف أنّه "في خلال شهر رمضان وبسبب زيادة حدّة العوز واستمرار تعطّل الأعمال، ارتأينا أن نركّز على الطعام وكساء الأطفال قبل العيد وسداد الديون لبعض المحال، وفق إمكاناتنا المحدودة المرتبطة بحجم التبرّعات التي نتلقاها.