وليد الحطاب... "الفريكة" لفقراء غزة في رمضان

22 مايو 2020
خلال إعداد الحساء (محمد الحجار)
+ الخط -
قبل غروب الشمس بنحو ساعة، تنشط حركة غير عادية عند مدخل حيّ الشجاعية شرق مدينة غزة، وعلى مقربة من أحد مساجد قطاع غزة التاريخي، وهو مسجد "القزمري". في هذا المكان، تجد الكثير من الأطفال والشباب وكبار السن يحملون أطباقاً فارغة لملئها بما يطهوه وليد الحطاب أو أبو يوسف، في إناء كبير يكفي لملء أطباق الجميع.

وليد الحطاب (57 عاماً) من سكان حيّ الشجاعية، ويعيش في هذا الحيّ منذ طفولته. كان موظفاً يعمل في أحد الأجهزة الأمنية مع السلطة الفلسطينية، قبل أن يتقاعد. وللموسم الثالث على التوالي خلال شهر رمضان، بات يعدّ أطباق الحساء المعروفة بالنسبة إلى الغزيين بـ"الفريكة" في حيّ الشجاعية، وذلك لسكان المنطقة والفقراء من مناطق مختلفة. جميعهم يحضرون إليه يومياً.

وجاءت المبادرة التي أطلقها الحطاب قبل سنوات محض صدفة. كان يجلس مع رجال الحيّ يومياً من دون أن يقوموا بأي عمل خيري. وحين يعود إلى بيته، يستذكر زوجته التي توفيت في رمضان الماضي ووالديه المتوفيين. كانت زوجته تحب شهر رمضان، وتعدّ المائدة وتقدّم بعض الأطباق لعدد من الجيران والعائلة.

فكّر الحطاب في أنّه لا بد من القيام بعمل خيري إحياءً لذكرى زوجته ووالديه. وبالفعل، خلال رمضان عام 2017، أحضر إناءً كبيراً وقرّر أن يعدّ فيه الحساء لسكان المنطقة، وخصوصاً الفقراء. وبالفعل، بات يأتي إليه العشرات يومياً.

يقول الحطاب لـ"العربي الجديد": "بدأت الأمر في عام 2017 فردياً، وبكميّة لا تتجاوز ثلاثة كيلوغرامات من الفريكة. عدتُ يومها إلى المنزل وشعرت بإرهاق كبير. مع ذلك، شعرت براحة وسعادة كبيرتين، خصوصاً حين كان الأطفال ينظرون إليّ ويبتسمون، لأنهم سيعودون إلى أسرهم حاملين معهم أطباقاً مليئة بالحساء، فقررت زيادة الكمية في اليوم التالي".

بعد مضي نحو 10 أيام من شهر رمضان عام 2017، شجع الحطاب الكثير من الراغبين في القيام بتجربة مماثلة في أحيائهم المتفرقة شرقيّ مدينة غزة وخلال أيام متقطعة. وخلال العامين التاليين 2018 و2019، تشجع كثيرون على إحضار المواد الخام لطهو الفريكة للفقراء، وباتوا يجيئون إليه في كل صباح لمعرفة المقادير وما يحتاجونه لإعداد الحساء لأكثر من 130 أسرة.

يحملون أطباقا فارغة في انتظار الفريكة (محمد الحجار) 


ويشير الحطاب إلى أن الفريكة هي القمح المحمّص، وهي بالنسبة إلى كثيرين حساء أساسي خلال شهر رمضان في قطاع غزة. يومياً، يطهو نحو 25 كيلوغراماً منها، ويبادر أصدقاؤه وجيرانه وفاعلو خير آخرون لإحضار الأدوات اللازمة، إضافة إلى كمية من اللحم المفروم والبهارات والملح والحمص كنوع من المساعدة. وبشكل يومي في رمضان، يعمل بعد انتهاء صلاة العصر وحتى أذان المغرب.

يوضح الحطّاب أنه خلال رمضان الحالي، يحضر إليه الفقراء من كل المناطق، حتى من مناطق بعيدة شرق مدينة غزة، ومنهم فقراء يأتون على دراجة هوائية أو عربة صغيرة، ومعهم أوانٍ صغيرة للحصول على الحساء. ويشير إلى أن عدد المستفيدين من مبادرته نحو 160 أسرة يومياً، وهو عدد أكبر من الأعوام الماضية، نظراً لسوء الظروف المعيشية لدى الكثير من الأسر الغزية.

يستفيد الأطفال أيضا من مبادرته (محمد الحجار) 


لدى الحطاب تسعة أبناء. في أحيان كثيرة يبادرون إلى مساعدة والدهم، إضافة إلى المشاركة مع الذين يقدمون بعض المكونات لتشجيعهم على الاستمرار معه. لكنّه يصادف الكثير من الأطفال الذين يأتون إليه وهم خجلون ويحاولون الوقوف على مقربة منه، ويخفون في بعض المرات الأطباق حتى لا ينظر إليهم أصدقاؤهم بشفقة.

يعد الحساء للفقراء (محمد الحجار) 




ويقول: "صادفت الكثير من القصص. في إحدى المرات، كان طفل قد أحضر إليّ إناءً، ثمّ عاد بعد نصف ساعة ليحضر طبقاً ثانياً. طلبت من أحد أبنائي الذهاب خلفه ليعرف السبب، وتبين أنه يُحضر الطعام لإحدى المسنّات اللواتي يسكنّ على مقربة من الحيّ وتعيش في غرفة صغيرة وحدها. وهذا الطفل يبادر كل يوم لإحضار الحساء لها، لأنها امرأة مسنّة وغير قادرة على الحركة".

ويحكي قصة من قصص كثيرة شعر من خلالها بقيمة العمل الانساني، قائلاً: "في إحدى المرات، قدم إليّ رجل يرغب في أن يُطعم أبناءه الأرز واللحم، لكنه لا يستطيع لأنه فقير وعاطل من العمل، فقررت أن أساهم في تحقيق رغبته يومياً، وعاهدت نفسي على أن أستمر في إعداد الحساء للفقراء خلال رمضان ما دمتُ حياً وأتنفس".