مهجّرون سوريون يفتقدون دفء عوائلهم في رمضان
تمضي أيام شهر رمضان على عجل، لتأخذ معها ذكريات تثقل كاهل عامر حمزة (32 عاماً) المهجَّر من ريف حمص الشمالي، الذي يعيش مع طفليه وزوجته، ويقول لـ"العربي الجديد": في عام 2018 خرجنا من ريف حمص الشمالي، كنت على يقين بأن الأمر أصعب مما يتصور الجميع، لكون التهجير يعني خسارة الكثير. للمرة الثالثة أعيش شهر رمضان بعيداً عن أمي وأبي، بعيداً عن بيتنا الذي أحفظ كل زاوية فيه، وعن أرضنا التي رويت أشجار زيتونها مراراً. اليوم أحاول تجاهل كل هذا، لكن هذا الأمر ليس سهلاً عليّ".
وللعائلة واجتماعها ارتباط وثيق بشهر رمضان، كما يشير حمزة: "كنت طالباً جامعياً في السنة الثانية، وذهبت في فصل الصيف للعمل في لبنان، وهذا الأمر قبل انطلاق الثورة بعام تقريباً، وقبل أيام تركت العمل لأقضي شهر رمضان مع الأهل في سورية حينها، فرمضان من دونهم صعب جداً، واليوم أنا أمضيه مع زوجتي وطفليّ، الواقع مرّ بغياب والديّ وإخوتي، لكن ما باليد حيلة".
وزادت أوضاع المهجرين في الشمال السوري سوءاً مع المخاوف من تفشي فيروس كورونا وتغير الواقع المعيشي الذي أثّر فيهم وفي سكان المنطقة، فضلاً عن صعوبات الحصول على العمل، الأمر الذي أفقدهم حتى لقاء عوائلهم.
مروان محمد، المهجَّر من القلمون الشرقي، والذي يقيم في منطقة عفرين، تحدث لـ"العربي الجديد" عمّا يمرّ به في الوقت الحالي، قائلاً: "كنت أتمنى أن يكون شهر رمضان الحالي أفضل بالنسبة إليّ، لكن شاءت الظروف أن أكون بعيداً حتى عن زوجتي وأطفالي، أنا أعمل في ريف الحسكة، وعائلتي في منطقة عفرين، والأمر الأصعب أن التهجير حرمني رؤية أبي وأمي وإخوتي".
ويضيف محمد: "كل سنة تمرّ تخبئ لنا الكثير من المفاجآت، لكن رغم هذا فإن التفاؤل هو ما يدفعنا إلى المضيّ في الحياة. فلو استسلمنا لظروفنا، لكانت الأمور أسوأ بكثير. أنا مجبر على الصبر، وأنا أعمل بعيداً عن زوجتي وأطفالي، وبعيداً عن جو العائلة الذي ترعرعت عليه منذ الصغر. أذكر دائماً حين كنت طفلاً كيف بدأت بالصيام، وعندما عدت من المدرسة لم أكن قادراً على المواصلة، فطلبت من أمي أن أتناول الغداء، فضحكنا... أكثر ما أتمناه في شهر رمضان المقبل، أن أكون مع أمي وأبي وإخوتي في بيت العائلة تجمعنا مائدة واحدة، وأن يرى أطفالي جدهم وجدتهم، ويعيشوا هذه الأجواء الجميلة".
وكان شهر رمضان يوفر فرصة لاجتماع العوائل السورية على الدوام، أو تبادل الدعوات على الموائد الرمضانية، التي تعتبر تقليداً متأصلاً في المحافظة السورية كافة، وكان لهذا الاجتماع فرصة للمّ شمل العوائل وإزاحة بعض الخلافات، وحاول بعض المهجرين في الشمال إعادة هذه الأجواء، وإن لم يكن على مستوى العائلة الضيق، ليشمل الأقارب أو الجيران، لبعث بعض البهجة المفقودة خلال هذا الشهر.
وعن هذا تتحدث أم محمد (42 عاماً) المهجرة من ريف حمص الشمالي، والتي تقيم في مخيم بالقرب من بلدة دير حسان شمالي إدلب، وتقول لـ"العربي الجديد": "رمضان هذا العام صعب علينا، لكن ما يواسيني وجود بعض أفراد عائلتي وأقاربي في المخيم أو المنطقة التي نحن فيها، أشعر إلى حد ما بالراحة، أتمكن من رؤية أمي وإخوتي على الدوام وبعض القريبات لي، دائماً ما يكون حديثنا عن العودة وعمّا كنا نفعله في شهر رمضان عندما كنا في بيوتنا".
وتتابع أم محمد: "أكثر ما أفتقده هو بيتي. فلا يمكن مقارنة الحياة في المخيم ببيت يوفر الخدمات، وخاصة في شهر رمضان، وليس غرفتين إحداهما من الصفيح. لكن ما باليد حيلة. قد يكون شهر رمضان المقبل نهاية لمآساتنا، وقد تكتب لنا العودة إلى بيوتنا، وهذا ما أرجوه على الدوام".
ويتقبل المهجر من ريف دمشق الجنوبي أيهم العمر الواقع الحالي حيث يقيم في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه بسبب الظروف المعيشية الصعبة مرت أيام شهر رمضان كباقي أيام السنة العادية.
ويقول العمر: "غلاء الأسعار وقلة العمل والظروف هنا أبعدتنا عن روحانيات رمضان، وما زاد الأمر صعوبة، البعد عن العائلة. أعيش هنا أنا وأخي، وعائلتنا مشتتة، وليس لنا سوى وسائل التواصل الاجتماعي للحديث سوية ليطمئن بعضنا على بعض. أتحدث مع والديّ يومياً، ويتجدد لديّ الأمل بلقائهما. نعيش على الحلم والأمل، ولولا هذا، لكانت الحياة تعيسة وسوداء بالنسبة إلينا".
ويردف العمر: "التهجير والإكراه على مغادرة البيت وفراق الأهل قساوة قد لا توصف بالكلمات، والدموع خير ما يعبّر عنها، وأتساءل دائماً عن شعور الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن أو الآباء الذين يحاولون الحصول على أخبار أولادهم في معتقلات النظام، وهذا يخفف عني ما أنا فيه، فهؤلاء يعانون أكثر من الجميع، وهم يصبرون على ألم ليس من السهل تحمله".
وتفصل أيام قليلة السوريين عن نهاية رمضان العاشر الذي يمرّ عليهم منذ اندلاع الثورة في سورية عام 2011، ويعتبر الشهر الأصعب بسبب ظروف المعيشة المتدهورة، والمخاوف من فيروس كورونا وموجة النزوح غير المسبوقة في شمال سورية.