قصة ممرّض تونسي ستينيّ عائد إلى ساحة الحرب على كورونا

29 ابريل 2020
سبق أن شارك في كسر حصار غزة (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد نحو 12 شهراً من إحالته على التقاعد، يعود الممرض التونسي جمال البحريني إلى المستشفيات التونسية، متطوّعاً لخدمة المرضى ومقاومة فيروس كورونا في بلاده، وعازماً على مواصلة مهمّته إلى حين إعلان السلطات الصحية عن شفاء آخر مصاب بالفيروس.

يوم 16 مارس/ آذار المنصرم، وضع الممرض جمال البحريني (60 عاماً) نفسه في تصرف السلطات الصحية في تونس، بعدما تقدّم بطلب رسمي لاستئناف العمل كمتطوّع، مؤكداً في طلبه أنه جاهز للخدمة في أي محافظة من محافظات البلاد. يقول البحريني لـ"العربي الجديد": "منذ بدأت جائحة كورونا العالمية، كنت أراقب تطوّر الوضع الوبائي في البلاد وقررت منذ الأيام الأولى عندما كان عدد الحالات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة أن أكون في الصفّ الأول خدمة للمرضى في بلادي أو أي بلد آخر".

يضيف المتحدث أنه كان يريد أن يضع عُصارة خبرته التي راكمها خلال 35 عاماً من العمل في المستشفيات الحكومية وتجاربه كمتطوّع مع المنظمة العالمية لأطباء بلا حدود للمساهمة في مواجهة فيروس كورونا، وأن يكون إلى جانب زملائه السابقين في العمل، خصوصاً أنه كان يعلم خطورة وشراسة الفيروس الذي فتك بمئات الآلاف من البشر في دول عدة. ويتابع "أعرف جيداً حجم الإمكانات المادية والبشرية في المستشفيات التونسية التي عملت فيها لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وهذا ما دفعني إلى التطوّع إيماناً بالمهمة الإنسانية التي توضع على عاتق الإطار الطبي وشبه الطبي زمن الكوارث، حيث يكون لكل فرد قيمة إضافية".

يؤكّد البحريني أنّه أصرّ على خوض التجربة على الرغم من تباطؤ وزارة الصحة في قبول طلبه كمتطوّع، إذ ظل يتردّد على الوزارة لأيام عدّة ويطرق الأبواب من أجل السماح له بالعودة للعمل إلى أن حصل على المواقفة، بعد أن وقّعت عضو اللجنة القارة لمتابعة فيروس كورونا الطبيبة جليلة بن خليل على طلبه. بعد حصوله على الموافقة، تم تعيين جمال البحريني بمستشفى عبد الرحمان مامي بأريانة الذي صنفته وزارة الصحة مركزاً لعلاج مصابي كورونا.

يقول "كان الجميع يواجه تجربة جديدة ببعض من الارتباك، لكن بكثير من العزيمة والإصرار على إنجاح المهمة الإنسانية والخروج من الجائحة بأخف الأضرار البشرية". ويتابع "كنت الأكبر سناً وتجربة من بين العاملين معي من إطارات طبية وشبه طبية، لكننا كنا نتقاسم المهام بكثير من الانضباط والتشاركية وبعزيمة على إنقاذ حياة الناس، خاصة أنني كنت أقضي 12 ساعة يومياً في غرف الإنعاش في محاولة لمساعدة الحالات الصعبة على استعادة عافيتهم وقدرتهم على التنفس" .

ولا تعدّ تجربة التطوّع لجمال الأولى من نوعها، إذ سبق أن خاض الممرض الستيني تجارب يصرّ على وصفها بالإنسانية كان خلالها ضمن فرق صحية في البوسنة والهرسك والعراق إبان حرب الخليج عام 1991، كما قاد في 10 مناسبات فرقاً صحية في إطار كسر الحصار المفروض على غزّة.

تطوّع خدمة للواجب الإنساني (العربي الجديد)

ويعتبر جمال البحريني أن لكل تجربة خصائصها، لكنها تلتقي جميعاً عند الواجب إلإنساني وإنقاذ حياة البشر، مشيراً إلى أن تطوّعه لخدمة المصابين بفيروس كورونا هي حلقة في سلسلة تجارب ومحطات لا ينوي إنهاءها ما دام يملك القدرة على العمل. ويشير المتحدث إلى أن الخدمات الصحية واجب إنساني يقدمه الممرضون والأطباء للمرضى بمقابل ودون مقابل.

غير أنه يؤكد أن هناك من يضحّون من أجله هو أيضاً، خصوصاً ابنه ذا الـ12 عاماً، والذي أودعه لدى جدته بعدما حرمه الموت من أمه حتى يتمكّن من إتمام مهمته في مواجهة فيروس كورونا، بقسم الإنعاش في مركز كوفيد 19. وبعد سبعة أيام من العمل المتواصل تتراوح فيها المشاعر بين الأمل والألم يقول جمال، إن كل المرضى الذين سهر على رعايتهم غادروا العناية المركزة وبدؤوا يتماثلون للشفاء كما شهد على انتصارات مرضى آخرين على الفيروس.

ومع ذلك يشير إلى أنه لن يتوقّف عند هذا الحد، بل سيواصل مهمته كمتطوّع إلى أن تعلن السلطات الصحية في بلاده عن الحالة الصفر، يقول "حينها سأعود إلى بيتي راضي الضمير"، مطالباً في الأثناء التونسيين بمواصلة الالتزام بمقتضيات الحجر حتى يختفي الفيروس نهائياً بعدما وصل حالياً إلى مرحلة الاحتضار، بحسب تقديره.

المساهمون