تكثر على مواقع التواصل الاجتماعي صور للحياة في مصر، فتظهر الشوارع مرصوفة بالسيارات وعربات المترو مكتظة بالركاب فيما الأسواق الشعبية تعجّ بالباعة والمشترين. وهذه الصور بالنسبة إلى بعض الناس تدلّ على عدم اكتراث الشعب لأزمة كورونا المستجدة أو عدم وعيه خطورة الموقف، غير أنّها في الوقت نفسه تشير إلى أنّ الأزمات في مصر مركّبة. لا يمكن فصل تأمين لقمة العيش عن تأمين الحياة والصحة. ولكلّ واحد من الوجوه التي قد نصادفها يومياً وقد خرجت من بيوتها على الرغم من فيروس كورونا الجديد الذي يتفشّى في البلاد قصّته التي تدفعه إلى تحدّي القلق والخوف والضغط النفسي في حين تراهن على القدرة الإلهية في حمايته للنجاة من الأزمة القائمة.
أمّ أحمد، بائعة خضار ودواجن تقطن في محافظة القليوبية في منطقة دلتا النيل (شمال) وهي تقصد القاهرة كلّ يوم أربعاء. تؤكد أمّ أحمد أنّها تبيع البيض والدواجن "البلدي" التي تختلف عن تلك المتوفّرة في العاصمة ومصدرها المزارع، كذلك تبيع كلّ أنواع الخضراوات المزروعة في الريف وليس في المزارع والدفيئات الزراعية. وفجر الأربعاء، تتوجّه أمّ أحمد إلى العاصمة في سيارة نقل مفتوحة من الخلف مع ريفيات أخريات. كلّ واحدة منهنّ تختار لنفسها مكاناً على أحد الأرصفة لتعرض بضاعتها. وقد اعتاد عليهنّ سكان حيّ الزيتون الذي يحلّون فيه وكذلك سكان الأحياء المجاورة، فتبادلوا أرقام الهواتف لتجهيز الطلبات مسبقاً. وعند العصر، يعدنَ إلى ريفهنّ.
وصبيحة اليوم الأوّل من تطبيق قرار حظر التجوّل الجزئي الذي فرضته السلطات المصرية في كلّ أنحاء البلاد، بهدف الحدّ من انتشار فيروس كورونا الجديد، خشيت أمّ أحمد من بوار بضاعتها، فأجرت اتصالات هاتفية بزبائنها لتسألهم عن متطلباتهم حتى تحسم قرارها بجدوى السفر صباحاً. وعندما أكّدوا لها حاجتهم إلى ما توفّره لهم حضّرت طلباتهم وزادت بضاعتها قليلاً، تحسباً لتراجع حركة البيع لاحقاً، ثمّ انتقلت إلى حيث هو مورد رزقها مع غيرها من البائعات الريفيات. وتوضح أمّ أحمد أنّ "هذا مصدر دخلي الوحيد، وأخشى قرار الحظر، خصوصاً أنّ عدداً كبيراً من الزبائن لازموا منازلهم".
أمّا العمّ إبراهيم عامل البوفيه في القاهرة فقد "هرب" من فيروس كورونا مؤقتاً إلى المنيا في الصعيد المصري (جنوب). هكذا يكون واحداً من المتضررين الكثيرين من هذه الأزمة. يخبر أنّ الشركة الكبرى التي يعمل فيها بالقاهرة منحته إجازة مدفوعة الأجر لمدّة عشر أيام، وذلك بعدما ألحّت زوجته وأولاده عليه حتى يعود إليهم. يضيف العمّ إبراهيم: "أعطوني الإجازة بصعوبة بعدما اتفقت مع زميل لي في البوفيه على تقسيم العمل بيننا، فأتسلم بالتالي العمل منه بعد عشرة أيام، فيبدأ هو إجازته، كحلّ مؤقت في هذه الظروف". ويشير العمّ إبراهيم إلى أنّ "صاحب الشركة سافر مع أسرته إلى الساحل الشمالي منذ بداية أزمة كورونا بعيداً عن القاهرة وزحمتها وتلوّثها وخفّض عدد العاملين في الشركة، نصفهم على أقلّ تقدير يعمل من البيت. لكنّ عمّال البوفيه لا بدّ لهم من الحضور يومياً لخدمة باقي موظفي الشركة الذين يعملون من المقرّ". ويتابع العمّ إبراهيم: "أولادي يلحّون عليّ ألا أعود إلى العمل مجدداً، خشية إصابتي. لكن كيف نأكل ونشرب إذا لازمت البيت؟". ويكمل: "عندي أمل تكون الدنيا اتظبطت والحال اتعدّل على ما الإجازة بتاعتي تخلص، ونرجع تاني لحالنا وأشغالنا".
من جهة أخرى، تعيش ثريا عزت وحيدة مع قطتها في منزلها الواسع في الطبقة الأرضية في حيّ غاردن سيتي، أحد أرقى أحياء القاهرة، في أيام التباعد الاجتماعي التي يشبه بعضها بعضاً إلى حدّ التطابق. فتستيقظ كلّ صباح وتشرب قهوتها أمام النافذة المؤمّنة بقضبان حديد، وتراقب المارة والسيارات بصمت، راصدة كيف يتغيّر شكل الحياة في الحيّ يوماً بعد آخر. تقول: "من هنا كان التلاميذ يمرون في طريقهم من المدرسة وإليها، وهناك كان جارنا في الطبقة الثالثة يركن سيارته ويتشاجر مع كلّ من يتجرأ على احتلال مكانه من العاملين في المصرف المجاور. ومن هذه الناحية، كان مئات من الأشخاص يتحرّكون في كلّ الاتجاهات. لكنّ كل شيء تغيّر الآن".
وثريا التي تشكو من داء السكري وارتفاع ضغط الدم، صارت تمتنع عن الخروج لشراء حتى أغراضها الأساسية، لذا يساعدها أحد شباب الحيّ. فيمرّ عليها بين الحين والآخر ويتبضّع من أجلها ويسحب معاشها من الصرّاف الآلي، وكذلك يساعدها في تصليح أي عطل في المنزل. وإذ تعبّر عن قلقها من أن يقرّر الشاب ملازمة بيته بدوره، تشير إلى أنّ "العزلة زادت كثيراً من شعوري بالوحدة. صحيح أنّني طول الوقت وحدي، غير أنّني لم أكن معزولة بهذا الشكل". تضيف ثريا: "قبل أزمة كورونا، كنت أخرج إلى الشارع، مستندة إلى عكازتي، فأستنشق بعض الهواء وأحرّك رجلَيّ قليلاً. كذلك كنت أشتري الصحف وما أحتاجه من أغراض".