تواجه حكومة ما بعد الثورة في السودان مجموعة من التحديات والمشاكل الاجتماعية تتعلق بالصحة والتعليم والأطفال وغيرها. إلا أن عمالة الأطفال تُعَدّ أحد أبرز التحديات، وخصوصاً بعد فشل الحكومات السابقة في الحد منها. يومياً، يلتقي أنس إبراهيم (12 عاماً) وأيمن علي (11 عاماً) وأحمد خميس (12 عاماً) عند أحد التقاطعات وسط العاصمة الخرطوم، وينتظرون أن يتوقف سير السيارات عند الشارة الحمراء لبيع مناديل ورقية، علماً أن سعر العلبة 20 سنتاً. ولا يحصل الواحد منهم على أكثر من ثلاثة دولارات بعد العمل أكثر من 15 ساعة. ويساعد كل واحد أسرته، في ظل الضغوط المعيشية الصعبة في البلاد.
لكن ذلك الربح البسيط لا يوازي مطلقاً خسارة أخرى أكبر، بعدما ترك ثلاثتهم مقاعد الدراسة وتفرغوا لمساعدة أنفسهم وأسرهم. أحمد خميس الذي يتحدّر من ولاية جنوب كردفان، والذي أدت الحرب إلى نزوح أسرته إلى الخرطوم، يقول لـ"العربي الجديد" إنه لم يعد أمامه فرصة لمواصلة تعليمه، لأن الأسرة في حاجة لما تنفقه، مشيراً إلى أنه في بعض الأحيان لا يقوى على تحمل أشعة الشمس الحارقة، ولا سيما في الصيف، ولا على مطاردات موظفي البلدية.
أما أيمن علي، الذي يتحدّر من ولاية القضارف (شرق السودان)، فيقول إن منطقته لم تشهد حرباً، لكن فرضت عليه الظروف أن يعمل في سنٍّ صغيرة. ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنه يفكر في العودة إلى الدراسة التي تركها في الصف السادس، بدءاً من العام المقبل، بعدما يدخر بعضاً من المال من عمله في بيع المناديل.
أنس إبراهيم، وهو من ولاية الجزيرة في وسط السودان، ترك الدراسة في وقت مبكر أيضاً، لكنه لا يفكر مطلقاً في العودة إلى الدراسة اعتقاداً منه أنه يساهم في إعالة أسرته التي تحتاجه. وعند الكثير من التقاطعات والأسواق، يعمل آلاف الأطفال والصبيان في مهن هامشية، ويواجهون الكثير من المصاعب.
وخلال السنوات الماضية، سعت بعض الولايات السودانية إلى الحدّ من عمالة الأطفال والتسرب المدرسي، منها ولاية البحر الأحمر حين أطلقت في عام 2010 برنامج التعليم باسم الغذاء، بهدف تقديم دعم غذائي للأسر الفقيرة، في مقابل إلزامها السماح لأبنائها بالدراسة. وحقق البرنامج نجاحاً كبيراً، في وقت افتتحت فيه ولاية الخرطوم مدارس في أحد الأسواق الكبيرة، وتحديداً في السوق المركزي في الخرطوم، ما يتيح للأطفال والصبيان العمل والدراسة في آن واحد.
اقــرأ أيضاً
ويرى وزير التربية والتعليم في الحكومة الجديدة محمد الأمين التوم، أن الحلّ لمشكلة التسرّب يكمن في التعليم الفني الذي يفترض ألّا تقل نسبة استيعاب التلاميذ فيه عن ستين في المائة، مشيراً إلى أنه يمثّل ركيزة للتنمية والبناء والنهضة. ويشير إلى تدهور التعليم الفني وتهميشه، وهو الذي يمثل الآن ثلاثة في المائة من مجمل التعليم الثانوي، ما يعطي مؤشراً سلبياً في ما يتعلق بالعنصر البشري المؤهل فنياً لقيادة عجلة التنمية.
من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم، إن الأطفال العاملين عند التقاطعات الرئيسة والأسواق يعانون مشاكل صحية بسبب تعرضهم لأشعة الشمس ساعات طويلة، ويحملون في بعض الأحيان أشياء ثقيلة لبيعها، ما يؤثّر بأجسادهم الصغيرة. يضاف إلى ما سبق ارتفاع نسبة احتمالات الاعتداء عليهم. وتوضح لـ"العربي الجديد" أن الكارثة تتمثّل بتسرب هؤلاء الأطفال من المدرسة، ما يخلق مشاكل اجتماعية أخرى، منها انتشار الجريمة وتعاطي المخدرات. وترى أن الفقر الذي تعاني منه الكثير من العائلات السودانية هو السبب الرئيسي للعديد من المشاكل، داعية الدولة والمجتمع إلى القيام بواجباتهما حيال الأطفال وأسرهم، ولا سيما مؤسسات التكافل الاجتماعي، مثل ديوان الزكاة وغيرها.
وتؤكد إبراهيم أن قانون الطفل لعام 2010 يضم بنوداً واضحة في كيفية التعاطي مع مشكلة عمالة الأطفال وحمايتهم منها، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن القانون يحتاج إلى مزيد من التطوير، وخصوصاً في مجالي المراقبة والتفتيش، مشددة على أهمية التوعية والإرشاد الاجتماعي للحد من الظاهرة.
أما الناشط محمد علي خوجلي، فيقلل، في حديث لـ"العربي الجديد"، من حجم المشكلة في المصانع، قائلاً إنها تمنع إلى حد كبير تشغيل الأطفال. ويوضح أن المشكلة تتجلى في المناطق الصناعية التقليدية، في ظل عدم توافر بيئة تعليمية للأطفال تسمح لهم بمتابعة دراستهم. يضاف إلى ما سبق الحروب والنزاعات في الكثير من المناطق السودانية، التي أدت إلى موجة نزوح واسعة إلى الخرطوم، مشيراً إلى أن الدولة لا تهتم بمشاكل الأطفال وكبار السن كما يجب. وينتقد ضعف دور منظمات المجتمع المدني.
من جهته، يوضح سامي الباقر، عضو لجنة المعلمين الموالية لتحالف الحرية والتغيير الحاكم، أن ظاهرة عمالة الأطفال خطيرة جداً، والسبب الأساسي هو التسرب المدرسي الذي يقدَّر بنحو ثلاثة ملايين طفل (ما بين 6 و13 عاماً). ويشير إلى أن الأمر مرتبط بـ"النظام التعليمي المعيب" الذي اعتمده نظام الرئيس المعزول عمر البشير. ويقول لـ"العربي الجديد" إن الدولة لم تكن تخصص للتعليم سوى 2 في المائة من الميزانية، وبالتالي كانت الأسر هي التي تتكفل بالتعليم.
ويشير إلى أن السبب الثاني يتعلق بالحرب والنزاعات في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق التي دفعت كثيرين إلى النزوح، ما أدى إلى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال، وغالبيتهم من تلك المناطق المأزومة. ويقول إن الحكومة الجديدة بعد الثورة أعدّت خطة شاملة للحد من عمالة الأطفال من خلال دعم قطاع التعليم مادياً وجعله مجانياً لجميع الأطفال، بدءاً من العام المقبل، مع السعي الجاد إلى وقف الحرب وتحقيق السلام في كل مناطق النزاع، ما سيؤدي بحسب تقديره إلى عودة النازحين وإنشاء مدارس جديدة. كذلك فإن الحكومة وضعت ميزانية لتقديم وجبة غذائية مجانية لجميع التلاميذ في المدارس الحكومية.
لكن ذلك الربح البسيط لا يوازي مطلقاً خسارة أخرى أكبر، بعدما ترك ثلاثتهم مقاعد الدراسة وتفرغوا لمساعدة أنفسهم وأسرهم. أحمد خميس الذي يتحدّر من ولاية جنوب كردفان، والذي أدت الحرب إلى نزوح أسرته إلى الخرطوم، يقول لـ"العربي الجديد" إنه لم يعد أمامه فرصة لمواصلة تعليمه، لأن الأسرة في حاجة لما تنفقه، مشيراً إلى أنه في بعض الأحيان لا يقوى على تحمل أشعة الشمس الحارقة، ولا سيما في الصيف، ولا على مطاردات موظفي البلدية.
أما أيمن علي، الذي يتحدّر من ولاية القضارف (شرق السودان)، فيقول إن منطقته لم تشهد حرباً، لكن فرضت عليه الظروف أن يعمل في سنٍّ صغيرة. ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنه يفكر في العودة إلى الدراسة التي تركها في الصف السادس، بدءاً من العام المقبل، بعدما يدخر بعضاً من المال من عمله في بيع المناديل.
أنس إبراهيم، وهو من ولاية الجزيرة في وسط السودان، ترك الدراسة في وقت مبكر أيضاً، لكنه لا يفكر مطلقاً في العودة إلى الدراسة اعتقاداً منه أنه يساهم في إعالة أسرته التي تحتاجه. وعند الكثير من التقاطعات والأسواق، يعمل آلاف الأطفال والصبيان في مهن هامشية، ويواجهون الكثير من المصاعب.
وخلال السنوات الماضية، سعت بعض الولايات السودانية إلى الحدّ من عمالة الأطفال والتسرب المدرسي، منها ولاية البحر الأحمر حين أطلقت في عام 2010 برنامج التعليم باسم الغذاء، بهدف تقديم دعم غذائي للأسر الفقيرة، في مقابل إلزامها السماح لأبنائها بالدراسة. وحقق البرنامج نجاحاً كبيراً، في وقت افتتحت فيه ولاية الخرطوم مدارس في أحد الأسواق الكبيرة، وتحديداً في السوق المركزي في الخرطوم، ما يتيح للأطفال والصبيان العمل والدراسة في آن واحد.
ويرى وزير التربية والتعليم في الحكومة الجديدة محمد الأمين التوم، أن الحلّ لمشكلة التسرّب يكمن في التعليم الفني الذي يفترض ألّا تقل نسبة استيعاب التلاميذ فيه عن ستين في المائة، مشيراً إلى أنه يمثّل ركيزة للتنمية والبناء والنهضة. ويشير إلى تدهور التعليم الفني وتهميشه، وهو الذي يمثل الآن ثلاثة في المائة من مجمل التعليم الثانوي، ما يعطي مؤشراً سلبياً في ما يتعلق بالعنصر البشري المؤهل فنياً لقيادة عجلة التنمية.
من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم، إن الأطفال العاملين عند التقاطعات الرئيسة والأسواق يعانون مشاكل صحية بسبب تعرضهم لأشعة الشمس ساعات طويلة، ويحملون في بعض الأحيان أشياء ثقيلة لبيعها، ما يؤثّر بأجسادهم الصغيرة. يضاف إلى ما سبق ارتفاع نسبة احتمالات الاعتداء عليهم. وتوضح لـ"العربي الجديد" أن الكارثة تتمثّل بتسرب هؤلاء الأطفال من المدرسة، ما يخلق مشاكل اجتماعية أخرى، منها انتشار الجريمة وتعاطي المخدرات. وترى أن الفقر الذي تعاني منه الكثير من العائلات السودانية هو السبب الرئيسي للعديد من المشاكل، داعية الدولة والمجتمع إلى القيام بواجباتهما حيال الأطفال وأسرهم، ولا سيما مؤسسات التكافل الاجتماعي، مثل ديوان الزكاة وغيرها.
وتؤكد إبراهيم أن قانون الطفل لعام 2010 يضم بنوداً واضحة في كيفية التعاطي مع مشكلة عمالة الأطفال وحمايتهم منها، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن القانون يحتاج إلى مزيد من التطوير، وخصوصاً في مجالي المراقبة والتفتيش، مشددة على أهمية التوعية والإرشاد الاجتماعي للحد من الظاهرة.
أما الناشط محمد علي خوجلي، فيقلل، في حديث لـ"العربي الجديد"، من حجم المشكلة في المصانع، قائلاً إنها تمنع إلى حد كبير تشغيل الأطفال. ويوضح أن المشكلة تتجلى في المناطق الصناعية التقليدية، في ظل عدم توافر بيئة تعليمية للأطفال تسمح لهم بمتابعة دراستهم. يضاف إلى ما سبق الحروب والنزاعات في الكثير من المناطق السودانية، التي أدت إلى موجة نزوح واسعة إلى الخرطوم، مشيراً إلى أن الدولة لا تهتم بمشاكل الأطفال وكبار السن كما يجب. وينتقد ضعف دور منظمات المجتمع المدني.
من جهته، يوضح سامي الباقر، عضو لجنة المعلمين الموالية لتحالف الحرية والتغيير الحاكم، أن ظاهرة عمالة الأطفال خطيرة جداً، والسبب الأساسي هو التسرب المدرسي الذي يقدَّر بنحو ثلاثة ملايين طفل (ما بين 6 و13 عاماً). ويشير إلى أن الأمر مرتبط بـ"النظام التعليمي المعيب" الذي اعتمده نظام الرئيس المعزول عمر البشير. ويقول لـ"العربي الجديد" إن الدولة لم تكن تخصص للتعليم سوى 2 في المائة من الميزانية، وبالتالي كانت الأسر هي التي تتكفل بالتعليم.
ويشير إلى أن السبب الثاني يتعلق بالحرب والنزاعات في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق التي دفعت كثيرين إلى النزوح، ما أدى إلى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال، وغالبيتهم من تلك المناطق المأزومة. ويقول إن الحكومة الجديدة بعد الثورة أعدّت خطة شاملة للحد من عمالة الأطفال من خلال دعم قطاع التعليم مادياً وجعله مجانياً لجميع الأطفال، بدءاً من العام المقبل، مع السعي الجاد إلى وقف الحرب وتحقيق السلام في كل مناطق النزاع، ما سيؤدي بحسب تقديره إلى عودة النازحين وإنشاء مدارس جديدة. كذلك فإن الحكومة وضعت ميزانية لتقديم وجبة غذائية مجانية لجميع التلاميذ في المدارس الحكومية.