الظروف الاقتصاديّة الصعبة وقلّة فرص العمل تدفع عائلات تونسيّة إلى الحدّ من المصاريف. وتعمد بعض العائلات في مدن وجهات تونسية مختلفة إلى العمل في بيوتها. هكذا، لا يحتاج أفراد الأسرة إلى التنقل خارج البيت للعمل. الكثير من هؤلاء حرفيون ورثوا حرفهم أباً عن جد، أو تعلموها في الورش.
مدن ساحلية عدة، خصوصاً تلك التي اشتهرت بحرفة النسيج على "النول" أو المنسج، كان أهلها وما زالوا بغالبيتهم يعملون في البيوت وليس في المحال أو الورش. ويتولّى ربّ الأسرة جلب السلع المطلوبة كخيوط الحرير أو الصوف ليتولى هو وزوجته وأحياناً أبناؤه نسجها وصناعة بعض المفارش أو الأغطية أو الأقمشة. بعدها، يبيعها لتجار الأقمشة أو الأغطية الشتوية. وتتوارث تلك العائلات الحرفة. وحتى لو ارتاد أبناؤها المدرسة، فإنّهم بغالبيتهم يحافظون على تلك المهنة التي تحقق لهم أرباحاً.
يقول محمد سعيدي (55 عاماً)، أحد حرفيي النسيج في مدينة المنستير لـ"العربي الجديد"، إن "تلك الحرفة منتشرة منذ القدم، خصوصاً في المناطق الساحلية. بدأت في بيوت العائلات، إذ اختار غالبية ممتهني تلك الحرفة العمل في البيوت بهدف إشراك جميع أفراد العائلة من دون اللجوء إلى البحث عن أيدٍ عاملة ودفع أجور كبيرة. وكان الرجل يتولى المهام الصعبة وتساعده زوجته في بعض الأعمال البسيطة مثل قص الخيوط ووضع الأقمشة أو الأغطية في أكياس بلاستيكية. كما يتولى الأبناء المساعدة في العمل خلال العطل. وما زالت العديد من العائلات تحافظ على أعمالها وحرفها في البيوت من دون اللجوء إلى استئجار محال ولتوظيف عمال".
وتُحافظ الكثير من العائلات على العديد من الحرف، منها ورثتها عن الآباء، ومنها تعلّمتها ثم امتهنتها. ويقول محمّد الهمامي لـ"العربي الجديد" إنّه كان من بين أوائل الحرفيين الذين تعلموا حرفة صناعة الأثاث وأغراض الزينة من بعض السعف والسمار والحلفاء. وعلّم عشرات الشباب تلك الحرفة في مناطق داخلية عدة، ولا سيما النساء. وكانت توزع عليهنّ المواد الأولية في بيوتهنّ للعمل وتعليم باقي أفراد الأسرة، ثمّ تجمع البضاعة والمنتجات وتباع في المحال أو في المعارض". يضيف أنّ "العديد من النساء علّمن باقي أفراد العائلة، وباتت العائلات تعمل في البيوت، ليُخلق بذلك ما يعرف بالاقتصاد العائلي أو المهن العائلية التي يتشارك فيها أفراد الأسرة الواحدة".
تنتشر الحرف في العديد من المناطق التونسية. وبرزت صناعة النحاس والزرابي والمفارش والجبة التونسية والفخار في عشرات المدن، أبرزها ولاية نابل التي باتت تعرف بعاصمة الفخار، ويتشارك في صناعة الفخار جميع أفراد العائلة، وتكون مهمة الأب تأمين المواد الأولية من طين ومياه ليقوم باقي أفراد الأسرة بصنع الأواني الفخارية والخزفية، قبل عرضها للبيع.
وخلال التجول في المنطقة، تمكن رؤية العديد من المحال التي يعمل فيها حرفيو الفخار سواء بطريقة تقليدية أو عصرية. لكن ما زالت العديد من العائلات في الجهة تمارس هذه الحرفة في بيوتها.
ويشير عبد الرحمان الضيافي، أحد الحرفيين في الجهة، إلى "أنّ صناعة الفخار تعد مهنة العشرات من العائلات في نابل. وكانت بدايتها في البيوت والمحال داخل الأحياء. وما زالت العديد من العائلات تمتهن تلك الحرفة، ويتوارثها الأبناء ممن يشتركون في العمل داخل منازلهم".
الأمر نفسه ينسحب على منطقة سجنان في محافظة بنزرت شمال تونس. واشتهرت بصناعة الفخار داخل البيوت. وامتهنت غالبية النساء تلك الحرفة، وكن يذهبن إلى الجبال لجلب الطين على الدواب ثم تخزينه في البيوت ليحوّلنه إلى أوان فخارية أو تحف للزينة. وأُدرج فخار سجنان ضمن لائحة التراث اللامادي العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو".
إلى ذلك، يقول الباحث الاجتماعي محمد نصر، لـ"العربي الجديد": "بدأ ظهور العديد من الحرف في تونس في البيوت، بهدف توفير مستلزمات شخصية، قبل أن تتحول إلى تجارة. وانطلق العديد منها كمبادرات فردية لتوفير بعض الحاجيات الضرورية للاستعمالات اليومية، خصوصاً صناعة الفخار والسعف والنسيج والمفارش وغيرها من الصناعات. ثمّ تطوّرت إلى تجارة ومهنة تمارس في العديد من المحال، ويُقبل عليها كلّ باحث عن عمل".
اقــرأ أيضاً
يضيف: "ما زالت عائلات كثيرة تحافظ على ميراث الاقتصاد العائلي وتُمارس عملها داخل بيوتها. ويتولى الأب توفير المواد الأولية وترويج المنتج، فيما تعمل الزوجة والأبناء على صناعة المنتج تفادياً لدفع أجور للعمال". ويبدو أنّ الظاهرة عادت اليوم من جديد، خصوصاً بعد لجوء أرباب العمل إلى تسريح مئات العمال بسبب الأزمة الاقتصادية.
ومع انتشار المشاريع الصغرى في العديد من الجهات، بات أفراد العائلة الواحدة يتحدون لإنجاح المشروع في ظل غياب فرص العمل. يضيف أن "الاقتصاد العائلي أو المهن العائلية من أكثر المشاريع الناجحة لأنّها عمل وجهد مشترك يغيب فيها تغليب مصلحة الفرد على الآخر ومشاكل الأجور وبعض المصاريف الأخرى. كما أنّ استقلالية فرد من العائلة وإنشاءه مشروعه الخاص لا يخلقان عادة مشاكل عائلية".
مدن ساحلية عدة، خصوصاً تلك التي اشتهرت بحرفة النسيج على "النول" أو المنسج، كان أهلها وما زالوا بغالبيتهم يعملون في البيوت وليس في المحال أو الورش. ويتولّى ربّ الأسرة جلب السلع المطلوبة كخيوط الحرير أو الصوف ليتولى هو وزوجته وأحياناً أبناؤه نسجها وصناعة بعض المفارش أو الأغطية أو الأقمشة. بعدها، يبيعها لتجار الأقمشة أو الأغطية الشتوية. وتتوارث تلك العائلات الحرفة. وحتى لو ارتاد أبناؤها المدرسة، فإنّهم بغالبيتهم يحافظون على تلك المهنة التي تحقق لهم أرباحاً.
يقول محمد سعيدي (55 عاماً)، أحد حرفيي النسيج في مدينة المنستير لـ"العربي الجديد"، إن "تلك الحرفة منتشرة منذ القدم، خصوصاً في المناطق الساحلية. بدأت في بيوت العائلات، إذ اختار غالبية ممتهني تلك الحرفة العمل في البيوت بهدف إشراك جميع أفراد العائلة من دون اللجوء إلى البحث عن أيدٍ عاملة ودفع أجور كبيرة. وكان الرجل يتولى المهام الصعبة وتساعده زوجته في بعض الأعمال البسيطة مثل قص الخيوط ووضع الأقمشة أو الأغطية في أكياس بلاستيكية. كما يتولى الأبناء المساعدة في العمل خلال العطل. وما زالت العديد من العائلات تحافظ على أعمالها وحرفها في البيوت من دون اللجوء إلى استئجار محال ولتوظيف عمال".
وتُحافظ الكثير من العائلات على العديد من الحرف، منها ورثتها عن الآباء، ومنها تعلّمتها ثم امتهنتها. ويقول محمّد الهمامي لـ"العربي الجديد" إنّه كان من بين أوائل الحرفيين الذين تعلموا حرفة صناعة الأثاث وأغراض الزينة من بعض السعف والسمار والحلفاء. وعلّم عشرات الشباب تلك الحرفة في مناطق داخلية عدة، ولا سيما النساء. وكانت توزع عليهنّ المواد الأولية في بيوتهنّ للعمل وتعليم باقي أفراد الأسرة، ثمّ تجمع البضاعة والمنتجات وتباع في المحال أو في المعارض". يضيف أنّ "العديد من النساء علّمن باقي أفراد العائلة، وباتت العائلات تعمل في البيوت، ليُخلق بذلك ما يعرف بالاقتصاد العائلي أو المهن العائلية التي يتشارك فيها أفراد الأسرة الواحدة".
تنتشر الحرف في العديد من المناطق التونسية. وبرزت صناعة النحاس والزرابي والمفارش والجبة التونسية والفخار في عشرات المدن، أبرزها ولاية نابل التي باتت تعرف بعاصمة الفخار، ويتشارك في صناعة الفخار جميع أفراد العائلة، وتكون مهمة الأب تأمين المواد الأولية من طين ومياه ليقوم باقي أفراد الأسرة بصنع الأواني الفخارية والخزفية، قبل عرضها للبيع.
وخلال التجول في المنطقة، تمكن رؤية العديد من المحال التي يعمل فيها حرفيو الفخار سواء بطريقة تقليدية أو عصرية. لكن ما زالت العديد من العائلات في الجهة تمارس هذه الحرفة في بيوتها.
ويشير عبد الرحمان الضيافي، أحد الحرفيين في الجهة، إلى "أنّ صناعة الفخار تعد مهنة العشرات من العائلات في نابل. وكانت بدايتها في البيوت والمحال داخل الأحياء. وما زالت العديد من العائلات تمتهن تلك الحرفة، ويتوارثها الأبناء ممن يشتركون في العمل داخل منازلهم".
الأمر نفسه ينسحب على منطقة سجنان في محافظة بنزرت شمال تونس. واشتهرت بصناعة الفخار داخل البيوت. وامتهنت غالبية النساء تلك الحرفة، وكن يذهبن إلى الجبال لجلب الطين على الدواب ثم تخزينه في البيوت ليحوّلنه إلى أوان فخارية أو تحف للزينة. وأُدرج فخار سجنان ضمن لائحة التراث اللامادي العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو".
إلى ذلك، يقول الباحث الاجتماعي محمد نصر، لـ"العربي الجديد": "بدأ ظهور العديد من الحرف في تونس في البيوت، بهدف توفير مستلزمات شخصية، قبل أن تتحول إلى تجارة. وانطلق العديد منها كمبادرات فردية لتوفير بعض الحاجيات الضرورية للاستعمالات اليومية، خصوصاً صناعة الفخار والسعف والنسيج والمفارش وغيرها من الصناعات. ثمّ تطوّرت إلى تجارة ومهنة تمارس في العديد من المحال، ويُقبل عليها كلّ باحث عن عمل".
يضيف: "ما زالت عائلات كثيرة تحافظ على ميراث الاقتصاد العائلي وتُمارس عملها داخل بيوتها. ويتولى الأب توفير المواد الأولية وترويج المنتج، فيما تعمل الزوجة والأبناء على صناعة المنتج تفادياً لدفع أجور للعمال". ويبدو أنّ الظاهرة عادت اليوم من جديد، خصوصاً بعد لجوء أرباب العمل إلى تسريح مئات العمال بسبب الأزمة الاقتصادية.
ومع انتشار المشاريع الصغرى في العديد من الجهات، بات أفراد العائلة الواحدة يتحدون لإنجاح المشروع في ظل غياب فرص العمل. يضيف أن "الاقتصاد العائلي أو المهن العائلية من أكثر المشاريع الناجحة لأنّها عمل وجهد مشترك يغيب فيها تغليب مصلحة الفرد على الآخر ومشاكل الأجور وبعض المصاريف الأخرى. كما أنّ استقلالية فرد من العائلة وإنشاءه مشروعه الخاص لا يخلقان عادة مشاكل عائلية".