أوروبيّو بريطانيا... غموض ما بعد بريكست

31 يناير 2020
تظاهرة رافضة لبريكست (مايك كيمب/ Getty)
+ الخط -

يعيش مواطنو الاتحاد الأوروبي المقيمون في بريطانيا، وعددهم نحو 3.5 ملايين، قلقاً حقيقياً بشأن مستقبلهم بعد "بريكست"، وقد رفض مجلس العموم تعديلات بمنح المواطنين الأوروبيين أوراقاً رسمية تُثبت حقّهم في الإقامة والعمل في بريطانيا

اليوم هو موعد الانفصال بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والذي كان قد سبقه مفاوضات ومراحل عدّة. وشهدت الجولة الأخيرة من إقرار مشروع قانون بريكست في البرلمان البريطاني خلافاً بين مجلسي اللوردات والعموم حول مسألة مواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين في بريطانيا. وكان مجلس اللوردات قد أقرّ تعديلاً على مشروع قانون بريكست يفرض على الحكومة البريطانية منح المواطنين الأوروبيين أوراقاً رسمية تُثبت حقّهم في الإقامة والعمل في بريطانيا، إلا أن مجلس العموم الذي تهيمن عليه حكومة بوريس جونسون رفض التعديل المذكور، مشددا على عدم وجود دواعٍ للقلق.

وكان الحفاظ على حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي إحدى النقاط التي أصرت عليها مفاوضات بروكسل خلال السنوات الثلاث الماضية، وتحديداً عدم استخدام حقوقهم كأوراق ضغط في المفاوضات مع بريطانيا، وهو التزام أقرّته بريطانيا بهدف حماية حقوق المواطنين البريطانيين في الاتحاد الأوروبي. إلّا أن المواطنين الأوروبيين في بريطانيا، والبالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين شخص، لديهم أسبابهم للقلق من بريطانيا بعد بريكست، خصوصاً أن مسألة الهجرة كانت المحرّك الرئيسي وراء تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.



يقول مدير مركز العدالة العالمية، الآن نيك ديردن، لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن هناك مشكلة حقيقية. هناك 3 ملايين شخص منزوعو المواطنة (أي مواطنتهم الأوروبية في بريطانيا) ويجب عليهم استبدالها بطلب قد يحصلون من خلاله على حق الإقامة هنا". يضيف: "لم يتقدّم الجميع بطلب للإقامة أو كان طلبهم موفقاً. لذلك، فإنهم يمرون بظروف يسودها القلق والاضطراب، ومن دون سبب. فقد كان باستطاعة الحكومة التعامل مع المسألة بطريقة مختلفة جداً، ولكنها أرادت التعامل مع هؤلاء الأفراد كأوراق ضغط في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة مقززة وغير إنسانية".

يتابع: "النظام الجديد سيكون أسوأ للعمال البريطانيين أيضاً. حسنات حرية الحركة أنها تسمح للأفراد بالقدوم والعمل هنا والحصول على حقوق العمال المقيمين نفسها. الخشية من أن العمالة ستقوم بتقويض الأجور وشروط العمل لن تكون مطروحة إن حصل الجميع على الحقوق نفسها. إذا جاء الناس إلى هنا ليعملوا بحقوق أقل، فذلك سيكون مشكلة كبيرة تؤدي إلى تحريض العمال بعضهم على بعض".

ويوضح ديردن: "يجب القول إن أحد أسباب خوف المواطنين الأوروبيين هو تماماً قلقهم من احتمال وضعهم في البيئة المعادية التي تواجه المهاجرين من دول خارج الاتحاد الأوروبي. وإنه لأمر فظيع أن تتم معاملة الأفراد بشكل سيئ كي يتخذوا القرار بالهجرة الطوعية. بل وتجبر قوانين البيئة المعادية الأطباء والمدرسين وأرباب العمل وأصحاب المنازل على الإبلاغ عن المهاجرين إلى وزارة الداخلية. يجب ألا يعيش أحد في هذه الظروف، ويخشى بعض مواطني الاتحاد الأوروبي الوقوع ضحية هذا النظام السيئ".

لا يريد الانفصال (آرتور ويداك/ Getty) 


يعيش في بريطانيا نحو 3.5 ملايين من مواطني الاتحاد الأوروبي، بينما يقابلهم 1.2 مليون بريطاني في الاتحاد الأوروبي. وتشير الإحصائيات إلى أن 80 في المائة من الأوروبيين في بريطانيا منخرطون في العمل، بعكس ادعاءات اليمين البريطاني المتطرف ضدهم. ولدى هؤلاء عائلات ممتدة عبر الحدود الأوروبية، وربما إلى خارج الاتحاد الأوروبي. وستؤدي تعديلات نظام الهجرة البريطاني إلى تعقيد حياتهم.

في المقابل، يحقّ للأوروبيّين الحصول على الإقامة في بريطانيا في حال استوفوا عدداً من الشروط. وبينما تحاول جماعات الضغط جعل هذا الحق تلقائياً، تصر الحكومة البريطانية على أن يكون طلب الإقامة شاملاً، أي أنه يكشف فترات الإقامة في بريطانيا خلال السنوات الخمس الماضية. وتتعامل الداخلية البريطانية حالياً مع 2.8 مليون طلب. وتقول خيمينا فياماندوس، التي تعمل في قطاع الاستشارات المالية وتحمل الجنسية الإسبانية، لـ"العربي الجديد": "حصلت على حق الإقامة في بريطانيا. لذلك، لن يحصل لي شيء على المدى القريب. وعن المستقبل، فذلك يرتبط بوضع الاقتصاد بشكل عام قبل أي شيء". تضيف: "سيعتمد ذلك أيضاً على مدى كلفة وتعقيد السفر إلى إسبانيا، والعمل في بريطانيا، وحق الإقامة في إسبانيا. وهذا أمر يجب علي أخذه بعين الاعتبار لمستقبلي ومستقبل شريكي (وهو بريطاني). إلا أنني سأحتفظ بعملي ما لم ينهر البلد، وهو أمر لا يرتبط بكوني أوروبية أم لا".

بدورها، تقول أليس بونيفاتي، التي تعمل في المنظمات الخيرية وتحمل الجنسية الإيطالية، لـ"العربي الجديد": "بالنسبة إليّ، لو لم يحصل بريكست لما اضطررت للانتقال إلى جنيف. عندما كنت أبحث عن عمل، لم تكن الأمور واضحة بسبب مفاوضات بريكست، وكان قطاع المنظمات الخيرية أكثرها تضرراً. وحين كان الخيار أمامي بين جنيف ولندن، لم أفكر بالموضوع مرتين. كان يستحيل عليّ البقاء في لندن على الرغم من أنني عشت فيها سنوات، لأنني لم أكن على ثقة في ما يتعلق بحقوقي في حال وافقت على العمل في لندن. وما زال هناك غموض كبير يتعلق بحقوق المواطنين الأوروبيين، وكيف سيكون عملهم في بريطانيا".

تتابع بونيفاتي: "عندما جرى الاستفتاء عام 2016، كان لدي الحق بالتقدم بطلب الإقامة الدائمة لأنني عشت في بريطانيا ست سنوات. وكان ذلك كابوساً بالنسبة إلي، ولم أحصل على حق الإقامة الدائمة حتى عام 2018، وكان الطلب معقداً جداً. على الرغم من أني أستطيع العودة إلى بريطانيا في أي وقت، ما زالت حقوقي غير واضحة. وعندما أتيحت أمامي فرصة أخرى اخترت الرحيل".



بدوره، يقول مارك بوثرويد، الذي يعمل في القطاع الصحي، لـ"العربي الجديد": هناك تقريباً مائة ألف من طواقم الخدمات الصحية الوطنية من مواطني الاتحاد الأوروبي. يشمل ذلك الجميع من عمال النظافة إلى الأطباء. لدينا أطباء يونانيون وألمان، وعمال نظافة وإداريون وتقنيون بولنديون، وممرضات من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا". يضيف: "وُظّفت هذه الطواقم على أساس وعود بالعمل المستقر. والآن يواجهون غموضاً في ما يتعلق بوضع إقامتهم في البلد بسبب بريكست. هناك خطر أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية، ويُجبرهم بريكست على التقدّم بطلب الحصول على وضع المقيم، والتي هي فئة جديدة مخصصة فقط لمواطني الاتحاد الأوروبي. هناك العديد من الروايات الموثقة عن مواطني الاتحاد الذين عاشوا هنا نحو 20 أو 30 عاماً، وحُرموا من وضع المقيم، وتلقوا بدلاً من ذلك وضع ما قبل الإقامة الذي يمنحهم حقوقاً وحماية أقل". يتابع: "هناك أدلة على أن حقل التمريض يشهد تراجعاً يتعلّق بالقادمين من الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا. قبل تصويت بريكست، كان هناك نحو ألفٍ من المنضمين إلى قطاع التمريض البريطاني شهرياً، ليتراجع ذلك العدد بحلول ربيع 2017 إلى ما دون 90 شهرياً".

وما يُعقّد الأمر غياب الرقابة القضائية على برنامج الإقامات. ويستطيع الأفراد طلب مراجعة إدارية مقابل مبلغ معين، ولكن لا صلاحية للقضاء في الموضوع. ويدفع غياب الوثائق الرسمية المواطنين الأوروبيين إلى القلق الدائم من غضب رب عمل أو صاحب منزل حانق. وقد يستطيع المواطنون الأوروبيون اللجوء إلى محكمة العدل الأوروبية كملجأ أخير، ولكن سلطات المحكمة الأوروبية في بريطانيا ليست لأمد غير محدود.

وكانت لجنة الهجرة الاستشارية قد قدمت تقريرها للحكومة البريطانية يوم الثلاثاء الماضي، موصية باعتماد نظام هجرة مختلط يلتزم النقاط للقادمين إلى بريطانيا من دون فرص عمل، وحدّ أدنى للأجور هو 25 ألفاً و600 جنيه استرليني سنوياً، للحاصلين على عقود عمل في بريطانيا.