لا يخفي المعنيون في وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قلقهم إزاء قرار اتّخذته بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة يقضي بإقامة منطقة تعليمية تابعة لها بالقرب من مخيّم شعفاط للاجئين الفلسطينيين وبلدة عناتا المجاورة (شمال شرقي القدس) لتكون بديلاً عن المؤسسات التعليمية التابعة للوكالة في المدينة المقدّسة، والتي تقدّم خدماتها إلى نحو 110 آلاف لاجئ فلسطيني يقطنون في القدس، معظمهم في مخيّم شعفاط، علماً أنّ الوكالة تدير منذ عقود نحو ثماني مؤسسات تعليمية هناك.
يقول المتحدث باسم وكالة أونروا، سامي مشعشع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القرار (النيّة) هو تطوّر مقلق، وأبعاده مقلقة كذلك. فهذه المرّة الأولى التي تُتَرجم فيها مجموعة من التصريحات والتهديدات إلى خطة واضحة تسعى إلى إنهاء الخدمات التعليمية لأونروا في المدينة، كمدخل لإنهاء وجودنا ككلّ". يضيف مشعشع أنّ "الهدف المباشر لذلك هو أونروا وخدماتها في مخيّم شعفاط كنقطة انطلاق، بالإضافة إلى محاولة إقناع المقدسيين اللاجئين بالانفكاك عن الوكالة عبر توفير خدمات (منافسة) وربطها الضمني مع قانونية عيشهم في القدس"، متابعاً أنّ "جزءاً من إثبات أنّ القدس هي مركز حياتهم ينسحب على طبيعة ومصدر الخدمات التعليمية والصحية وغيرها من تلك التي يستخدمونها". ويتوقّع مشعشع أن "يشهد العام الحالي تصعيداً في تهديد وجود أونروا في القدس، خصوصاً أنّه صار قضية انتخابية مهمّة بين الأحزاب الإسرائيلية المتصارعة وجزءاً أساسياً من سياسة بلدية الاحتلال بتركيبتها الحالية".
وعند سؤاله عن الردّ المنتظر من قبل "أونروا" على القرار الإسرائيلي، يجيب مشعشع أنّ "الردّ الأمثل هو استمرار الأهالي في الاستفادة من خدمات أونروا في القدس وتثبيت أقدام أونروا مالياً فيها وكذلك تطوير خدماتنا فيها". ويشرح أنّ وجود "أونروا" في القدس يرتكز على معاهدة امتيازات وحصانة الأمم المتحدة لعام 1946 التي تحمي حقّ الأمم المتحدة في القيام بمهماتها من دون أيّ تدخل، ويرتكز كذلك على اتفاق كوماي - ميشيلمور الموقّع في عام 1967 ما بين "أونروا" والطرف الإسرائيلي الذي أقرّ فيه بحصانة الوكالة وامتيازاتها وحقّها في تقديم الخدمات في القدس.
وكان الرئيس السابق لبلدية الاحتلال في القدس، نير بركات، قد أعلن في عام 2018 عن تقديم خطة إلى الحكومة الإسرائيلية تقضي بإغلاق مكاتب "أونروا" فيها، متهماً إيّاها بأنّها تتحمّل مسؤولية الحدّ من التنمية في القدس. وقد صرّح حينها: "سوف نغلق مدارس أونروا ونسمح للمقيمين باختيار المدارس التي يمكنهم إرسال أطفالهم إليها، وسوف تكون لديهم الفرص نفسها مثل 99 في المائة من سكان القدس". ويرفض اللاجئون الفلسطينيون في القدس، خصوصاً في مخيّم شعفاط، خطة بركات التي صُدّق عليها قبل يومَين، مؤكدين أنّهم سوف يقاطعون الالتحاق بتلك المؤسسات، كما يقاطعون "المراكز الجماهيرية" التي أنشأتها سلطات الاحتلال أخيراً.
في سياق متصل، يقول عضو دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، عادل محيسن، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قضية اللاجئين الحاضرة دائماً هي خطّ أحمر لن يُسمح لأيّ كان بتجاوزه. وموقف اللاجئين في ما يخصّ مؤسسات أونروا يأتي داعماً ومسانداً، فهم يلتفّون حول المؤسسات، سواءً أكانت تعليمية أو صحية أو اجتماعية، بالتالي فإنّ أيّ خطوة تستهدف هذه المؤسسات سوف تواجَه بالرفض ولن يتمّ التعاطي معها". يضيف محيسن أنّ "مؤسسات أونروا بما تمثّله هي تعبير حيّ عن أنّ ثمّة قضية ما زالت حيّة في أذهان ملايين الفلسطينيين، وهي تحظى كذلك بدعم المجتمع الدولي. وأيّ خطوة إسرائيلية مدعومة بمواقف أميركية معينة لن تغيّر من ثوابت الشعب الفلسطيني حول أونروا ومؤسساتها وتمسّكه بها".
وتهدف خطة بركات التي صُدّق عليها يوم الثلاثاء، 31 ديسمبر/كانون الأوّل، من قبل خلفه الرئيس الحالي لبلدية الاحتلال في القدس، موشيه ليون، إلى تصفية عمل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مدينة القدس، من خدمات ومؤسسات، الأمر الذي يشمل إغلاق مدارس "أونروا" في القدس ومراكزها الطبية، وتجميد الخدمات الصحية والرياضية والمجتمعية باختلافها، بما في ذلك الخدمات المقدّمة إلى الأطفال والأمهات، ومصادرة أملاك الوكالة ومؤسساتها وكلّ ما له صلة بالبنى التحتية في مخيّم شعفاط للاجئين ومركز التدريب المهني في قلنديا وتحويلها إلى أملاك بلدية. وتقضي الخطة كذلك باستئجار مبانٍ جديدة كمدارس تابعة لبلدية الاحتلال تستقبل التلاميذ الذين كانون يتابعون تعليمهم في مدارس "أونروا"، مع تصفية مخيّم شعفاط في المدينة بعد مصادرة الأرض المقام عليها، فيصير بالتالي حيّاً من أحياء مدينة القدس.
وكانت حكومة الاحتلال قد أقرّت قبل نحو عامَين خطة خماسية لدمج سكان القدس العربية في المجتمع والاقتصاد الإسرائيليَين (2018 - 2023)، رصدت لها ميزانية مليارَي شيقل (نحو 580 مليون دولار أميركي)، منها 875 مليون شيقل (نحو 250 مليون دولار) من أجل أسرلة العملية التعليمية في القدس. ويشمل ذلك فتح مدارس جديدة وفق المنهاج الإسرائيلي، وصيانة الأبنية القائمة، وتعليم اللغة العبرية، والنشاطات اللامنهجية (اللاصفية) بعد التعليم الرسمي، والتوسّع في التعليم المهني والتكنولوجي، والتوسّع في تعليم الفتيات في إطار برامج مهنية وتكنولوجية وغيرها. ومن تلك الميزانية، 260 مليون شيقل (نحو 75 مليون دولار) لربط تعليم ما بعد الثانوي بالمؤسسات التعليمية الإسرائيلية من مراكز تعليمية وجامعات، وخُصّصت 500 منحة للطلاب العرب من القدس لمتابعة دراستهم في الجامعات الإسرائيلية.
من جهته، يتّهم المحلل الإعلامي والسياسي المتخصص في شؤون القدس، راسم عبيدات، سلطات الاحتلال، بأنّها "تشنّ حرباً على العملية التعليمية في مدينة القدس"، شارحاً لـ"العربي الجديد" أنّها "لا تقتصر على شطب وتصفية المؤسسات التعليمية التابعة لوكالة أونروا في مدينة القدس، بل تهدف إلى شطب وتصفية المنهاج الفلسطيني في المدينة المقدسة، وإغلاق كل المدارس التابعة إلى دائرة الأوقاف الإسلامية ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية التي تدرّس هذا المنهاج". يضيف عبيدات: "ويشارك في هذه العملية خمسة طواقم، على رأسها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (شاباك) وشرطة الاحتلال ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي وما يسمّى وزارة شؤون القدس وبلدية الاحتلال ودائرة معارفها". ويشير عبيدات إلى "ما عمد إليه مَن يسمّى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جلعاد أردان، عندما أغلق مكتب التربية والتعليم في مدينة القدس، قبل أقلّ من شهر، على الرغم من أنّه يستظلّ بدائرة الأوقاف الإسلامية ويعمل تحت إدارتها، علماً أنّ دائرة الأوقاف الإسلامية تتبع الحكومة الأردنية". ويتابع أنّ "الهدف من إغلاق مكتب التربية والتعليم في مدينة القدس ربّما يكون مقدّمة لإغلاق المؤسسات التي تديرها وتشرف عليها الحكومة الأردنية نفسها، من دائرة أوقاف ومحكمة شرعية وغيرهما، وإغلاق مكتب التربية الذي سوف يتأثر به أكثر من مائة ألف تلميذ فلسطيني، خصوصاً تلاميذ الثانوية العامة"، مؤكداً أنّ "الهدف الرئيسي يبقى أسرلة العملية التعليمية بالكامل في مدينة القدس، بما يصهر ويطوّع وعي تلاميذ القدس، ويتحكّم في ذاكرتهم الجمعية، ويخلخل قناعاتهم بمشروعية نضالهم ومقاومتهم، وأبعد من ذلك مشروعهم الوطني".