"الفجر العظيم في الأقصى" رداً على انتهاكات الاحتلال

20 يناير 2020
أمام مسجد قبّة الصخرة (أحمد غرابلي/ فرانس برس)
+ الخط -

يوم الجمعة الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي ساحات المسجد الأقصى، وأطلقت الرصاص على المصلين الذين كانوا يشاركون للمرّة الثانية في حملة "الفجر العظيم في الأقصى" المستمرة منذ أكثر من أسبوع.

بعد معركة البوابات الإلكترونية التي خاضها المقدسيون بعناد في يوليو/ تموز 2017 وانتصروا فيها على الاحتلال الإسرائيلي، بعد إزالة تلك البوابات التي أقامها عند مداخل المسجد الأقصى في القدس المحتلة، تأتي حملة الفجر العظيم في الأقصى التي انطلقت قبل 11 يوماً. فقد فاجأ آلاف المصلين قوات الاحتلال فجر الجمعة في العاشر من يناير/ كانون الثاني الجاري، عندما احتشدوا في ساحات المسجد الأقصى ومصلياته، خصوصاً عند باب الرحمة، ليؤدّوا الصلاة على الرغم من البرد الشديد والأحوال الجوية غير المساعدة، رداً منهم على الاعتداء الذي استهدف المرابطين والمرابطات في المسجد.

لم يدرك الاحتلال ما يجري إلا متأخراً، وبعدما راحت الجموع تهتف في الساحات "بالروح بالدم نفديك يا أقصى" و"مصباح وصّى أمانة... ترك الأقصى خيانة". ومصباح هو ناشط فلسطيني استشهد قبل نحو ثلاثة أعوام في اشتباك مسلّح مع وحدة "ياسام" الخاصة التابعة لشرطة الاحتلال. وهذه الوحدة التي تُعَدّ من أشرس وأعنف الوحدات، قتل مصباح اثنَين من عناصرها وإصابة آخرين، علماً أنّ الاحتلال يحتجز منذ ذلك الحين جثمانه في ثلاجاته.

ولاقت الحملة التي أطلقها ناشطون مقدسيون تجاوباً كبيراً، وقد أتت على غرار حملة صلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي في الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، وهو ثاني مسجد بعد الأقصى تتهدّده مخاطر الأسرلة والتهويد. لكنّ حملة المسجد الإبراهيمي مثلما يقول أحد الناشطين في القدس لـ"العربي الجديد"، "مستوحاة بالأصل من معركة البوابات الإلكترونية التي خاضها المقدسيون قبل نحو ثلاثة أعوام، وتمكّنوا من خلالها من إحباط مخطط للاحتلال يقضي بفرض أمر واقع جديد على الأقصى". والناشط الذي تحفّظ على ذكر اسمه، يؤكد أنّ "حملتنا أكبر من أن يتبنّاها فصيل أو تنظيم فلسطينيَّين، ونحن نرفض محاولة بعض الأطراف ركوب موجة هذه الحملة، لأنّ الادّعاء بوقوف فصيل ما خلفها سوف يحبطها وسيفضّ عقد الجماهير من حولها، عدا عن أنّ تسييسها سوف يدفع الاحتلال إلى قمعها بالقوّة متذرّعاً بوقوف جهات سياسية وراءها".



من جهته، يعرّف ناشط آخر الحملة قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "هدفها واضح وهو الردّ على تصعيد قوات الاحتلال قمعها العنيف بحقّ المرابطين والمرابطات في الآونة الأخيرة. فقد رأينا عناصرها يعتدون على نسائنا بالسحل والضرب والاعتقال، ورأيناهم يستبيحون مصليات الأقصى، خصوصاً مصلّى باب الرحمة أكثر من مرّة يومياً، ويدنّسونها بنعالهم. وأكثر من ذلك، باتت صلاتنا في الأقصى محكومة بأمزجة هؤلاء العناصر الذين يوفّرون الغطاء والحماية للمستوطنين، ويمنحونهم حرية الحركة وإقامة طقوسهم وصلواتهم التلمودية في كلّ مكان في الأقصى، في الوقت الذي نُمنع فيه من الصلاة وممارسة حقنا في العبادة. لذا كانت الحملة التي تعاون الكلّ في إطلاقها والدعوة إليها، وقد لاقت دعماً وقبولاً من قبل المواطنين جميعاً". يضيف الناشط الذي تحفّظ كذلك على ذكر اسمه، أنّ "مواطنين مقدسيين انضموا إلى الحملة، وقد أتاحوا باحات بيوتهم ليركن فيها آخرون مركباتهم حتى لا يتعرّضوا لغرامات من قبل شرطة الاحتلال"، متابعاً أنّ "المبادرات الفردية أعادت إلى الأذهان حالة التكافل الشعبي التي تجسّدت في معركة البوابات".

ويتوقّع ناشطو الحملة أن تتضاعف أعداد المصلّين في صلوات الفجر المقبلة في الأقصى، سواء المقدسيين أو الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، وربّما يحاول الاحتلال قمعها فيما يُسجَّل إصرار على ترسيخ حملة صلاة الفجر ليس فقط يوم الجمعة إنّما طيلة أيام الأسبوع. ويدعو رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس، الشيخ عبد العظيم سلهب، من خلال "العربي الجديد"، إلى "دعم هذه المبادرات الشبابية الخلاقة للدفاع عن الأقصى في وجه ما يتعرّض له من مؤامرات ومخاطر".

ويشدد سلهب على أنّ "كل إجراءات الاحتلال بحقّ المسجد الأقصى وحراسه والمرابطين والمصلين فيه هي دليل على نوايا الاحتلال دفع المنطقة إلى صراع مرير عبر اختلاق أزمة جديدة لتحقيق مآرب وأهداف لن تمرّ، ولن تحمل معها سوى مزيد من الأسى والفوضى". ويشير إلى "بيان الأوقاف الذي يتحدّث عن الدعوى القضائية القديمة التي حرّكها الاحتلال أخيراً، والقاضية بإغلاق مصلّى باب الرحمة في الأقصى في ظلّ تصاعد المخاطر المحيطة بالمسجد الأقصى، وذلك في محاولة لفرض واقع جديد يمهّد لأدوار أكثر خطورة تتهدّد الأقصى والمنطقة عموماً"، بالإضافة إلى "تدخّل الاحتلال السافر في مجمل مهام ووظائف دائرة الأوقاف الإسلامية وكل ما يتعلق بالمسجد الأقصى".



في السياق، يشيد رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، الشيخ عكرمة صبري، بالحملة ومن يقف من وراءها، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "ما حدث أخيراً في الأقصى وما يحدث يومياً من اعتداء على حرمته وعلى المصلين، خصوصاً النساء، يشعل حالة من الغضب في صفوف المواطنين كافة الذين باتوا يدركون أنّ الاحتلال يسعى من وراء هذا القمع والاستهداف الممنهج للمصلين إلى تمكين المستوطنين في الأقصى وفرض التقسيم المكاني عليه بعدما قسّمه زمانياً. لهذا كان لا بدّ من حراك يقول للاحتلال: كفى! الأقصى أقصانا ومصلياته لنا وليس للاحتلال أو مستوطنيه حقّ فيه".