على الرغم من نشأتها في روسيا وإجادتها اللغة الروسية تماماً، فوجئت ليليت، وهي شابة أرمينية الأصل، عند بدئها البحث عن شقة للإيجار بموسكو قبل بضع سنوات، بموجة من العنصرية، فواجهت صعوبة شديدة في إيجاد سكن مناسب في ظل اشتراط أغلب ملّاك العقارات أن يكون المستأجر سلافي الأصل (روسياً أو بيلاروسياً أو أوكرانياً في المجمل).
تروي ليليت تجربتها في البحث عن شقة بموسكو، لـ"العربي الجديد": "بمجرد سماع اسمي أثناء الاتصال الهاتفي، وليليت هو اسم أرميني، كان ملّاك الشقق يواجهونني بسؤال: ألست سلافية؟ علمت من خلال تجربتي المريرة أنّ 90 في المائة من المؤجرين تشكلت في أذهانهم الصورة المثالية للمستأجرين، وهي عائلة سلافية بلا أطفال وبلا قطط أو أي حيوانات منزلية أخرى، وتعمل بوظائف مستقرة تدرّ عليها دخلاً جيداً، ولا تستضيف الأقارب والأصدقاء، وتمتنع على التدخين، وغير ذلك من مميزات".
اقــرأ أيضاً
تُدهَش ليليت بأنّ كل ما يقدمه ملّاك العقارات مقابل الوفاء بهذه الشروط، هو شقة صغيرة في المباني "الخروتشوفية" المتهالكة بلا مصاعد، ويزيد عمرها على نصف قرن. علما أنّ "الخروتشوفية" هي تسمية المباني التي بدأ تشييدها في عهد الزعيم السوفييتي الراحل، نيكيتا خروتشوف، منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، كمبانٍ مؤقّتة تحوّلت إلى مساكن دائمة باتت شاهدة على أجيال عدّة حتى الآن.
ولما كانت روسيا بلداً متعدد القوميات، فإنّ ليليت ليست وحيدة في محنتها، إذ بيّن تحقيق أجرته صحيفة "نوفايا غازيتا" ونشر في وقت سابق من أغسطس/ آب الجاري، أنّ موسكو تأتي في مقدمة المدن الروسية في العنصرية بسوق إيجار العقارات في ظل انعدام أيّ مفعول لقانون منع التمييز، نظراً لعدم توفر سوابق قضائية يمكن الاعتماد عليها. وأظهر مسح أجراه معدو التحقيق أنّ 14 في المائة من إعلانات إيجار العقارات بموسكو تتضمن تمييزاً عنصرياً، بسبب اشتراطها تأجير الشقة "للسلافيين فقط" أو "لأسرة سلافية" بينما بلغت نسبة الإعلانات العنصرية 3.6 في المائة فقط في العاصمة الشمالية سانت بطرسبورغ و4.7 في المائة في الأقاليم. مع ذلك، أشارت "نوفايا غازيتا" إلى أنّ عنصرية ملّاك العقارات تراجعت عندما ازدادت قيمة الإيجار، مما يسهل عملية البحث عن السكن لميسوري الحال من غير السلافيين. وهو ما يؤكده لـ"العربي الجديد" شاب عربي مقيم في موسكو فضل عدم الكشف عن اسمه، إذ لم يتمكن من إيجاد شقة إلّا بعد بدء تصفح إعلانات من شريحة أعلى في قيمة الإيجار.
وبالفعل، لم يتضمن أيّ من إعلانات، اطلعت عليها "العربي الجديد" لشقق للإيجار بالقرب من وسط موسكو، تبدأ من 700 دولار شهرياً، أيّ اشتراطات متعلقة بقومية المستأجر، وذلك على عكس انتشار التعبير العنصري المهين "للسلافيين فقط" في إعلانات إيجار الشقق المتهالكة بالقرب من إحدى محطات مترو الأنفاق على أطراف موسكو مقابل ما بين 400 و500 دولار شهرياً.
ومن أجل تغيير الوضع الراهن، أثار الطالب روسي الجنسية وأذربيجاني الأصل، إيميل اللهفيردييف، في العام الماضي، نقاشات واسعة على مواقع التواصل ووسائل الإعلام الروسية بعد إعلانه عن نيته مقاضاة هيئة الرقابة الروسية "روس كوم نادزور" لتسامحها مع الإعلانات العنصرية بأبرز مواقع إعلانات الإيجار. وعلى الرغم من أنّ مئات المستخدمين شاركوا منشوره الغاضب على صفحاتهم، فالأمر انتهى بإقدام "فيسبوك" نفسه على حذف المنشور بذريعة "إثارة الكراهية بين القوميات" بسبب احتوائه على ألفاظ عنصرية أطلقها الشاب على نفسه ساخراً بعد عجزه عن إيجاد سكن.
اقــرأ أيضاً
وفي الوقت الذي أعرب بعض المستخدمين عن تضامنهم مع إيميل، داعين إلى حبس أصحاب الإعلانات العنصرية، أو فرض غرامات ضخمة عليهم، دافع آخرون عن موقف ملّاك العقارات، مستشهدين بتجاربهم السلبية لتأجير الشقق "للأجانب غير الأمناء الذين ألحقوا أضراراً جسيمة بأملاكهم ثم سافروا إلى أوطانهم، إذ تعذر الوصول إليهم" كما قالوا.
عرض وطلب
تشكك مديرة "مركز بحوث العلاقات بين القوميات" ليوكاديا دروبيجيفا، في أنّ ملّاك العقارات بموسكو أكثر عنصرية منهم في المدن الأخرى. تقول لـ"العربي الجديد": "يمكن تفسير هذا الوضع بأنّ موسكو تحتضن أكبر عدد من المؤجرين والمستأجرين الوافدين مقارنة بالمدن الأخرى، وهي بذلك مسألة عرض وطلب".
تروي ليليت تجربتها في البحث عن شقة بموسكو، لـ"العربي الجديد": "بمجرد سماع اسمي أثناء الاتصال الهاتفي، وليليت هو اسم أرميني، كان ملّاك الشقق يواجهونني بسؤال: ألست سلافية؟ علمت من خلال تجربتي المريرة أنّ 90 في المائة من المؤجرين تشكلت في أذهانهم الصورة المثالية للمستأجرين، وهي عائلة سلافية بلا أطفال وبلا قطط أو أي حيوانات منزلية أخرى، وتعمل بوظائف مستقرة تدرّ عليها دخلاً جيداً، ولا تستضيف الأقارب والأصدقاء، وتمتنع على التدخين، وغير ذلك من مميزات".
تُدهَش ليليت بأنّ كل ما يقدمه ملّاك العقارات مقابل الوفاء بهذه الشروط، هو شقة صغيرة في المباني "الخروتشوفية" المتهالكة بلا مصاعد، ويزيد عمرها على نصف قرن. علما أنّ "الخروتشوفية" هي تسمية المباني التي بدأ تشييدها في عهد الزعيم السوفييتي الراحل، نيكيتا خروتشوف، منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، كمبانٍ مؤقّتة تحوّلت إلى مساكن دائمة باتت شاهدة على أجيال عدّة حتى الآن.
ولما كانت روسيا بلداً متعدد القوميات، فإنّ ليليت ليست وحيدة في محنتها، إذ بيّن تحقيق أجرته صحيفة "نوفايا غازيتا" ونشر في وقت سابق من أغسطس/ آب الجاري، أنّ موسكو تأتي في مقدمة المدن الروسية في العنصرية بسوق إيجار العقارات في ظل انعدام أيّ مفعول لقانون منع التمييز، نظراً لعدم توفر سوابق قضائية يمكن الاعتماد عليها. وأظهر مسح أجراه معدو التحقيق أنّ 14 في المائة من إعلانات إيجار العقارات بموسكو تتضمن تمييزاً عنصرياً، بسبب اشتراطها تأجير الشقة "للسلافيين فقط" أو "لأسرة سلافية" بينما بلغت نسبة الإعلانات العنصرية 3.6 في المائة فقط في العاصمة الشمالية سانت بطرسبورغ و4.7 في المائة في الأقاليم. مع ذلك، أشارت "نوفايا غازيتا" إلى أنّ عنصرية ملّاك العقارات تراجعت عندما ازدادت قيمة الإيجار، مما يسهل عملية البحث عن السكن لميسوري الحال من غير السلافيين. وهو ما يؤكده لـ"العربي الجديد" شاب عربي مقيم في موسكو فضل عدم الكشف عن اسمه، إذ لم يتمكن من إيجاد شقة إلّا بعد بدء تصفح إعلانات من شريحة أعلى في قيمة الإيجار.
وبالفعل، لم يتضمن أيّ من إعلانات، اطلعت عليها "العربي الجديد" لشقق للإيجار بالقرب من وسط موسكو، تبدأ من 700 دولار شهرياً، أيّ اشتراطات متعلقة بقومية المستأجر، وذلك على عكس انتشار التعبير العنصري المهين "للسلافيين فقط" في إعلانات إيجار الشقق المتهالكة بالقرب من إحدى محطات مترو الأنفاق على أطراف موسكو مقابل ما بين 400 و500 دولار شهرياً.
ومن أجل تغيير الوضع الراهن، أثار الطالب روسي الجنسية وأذربيجاني الأصل، إيميل اللهفيردييف، في العام الماضي، نقاشات واسعة على مواقع التواصل ووسائل الإعلام الروسية بعد إعلانه عن نيته مقاضاة هيئة الرقابة الروسية "روس كوم نادزور" لتسامحها مع الإعلانات العنصرية بأبرز مواقع إعلانات الإيجار. وعلى الرغم من أنّ مئات المستخدمين شاركوا منشوره الغاضب على صفحاتهم، فالأمر انتهى بإقدام "فيسبوك" نفسه على حذف المنشور بذريعة "إثارة الكراهية بين القوميات" بسبب احتوائه على ألفاظ عنصرية أطلقها الشاب على نفسه ساخراً بعد عجزه عن إيجاد سكن.
وفي الوقت الذي أعرب بعض المستخدمين عن تضامنهم مع إيميل، داعين إلى حبس أصحاب الإعلانات العنصرية، أو فرض غرامات ضخمة عليهم، دافع آخرون عن موقف ملّاك العقارات، مستشهدين بتجاربهم السلبية لتأجير الشقق "للأجانب غير الأمناء الذين ألحقوا أضراراً جسيمة بأملاكهم ثم سافروا إلى أوطانهم، إذ تعذر الوصول إليهم" كما قالوا.
عرض وطلب
تشكك مديرة "مركز بحوث العلاقات بين القوميات" ليوكاديا دروبيجيفا، في أنّ ملّاك العقارات بموسكو أكثر عنصرية منهم في المدن الأخرى. تقول لـ"العربي الجديد": "يمكن تفسير هذا الوضع بأنّ موسكو تحتضن أكبر عدد من المؤجرين والمستأجرين الوافدين مقارنة بالمدن الأخرى، وهي بذلك مسألة عرض وطلب".