بين فترة وأخرى، يعلن في اليمن، عن إتلاف مساعدات غذائية منتهية الصلاحية في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثي)، فتتبادل أطراف عدة الاتهامات؛ ما بين سلطات محلية ومنظمات دولية.
كلما أتلفت مساعدات غذائية منتهية الصلاحية في مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، اتهمهم "برنامج الأغذية العالمي" التابع للأمم المتحدة بممارسة أعمال تعيق توزيعها أو إدخالها إلى بعض المناطق إلى حين انتهاء صلاحيتها، فيما يؤكد الحوثيون، في المقابل، أنّ المساعدات وصلت إلى اليمن منتهية الصلاحية في الأساس. وبين الطرفين، يحتج كثير من اليمنيين على عدم تمكينهم من الاستفادة من المساعدات في خلال الحرب محملين جميع الأطراف المسؤولية.
يقول محمد أحمد، وهو من سكان صنعاء، إنّ أخبار إتلاف المساعدات الغذائية تنزل عليه كالصاعقة، خصوصاً أنّه لم يتسلم حصته الشهرية من المواد الغذائية الذي يقدمها "برنامج الأغذية العالمي" منذ يونيو/ حزيران الماضي، بحجة تقليص البرنامج مساعداته الغذائية المخصصة لليمن. يضيف لـ"العربي الجديد": "السلطات المحلية في صنعاء هي المسؤولة الأولى عن إتلاف تلك المساعدات، من جراء تخزينها لفترات طويلة في مخازن الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، وعدم توزيعها فور وصولها إلى البلاد. ولا يمكن أن تدخل المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني من دون ترخيص من الجهات المختصة عند وصولها، لذلك فإنّ من المؤكد أنّها تلفت بعد وصولها". يشير إلى أنّ "ملايين السكان في اليمن يعانون ظروفاً إنسانية بالغة السوء، منذ بدء الحرب قبل أكثر من أربع سنوات، ولا يستطيعون توفير متطلبات الحياة الأساسية من الغذاء والكساء لأسرهم، وهم يعتمدون بشكل رئيس على تلك المساعدات الإغاثية، ليفاقم إتلافها من معاناتهم".
من جهته، يقول أحمد الضبيبي، وهو من سكان منطقة سعوان في صنعاء، إنّ "إتلاف المواد الغذائية التي كانت مخصصة للأسر الفقيرة، بسبب سوء التخزين كما يتم تداوله، جريمة كبرى إذا صحت". لكنّه يستغرب من تكرار هذه الحالات من دون أن يكون هناك تحقيق شفاف وتعلن نتائجه للناس. يقول: "لم نعلم مرة عن نتائج تحقيق حول هذه القضايا، ولا نعرف من هو المسؤول عن ضياع هذه الأطنان من الغذاء التي يجري إحراقها أمام أعيننا". يطالب السلطات بفتح تحقيق شفاف لمعرفة المتسبب بذلك وإحالته إلى القضاء من أجل البت في أمره وفقاً للقانون: "نظراً للأضرار التي ألحقها بالأسر التي من المفترض أن تستفيد من تلك المساعدات". ويضيف الضبيبي لـ"العربي الجديد" أنه "منذ توقف راتبي الحكومي في سبتمبر/ أيلول 2016، بتُّ أنتظر شهرياً السلة الغذائية التي يوزعها برنامج الأغذية العالمي على أحرّ من الجمر، من أجل تلبية جزء من احتياجات أسرتي من المواد الغذائية". يواصل: "كانت السلة الغذائية تتكون من كيس قمح (50 كيلوغراماً) ونصف كيس دقيق أبيض (25 كيلوغراماً)، وزيت للطبخ 8 لترات، وعشرة كيلوغرامات من البقوليات، وخمسة كيلوغرامات من السكر، وكيلوغرام من الملح، لكن جرى تقليصها إلى النصف منذ يوليو/ تموز الماضي" بسبب تقليص برنامج الأغذية العالمي مساعداته الغذائية المخصصة لليمن، وفقاً لما أكدته المنظمات المحلية التي توزع السلال الغذائية نيابة عن البرنامج. يتهم الضبيبي من وصفهم بشركاء المنظمات الدولية المحليين بممارسة فساد واسع: "هناك عمليات فساد كبيرة يقوم بها شركاء برنامج الأغذية العالمي أثناء توزيع المساعدات الغذائية على المستهدفين في صنعاء، فيجري تسجيل أسماء المستفيدين بناءً على الواسطة بالدرجة الأولى، كما يجري حجب بعض أسماء المستفيدين دورياً، في حين تصرف عشرات السلال الغذائية لأشخاص محددين أمام أنظار الجميع من دون أيّ قيود".
عائلات كثيرة في حاجة إلى المساعدات (محمد حمود/ Getty) |
يُبدي كثير من السكان مخاوفهم من احتمال انقطاع المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، بعد إتلاف السلطات المحلية في صنعاء بعض المواد الغذائية أواخر الشهر الماضي. وفي هذا السياق، يقول ياسر عبد الله، وهو من سكان محافظة المحويت، غربي البلاد، إنّه يخشى انقطاع السلة الغذائية الشهرية التي واظب على تسلمها منذ نحو ثلاث سنوات من برنامج الأغذية العالمي بعد إعلان السلطات المحلية في صنعاء عن إتلاف مساعدات غذائية تابعة للبرنامج لأنّها فاسدة. يضيف لـ"العربي الجديد": "كيف تثق بنا الدول التي تعطينا مساعدات وهي تشاهد إحراق هذه المساعدات بين وقت وآخر؟ أخشى أن تتسبب هذه الأعمال بمنع وصول المساعدات إلينا". ويستنكر عبد الله بث مشاهد تلفزيونية ونشر أخبار تتحدث عن إتلاف المساعدات: "فليفعلوا ذلك بسرية، ليس من المعقول أنّ العالم يرسل إلينا المساعدات ونحن نحرقها... هذا غير منطقي... سيقول العالم إنّنا نكذب".
أما عبد الرحمن فضل، وهو نازح من محافظة الحديدة، غربي البلاد، إلى منطقة الحصبة في صنعاء، فقد حمّل برنامج الأغذية العالمي، والهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للحوثيين مسؤولية إتلاف المساعدات الإغاثية وحرمان الأسر الفقيرة والنازحة من الانتفاع بها. يقول فضل لـ"العربي الجديد": "لا شك أنّ المنظمات الدولية تتاجر بمعاناة اليمنيين وتربح كثيراً من وراء هذه المساعدات، ولا أستبعد أنّها تشتري المواد الغذائية الرديئة لتوزعها لليمنيين كي تربح هي". يشير إلى أنّ هيئة التنسيق الإنسانية في صنعاء تتحمل جزءاً من المسؤولية عندما تسمح بدخول هذه المساعدات إلى اليمن". ويطالب فضل السلطات المحلية في أمانة العاصمة صنعاء، والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني بوضع آلية جديدة سريعة لضمان عدم دخول المساعدات التالفة وتوزيع السلال الغذائية بعدل لجميع النازحين.
وكانت إدارة جمارك صنعاء والهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية في صنعاء قد أعلنتا عن إتلاف أكثر من ثلاثة آلاف كرتونة من غذاء الحوامل و1500 كيس من الدقيق (كل كيس بوزن 50 كيلوغراماً)، مقدمة من "برنامج الأغذية العالمي" في 27 أغسطس/ آب الماضي. وقالت الهيئة إنّ هذه المساعدات كانت فاسدة وغير صالحة للاستهلاك البشري، وهو ما نفاه تماماً مصدر في "برنامج الأغذية العالمي" بصنعاء لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنّ "تلك المساعدات وصلت منذ نحو عام إلى اليمن وكانت صالحة للاستهلاك قبل أن تتلف نتيجة سوء وطول مدة التخزين". يقول المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، لأنّه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، إنّ "المساعدات الغذائية التي أتلفت أخيراً في صنعاء، كانت مخصصة للأسر المحتاجة والأشد فقراً في محافظة تعز جنوبي غرب البلاد، وكان من المفترض توزيعها للمستفيدين في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لكنّ السلطات في صنعاء احتجزتها عدة أشهر، وبعد ذلك أعلنت عن إتلافها أواخر الشهر الماضي". يشير إلى أنّ "البرنامج يوزع المساعدات الغذائية شهرياً لأكثر من 12 مليون شخص في مختلف مناطق اليمن، وهذه الادعاءات تعرقل جهود العمل الإنساني".
في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اتهم "برنامج الأغذية العالمي" الحوثيين بسرقة ونهب المساعدات الإغاثية في العاصمة اليمنية صنعاء، ومناطق أخرى خاضعة لسيطرتها، وبيعها في الأسواق التجارية. وفي هذا الإطار، يقول الناشط الإنساني، محمد الناصر، إنّ الهدف الرئيس من وراء إعلان الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للحوثيين، عن إتلاف مساعدات غذائية بين الحين والآخر، هو الضغط على "برنامج الأغذية العالمي" من أجل التغاضي عن عمليات الفساد التي يمارسها بعض الحوثيين أثناء توزيع المساعدات الإغاثية للمستفيدين. يوضح الناصر لـ"العربي الجديد": "بعد كشف البرنامج، أواخر العام الماضي، عن سرقة الحوثيين نحو 60 في المائة من المساعدات الإغاثية المخصصة للفقراء والنازحين في مناطق سيطرتها، توعدت قيادات من الحوثيين بالكشف عن المساعدات الغذائية التالفة التي قدمها البرنامج لليمن خلال سنوات الحرب الأربع الماضية، رداً على تلك الاتهامات، وهو ما حدث بالفعل لاحقاً". ويضيف الناصر: "أنا لا أستبعد إدخال برنامج الأغذية العالمي شحنات فاسدة من المواد الغذائية إلى اليمن منذ بدء الحرب، لكن لماذا لم يعلن الحوثيون عن ضبط تلك الشحنات إلا بعد اتهامات الفساد التي وجهها البرنامج إلى قياداتهم؟". يلفت إلى أنّ شحنات المواد الغذائية المقدمة من المنظمات الدولية العاملة في المجال الإغاثي لا تدخل إلى اليمن إلا بعد فحص صلاحيتها من قبل لجان مختصة في ميناء الحديدة (غرب) الذي يسيطر عليه الحوثيون: "فكيف سمحت تلك اللجان بمرور الشاحنات إلى مناطق المستفيدين وهي تحمل مواد غذائية فاسدة؟".