لم يجد أهالي إحدى قرى شمال سيناء، في مصر، غير المبادرة الذاتية لتحسين أوضاعها على الصعيدين التعليمي والطبي، إذ افتتحوا مدرسة ويستعدون لافتتاح مستوصف، في ظلّ الإهمال الرسمي المزمن للمحافظة
بعد أشهر من تحويل سكان قرية المعنية، بمدينة الشيخ زويد، محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، أحد منازل القرية إلى مدرسة لتعليم أبنائها، عكف السكان على تحويل منزل آخر إلى مركز صحي يخدم أهالي القرية ومحيطها، في ظل الإهمال الحكومي الدائم لقرى محافظة شمال سيناء، بالرغم من الحديث المتكرر عن تنمية سيناء بملايين الجنيهات من قبل الحكومة المصرية، والرئاسة. يأتي ذلك في ظلّ أوضاع إنسانية واقتصادية متراجعة تسببت بها الحالة الأمنية المتردية التي تعيشها المحافظة منذ الانقلاب العسكري قبل ست سنوات، مع الإشارة إلى أن الإهمال الحكومي للمحافظة مستمر منذ عقود أيضاً.
يقول أحد مشايخ قرية المعنية إنّ الأهالي الذين تكاتفوا في شهر مارس/ آذار الماضي لتحويل أحد المنازل إلى مدرسة لتعليم أطفال القرية والمناطق المحيطة بها، أكملوا مسيرة نهضة القرية من خلال تحويل أحد المنازل إلى مركز صحي، لعلاج المرضى ومتابعة الحالات، قبل نقلهم إلى المستشفيات المعتمدة في المحافظة، في ظل عدم الاهتمام الحكومي بالقرية، كحال عشرات القرى المحيطة بمدينتي الشيخ زويد ورفح، خصوصاً بعد القرار الصادر من وزارة الصحة المصرية بتعليمات أمنية، بإغلاق وحدة العكور الصحية التي كانت أقرب المراكز الصحية لقرية المعنية، وبعد عدة حالات إعياء طارئة لنساء ومسنين وأطفال خلال الأشهر الماضية.
يوضح الشيخ القبلي لـ"العربي الجديد" أنّ مدرسة القرية بدأت عامها الدراسي الثاني على التوالي، بعدما جرى تشغيلها مطلع العام الحالي من منزل الحاج عميرة، الذي انتقل ليعيش في منزل أهله، لكي يوفر المساحة أمام التلاميذ كي يجدوا مكاناً يجمعهم للدراسة داخل القرية. وحالياً عكف الأهالي على تجهيز منزل الأستاذ عبد الله خضير المعني، الذي تبرع به لكي يجري تحويله إلى وحدة صحية، على أن تتولى الإدارة الصحية لمدينة الشيخ زويد متابعة العمل في هذه الوحدة الجديدة التي ستخدم مئات المواطنين، جنوبي المدينة خلال الفترة المقبلة. ويؤكد على أنّ الخطوة تأتي على طريق تنمية القرية بسواعد أهلها، في ظل التجاهل الحكومي لمطالب المواطنين بضرورة توفير أساسيات الحياة الكريمة، كالكهرباء والمياه والصحة والتعليم، وهي حقوق مشروعة لكلّ مواطن مصري، في حال كانت الدولة المصرية تعترف بالسكان كمواطنين لديها.
تجدر الإشارة إلى أنّ الواقع الصحي والتعليمي في محافظة شمال سيناء، هو الأسوأ من محافظات مصر، في ظل نقص المراكز والمستشفيات، وكذلك الكوادر البشرية العاملة في المراكز المتوافرة، كما أنّ قوات الجيش أغلقت عشرات المراكز الصحية في مدينتي رفح والشيخ زويد وأطراف مدينة العريش على مدار السنوات الماضية، وكذلك أغلقت وهدمت عشرات المدارس، ما أدى إلى وصول الواقع الصحي والتعليمي إلى ظروف سيئة، انعكست بشكل مباشر على المجتمع السيناوي، وسط تجاهل حكومي لكلّ المطالب الصادرة من سيناء، بضرورة توفير الاحتياجات اللازمة لملفي التعليم والصحة في المحافظة، لدعم المواطنين المتبقين في المحافظة.
تعقيباً على ذلك، يقول مسؤول حكومي في محافظة شمال سيناء لـ"العربي الجديد" إنّ الحكومة لا يمكن لها أن تدعم أيّ فكرة محلية لتنمية سيناء على صعيد التعليم أو الصحة أو غيرهما، إلا بقرار من الجهات الأمنية النشطة في سيناء، في ظل اعتبار كلّ محافظة شمال سيناء منطقة عسكرية تعمل تحت نظام الطوارئ، والكلمة الأولى والأخيرة فيها للأجهزة الأمنية خصوصاً قيادة عمليات الجيش. يضيف أنّ خطوات قرية المعنية قد لا تكون محببة لدى الجهات الحكومية والأمنية في سيناء، في حال لم تكن حاصلة على الموافقة من الأطراف ذات العلاقة، تحسباً من انتشار هذه الفكرة في بقية قرى المحافظة في مرحلة لاحقة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى فقدان القرار المركزي لدى الأجهزة الأمنية، على صعيد تنمية القرى بعيداً عن المسارات الحكومية المعهودة، وبالتالي تبقى اجتهادات قرية المعنية في مهب الريح طالما لم توفر لنفسها غطاءً أمنياً وحكومياً خلال الفترة القريبة المقبلة.
يضيف المسؤول الحكومي أنّ جهود قرية المعنية تؤكد بما لا شك فيه التقصير القائم بحق قرى المحافظة من قبل الجهات الحكومية على جميع الأصعدة، وإلا فبمَ يمكن وصف المشهد الحالي بسعي أهالي القرى لإنشاء مدارس ومراكز صحية، بالرغم من وجود أجهزة حكومية كاملة من المفترض أنّها لخدمة السكان، وتوفير أساسيات الحياة لهم؟ وبالرغم من أنّ الحكومة المصرية لطالما رصدت مبالغ مالية كبيرة لتنمية سيناء على مدار السنوات الماضية؟ يتابع أنّ هذه الأفكار الذاتية في حاجة إلى احتضان ودعم كاملين من الحكومة، بما يساعد الأهالي على النهوض بقراهم، ويسمح لهم بالصمود على أرضهم في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها المحافظة منذ ست سنوات على التوالي، خصوصاً مدينتي رفح والشيخ زويد ومن بعدهما مدينة العريش.
وكانت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد قد أعلنت يوم 22 أغسطس/ آب الماضي أنّ الاستثمارات الحكومية التي ستوجه إلى شبه جزيرة سيناء تبلغ قيمتها 5.23 مليارات جنيه (316 مليون دولار) في السنة المالية 2019- 2020 التي بدأت في الأول من يوليو/ تموز، بزيادة نحو 75 في المائة عن استثمارات 2018- 2019 التي قد بلغت 2.986 مليار جنيه (183 مليون دولار) مشيرةً إلى أنّ الاستثمارات الموجهة لمحافظة شمال سيناء في السنة المالية الحالية تبلغ 2.85 مليار جنيه، بينما تبلغ استثمارات جنوب سيناء 2.38 مليار جنيه (175 مليون دولار). تضيف: "تتمثل استثمارات شمال سيناء في مشروعات التعليم والمياه والزراعة والري والنقل والتخزين والأنشطة العقارية والتشييد والبناء". أما جنوب سيناء فتشمل الاستثمارات فيها قطاعات الزراعة والري والنقل والتعليم وخدمات أخرى، وفق الوزيرة. وأشارت وزارة التخطيط إلى أنّ خطة التنمية المستدامة المتوسطة المدى تولي أهمية بالغة بالعدالة المكانية في الصحة والتعليم واستخدام الموارد الاقتصادية وغيرها، مما يمثل أثراً إيجابياً على المجتمع من منظور التماسك والاستقرار وتحقيق النمو المستدام، فضلاً عن تحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة بين مختلف أقاليم ومحافظات مصر.