"يا يونس يا العروس أعطينا حبة كرْطوس" أي التين المجفّف، "يا أريج يا القمر أعطينا حبة تْمر"، أهازيج يرددها الأطفال وهم يجوبون الأحياء والزنقات الضيقة بمدينة ميلة شرقي العاصمة الجزائرية، وينتظرون تحت الشرفات كي تمطرهم ربات البيوت بـ "القشْقْشة"، احتفالاً بعاشوراء.
و"القشقشة" هو صحن مليء بالحلويات والمكسرات من لوز وجوز وفول سوداني والتين المجفف. يلتقطونها بفرح مع شكر صاحبة الحظ، وهي أوقات سعادة لا توصف بالنسبة لهم وهم يحتفلون بتلك المناسبة على الطريقة الجزائرية.
في الشرق يحتفلون بـ"النفقة"
في الشرق الجزائري، يطلق السكان على احتفالية عاشوراء "عادة النّفقة"، إذ تواترت في أذهان السكان أنه في هذا اليوم ينتهزون الفرص لإخراج زكاة الأموال والممتلكات التي مرّ عليها الحول، للاحتفال به بشراء "القشقشة" وإعداد مختلف أنواع المأكولات، ويسمى بـ" عشاء النفقة".
يحتفظ كثيرون في منطقة قسنطينة بعاداتهم، وخصوصا في الأحياء الشعبية كحي السويقة العريق وغيره من الأحياء التي مازالت تتشبث بتلك العادات التي من شأنها أن تدخل البهجة في قلوب العائلات. وتقول صفية بولعسل لـ"العربي الجديد"، إنها عادة تجذرت لدى بعض العائلات إضافة إلى اعتبارها "وليمة تجمع وتقرّب أفراد العائلة في لمة عشاء النفقة".
في هذه المناسبة، يكون الطبق الرئيسي للعشاء إما "الشخشوخة باللّحم"، أو "التّريدة باللّحم" مع مختلف أنواع المقبّلات، كما تتوزع أطباق هذه الأكلات الشعبية بين الجيران من قبيل "تبادل هدية تؤلف فيما بينهم وتنزل الرحمة على قلوبهم"، بحسب المتحدثة.
وتوضح مريم بن صيّاح، في تصريح مماثل لـ"العربي" أن الأطفال غالبا ما يهتمون بـ"القشقشة وهو خليط مشكل من التين المجفف ومختلف أنواع المكسرات والشوكولاتة بأبهى الألوان".
كما يتم تقسيم "القشقشة" بين أفراد الأسرة في "جو بهيج يفرح له الكبير كما الصغير، في ما تهتم النساء بوضع الحنة للفتيات الصغار"، على اعتبار أن عاشوراء بالنسبة للكبار هو الصوم والفرح بإخراج الزكاة وإسعاد الفقراء أيضا.
"اللمة" هي الغاية
وتعكف العائلات في عديد المناطق الجزائرية على التفنّن في إحياء هذه العادات المرتبطة بيوم عاشوراء، فاللافت أنه يوم عطلة مدفوعة الأجر رسميا، كما أنه يوم فرصة لتجمّع العائلات والاحتفال بعشاء مزين بأطباق شعبية، مثلما نجدها اليوم في مناطق مثل قسنطينة وميلة والبليدة وتلمسان وتيبازة وجيجل وسكيكدة وغيرها من المدن الجزائرية. ويشتري المحتفلون كل ما لذ وطاب من أنواع المكسرات والحلوى الصناعية ليتم توزيعها على الأطفال الصغار.
ولا تزال بعض المناطق تحتفظ بعادة "احتفالية عاشوراء" بالذهاب ليلا عند الجيران والغناء وطلب الحلويات، في صورة بهية تدخل الفرح والسرور، وتخرج العائلات من روتين الأيام العادية على حدّ تعبير الكثيرين.
كما تختلف طريقة الاحتفال في هذا اليوم من منطقة لأخرى. يقول محمد الهادي صياد من منطقة العنصر لـ" العربي الجديد": "كل عام يختار أطفال القرية اسم شخص تدور عليه كلمات يوم عاشوراء، ويرتدي لباسا معينا ويطلق عليه اسم " شايب عاشوراء"، يقوم بتغطية رأسه حتى لا يظهر للعيان، ويحمل في يده قارورة وعصا صغيرة يضرب بها، ويمر على البيوت رفقة أترابه طلبا للحلويات، فيما تمدهم النساء بأطباق شهية".
نصيب الفقراء الأكبر
في منطقة القبائل وسط الجزائر، تصف سمية آيت حمي الاحتفال بيوم عاشوراء بـ" اليوم المميز جدا"، فتذبح الذبائح ليتم توزيعها على كل البيوت، وخصوصا على الأرامل واليتامى والفقراء، لافتة في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا الطقس أطلق عليه سكان المنطقة بـ"الوْزيعة" أي توزيع اللحوم على الفقراء، في أكياس دون الكشف عن هويتهم.
وتوضح أن الاحتفالية بعاشوراء لا تقتصر على ذلك بل يتم فتح أبواب المساجد في كل قرى المدينة ليتمكن الأغنياء من وضع "العْشور" أي زكاة المال الذي مر عليه الحول، في صندوق ليتم بعدها توزيعه على الفقراء والمساكين وكل من لم يتمكن من توفير المال والمسكن للزواج.
وبالمناسبة، يتم إعداد طبق "الكسكسي باللحم" ويوزع في صحون من الحطب الضخمة على كل المساجد في المنطقة، وتعدها النساء في المنازل، وتقدمها لبيوت الله، ليتناولها المصلون وعابرو السبيل في أجواء حميمية رائعة.
واللافت أن بمثل هذه الأجواء في مناسبة عاشوراء يضرب الجزائريون عصفورين بحجر واحد. ويقول سعيد زياني لـ" العربي الجديد"، إن الأغنياء يلتزمون بتوزيع الزكاة التي يتم جمعها على الفقراء دون علم أحد، ويتكفل بها أئمة المساجد من جهة، كما أنها "مناسبة تزيد التضامن بين العائلات والجيران وتعزز القيم الإنسانية".
غلاء المعيشة وتلاشي الاحتفالات
مثل هذه العادات التي ورثها الجزائريون منذ عقود من الزمن، بدأت تختفي رويدا رويدا، بحسب قول الباحثة في علم الاجتماع الثقافي، إيمان بن سلامة، لـ" العربي الجديد"، موضحة أن عادة" النّفْقة" أو" العْشور" تراجعت مع غلاء المعيشة أيضا، إذ يعتبرها بعضهم أنها" تكاليف زائدة ومصاريف تضاف إلى المصاريف العادية".
وتضيف "ومنهم من يرى أن مثل هذه العادات بِدع يجب التخلي عنها نهائيا، لكنها بالمحصّلة ليست إلا فرصة للفرح ومساعدة الفقراء"، لافتة إلى أنها ارتبطت بتوزيع اللحوم على الفقراء واليتامى وإدخال البهجة إلى القلوب، وتوزيع الحلويات على الأطفال الصغار.