فقراء العراق يتصدرون أوائل الامتحانات الإعدادية

07 اغسطس 2019
تكريم الطالب المتفوق معيوف (فيسبوك)
+ الخط -

كشفت نتائج الامتحانات الإعدادية في العراق التي أعلن عنها رسمياً هذا الأسبوع، عن تصدّر طلاب الطبقة الفقيرة في البلاد، قوائم الأوائل على مستوى محافظات البلاد، بالرغم من الظروف المعيشية القاسية وتدهور التعليم والانقطاع المستمر للطاقة الكهربائية وتردّي الخدمات العامة.

واعتبر مراقبون وتربويون عراقيون، أن الحكومة مسؤولة بالدرجة الأولى عن تحسين المستوى المعيشي لهؤلاء الطلاب الذين يتمسكون بالتعليم إلى جانب عملهم المضني في المصانع أو غيرها لتوفير قوت عائلاتهم، فيما رأى آخرون أن الترف الفائض عن الحاجة يضر بمصلحة الطالب، وأن التفوق قد يخرج من بيوت الطين.

ومن داخل منزل متواضع في إحدى قرى منطقة قلعة سكر في محافظة ذي قار (225 كلم جنوب شرق العاصمة بغداد)، حصل الطالب حسن محسن معيوف على المركز الأول على مستوى الجمهورية بمعدل 99.86 بالمائة، ليصبح حديث وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في العراق.

معيوف تبعد مدرسته عن منزله نحو 11 كيلومتراً يقطعها مشياً، ويقول إنه رسم هدفه منذ البداية، مضيفاً في لقاء مع محطة تلفزيون عراقية "شقيقي كان يشجعني دائماً ويتمنى أن يراني طبيباً، وقد حققت ما تمنيته بفضل الله ومساعدة عائلتي وأساتذتي في المدرسة".

ولم يحصل الطالب الأول على العراق على دروس خصوصية بسبب تكاليفها الباهظة وقسوة الحياة الريفية وبعدها عن مركز المدينة، فيما طالب مدرسوه الحكومة العراقية بتبنّي حالته لمساعدته في إكمال دراسته الجامعية.

وقال أستاذ الكيمياء ناصر عبد الحسن، في ثانوية الطف، إن "معيوف كان طالباً متفوقاً جداً ورغم الظروف القاسية والطريق الطويل كان يحرص على الوصول إلى المدرسة في الوقت المحدد، ويقوم بحل سؤال معين على السبورة بعدة طرق".

وإلى مدينة الرمادي 105 كلم غرب العاصمة بغداد ومن بين أنقاض مدينة مدمرة بفعل الحرب على تنظيم "داعش" في منطقة "الطاش"، خرج الطالب وليد إبراهيم عايد هلال بمعدل 98.14 بالمائة، ليكون الأول على الأنبار ومن بين العشرة الأوائل على العراق.

يقول هلال: "تبعد مدرستي عن مكان سكني حوالي 20 كيلومتراً ذهاباً وإياباً، والطريق ترابي وغير معبّد وكنت أقطعه يومياً مشياً على الأقدام، كانت معاناة لا توصف ولكن حلمي أن أدخل كلية الطب ساعدني على تجاوز كل العراقيل، وعندما كانت الكهرباء تنقطع كنت أقرأ دروسي على ضوء مصباح صغير أثبّته في رأسي لأحقق حلمي".

مضيفاً "طموحي هو كلية الطب، ولكنني لا أستطيع تحقيقه في ظل وضعنا المعيشي، فوالدي مريض وأنا أعمل في البناء لأعيل أسرتي وأشتري لهم الطعام، مرت عليَّ أيام لا أستطيع فيها شراء قلم". 

ولا يختلف حال الطالب كاظم معروف أحمد من مدينة الموصل عن زميليه في قلعة سكر والرمادي في المعاناة وقسوة الظروف المعيشية، بعد أن اضطرت عائلته للنزوح من المدينة عقب سيطرة تنظيم داعش عليها منتصف عام 2014.

توجهت أسرة معروف إلى مدينة الناصرية جنوب العراق، وهناك تلقى تعليمه في إحدى ثانويات المدينة، ورغم عودة أسرته إلى الموصل بعد تحريرها من قبل القوات العراقية إلا أنه رفض العودة بهدف إكمال دراسته ليحصل على معدل 99.86.

الفقر وقسوة الحياة والمسافات الطويلة التي يقطعونها للوصول إلى مدارسهم والنزوح والتشرد، ظروف لم تمنع هؤلاء الطلاب الفقراء من إكمال دراستهم وتحقيق أحلامهم، في بلد يعج بالفوضى الأمنية والسياسية.

ويقول الخبير التربوي مصلح العكيلي، "إنّ هؤلاء الطلاب هم مفخرة للعراق وقد حققوا نجاحاً باهراً رغم كل ظروفهم المعيشية القاسية من فقر وحرمان وألم وحسرة، حتى إن بعضهم لم يكن قادراً حتى على شراء قلم رصاص من شدة الفقر، ورغم كل ذلك حققوا هذه المعدلات المشرفة".

ويضيف العكيلي لـ"العربي الجديد"، هؤلاء الطلاب قدوة لغيرهم ونموذج يحتذى به ورمز لتحدي الظروف القاهرة، لكن على الحكومة العراقية أن تتبناهم وتوفر لهم الإمكانات المالية لإكمال دراستهم، فهم غير قادرين على تحمّل مصاريف الجامعة بالتأكيد بسبب فقرهم، ليكونوا من علماء العراق في المستقبل القريب".


ويعاني طلبة العراق من أوضاع مأساوية، في ظل وزارة تربية بلا وزير حتى الآن نتيجة الصراع السياسي بين الأحزاب الحاكمة، فضلاً عن تدهور التعليم والانقطاع المستمر للطاقة الكهربائية وانتشار الفقر وتردي الخدمات العامة.

الباحث الاجتماعي فاضل الدايني اعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تصدّر طلاب من الطبقة الفقيرة في العراق دليل كافٍ على أنها باتت الطبقة الأكبر والأوسع في البلاد وقد تصل إلى نصف الشعب، إضافة إلى التأكيد على أن العلم والاجتهاد متاح لمن أراد، ولا عذر لأحد في أن يتفوق، ولم يكن المال في يوم من الأيام مساعدا على التعلم، بل على العكس قد يؤدي إلى الجهل".

المساهمون