أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، اليوم الأربعاء، تقريراً بعنوان "كابوس التعذيب في مصر: عقبات قانونية وقضائية تحول دون إنصاف ضحايا التعذيب"، قدمت فيه تحليلاً ورصداً للإشكاليات والعوائق التي تواجه ضحايا جريمة التعذيب في التماس سبل الإنصاف المختلفة والوصول إلى العدالة.
ووثقت مبادرة خريطة التعذيب التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات خلال عملها من شهر يونيو/ حزيران 2017 وحتى يونيو/ حزيران 2018، 86 حالة تعذيب في مقرات الأمن الوطني وأقسام الشرطة ومديريات الأمن والسجون الرسمية، أدى بعضها إلى الوفاة كما في حالة قتل
وتباينت أشكال التعذيب من تعذيب جسدي كالصعق بالكهرباء، وخاصة في الأعضاء الجنسية، والضرب في مختلف أنحاء الجسد والتعليق الخلفي من اليدين، كما تم توثيق بعض حالات الانتهاكات الجنسية في أقسام الشرطة وتوثيق حالات حبس انفرادي تراوحت ما بين عدة شهور إلى عدة سنوات. ومن بين الانتهاكات أيضاً الإهمال الطبي وتدهور ظروف الاحتجاز مثل استخدام التجويع وانتشار الأمراض والتكدس وعزل الضحايا عن العالم الخارجي. وفي أغلب الحالات لم يتم مساءلة المسؤولين رغم شكاوى الضحايا.
وخلص إلى وجود قصور في التشريعات القانونية في كل من قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية في مصر، الأمر الذي يحول دون إنصاف ضحايا التعذيب ومعاقبة مرتكبيه.
ورصد استمرار جرائم التعذيب داخل أماكن الاحتجاز بشكل ممنهج، على مدار سنتين، في إطار مبادرة "خريطة التعذيب"، بالإضافة إلى الاستعانة ببيانات إحصائية أصدرها عدد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية حول حالات التعذيب في العامين الأخيرين، وعجز التشريعات القانونية عن حماية الضحايا أو إنصافهم في حالات التقاضي.
ورصدت خريطة التعذيب تنوع الوسائل التي تستخدم بشكل أساسي في مقار الأمن الوطني "أمن الدولة" وكذلك في أقسام الشرطة والسجون وغيرها، ما بين التعذيب الجسدي المباشر مثل الضرب والصعق بالكهرباء والتعليق من اليدين أو القدمين أو غير المباشر مثل الحرمان من تناول الطعام أو التعذيب النفسي مثل الحرمان من النوم أو الحرمان من الزيارة أو الحبس الانفرادي لفترات طويلة أو التهديد بخطف وتعذيب أفراد أسرة الضحية، وفي بعض الحالات التهديد بالاغتصاب، وخاصة مع النساء، أو التحرش الجسدي أو الإجبار على مشاهدة ضحية تعذيب أخرى أو الاستماع لصوت صراخ الضحايا أثناء التعذيب. كل هذا تنتج عنه آلام جسدية ونفسية عميقة الأثر لا يتخطاها الضحية حتى بعد الإفراج عنه، فيظل العديد من الضحايا في ألم جسدي ونفسي عميق يمنعهم من العودة لحياتهم.
واعتمد التقرير في منهجيته لتحديد إشكاليات التقاضي على المقابلات المعمقة كأداة من أدوات البحث، إذ تم إجراء مقابلات فردية مع محامين يعملون مع ضحايا تعذيب، ليصل التقرير إلى وجود عدة عوائق تواجه الضحية لإثبات جريمة التعذيب بداية من الممارسات الشرطية كتأخير عرض الضحايا على النيابة أو على الطب الشرعي لحين زوال آثار التعذيب، مرورًا بدور النيابة في التحقق من جريمة التعذيب وتقديم مرتكبيها للعدالة، وأخيرًا تناول التقرير العقبات الناتجة عن الثغرات القانونية في المواد الخاصة بالتعذيب في قانون العقوبات وقانون
وألقى التقرير الضوء على مسألة تعامل الدولة مع جرائم التعذيب من خلال دراسة "مسودة مشروع قانون لمكافحة التعذيب" التي تم إعدادها من قبل خبراء قانونيين وقضاة، تقدمه به إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015، وجاءت بنود القانون لتعالج الثغرات والعوار القانوني الحالي لقانون العقوبات على ضوء الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولم تكتف الحكومة بعدم الاستجابة بل كانت ردة الفعل الأولى هي إحالة القضاة للتأديب، وتم توجيه تهم ممارسة نشاط غير مشروع وتكدير السلم والأمن العام على أثر تقديم المسودة البديلة، الأمر الذي يعكس غياب الإرادة السياسية للدولة في منع ومكافحة جرائم التعذيب، إن لم تكن بأشكال أخرى تقننها.
وعرض التقرير لتعامل القضاء والنيابات مع شكاوى ودعاوى التعذيب من خلال تحليل عدد من الحالات، مشيراً إلى وجود نمط من الأحكام المخففة في قضايا التعذيب بسبب قصور المواد القانونية، حيث يتم استخدام مصطلح "ضرب أفضى إلى موت" أو "استعمال القسوة" لتخفيف العقوبة في حالات التعذيب المفضية إلى موت مثل حالة محمد عبد الحكيم الشهير بـ"عفروتو". كما يشير التقرير إلى قبول المحكمة الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كما في حالة قضية النائب العام، والتي أعدم على إثرها 9 متهمين في عام 2019.
وانتهى التقرير بتوصيات من بينها مراجعة شاملة للتشريعات المصرية ذات الصلة بالتعذيب، والالتزام بالمعاهدات الدولية كمرجعية في التعامل مع جرائم التعذيب، بما في ذلك في حالة الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، وبتفعيل دور النيابة العامة في الكشف عن جرائم التعذيب وتقديم مرتكبيها للعدالة. كذلك أوصى بتفعيل دور المجلس القومي لحقوق الإنسان في متابعة حالة المحتجزين والتعاون مع الآليات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بأوضاع المحتجزين. وشدد على ضرورة أن تفي الحكومة المصرية بالتزاماتها الدولية بشأن حظر ومناهضة جريمة التعذيب، وعلى مسؤولية الحكومة المصرية في وضع السياسات والأطر التشريعية لمكافحة تفشي ظاهرة التعذيب، كما دعا السلطات المصرية إلى التصديق على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.