عطلة الجزائريين المغتربين في بلدهم الأم

07 اغسطس 2019
مرح في بحر الجزائر (فاروق باطيش/ فرانس برس)
+ الخط -
يُفضّل الكثير من المغتربين الجزائريين قضاء عطلة الصيف في بلدهم الأم، بهدف رؤية الأقارب والأصدقاء، وقضاء عيد الأضحى معهم، واسترجاع ذكريات الطفولة في الأحياء القديمة التي كبروا فيها

إنّه موسم قضاء العطلة الصيفية في البلد الأم. هذا ما يقوله بعض الذين قدموا إلى الجزائر مع بداية فصل الصيف. كثيرون يحنون إلى أرض الوطن، ويتطلعون لقضاء الصيف فيه. ويقصد كثيرون سواحل وغابات الولايات الجزائرية في شهر أغسطس/ آب. ويقول عبد الكريم عمران لـ "العربي الجديد" إن الجزائر هي المكان الوحيد الذي "يعيد الروح إليه"، مؤكداً أنه على الرغم من التعب الذي نال منه هو وأسرته المكونة من طفلين وزوجته، إلا أن الوجهة المفضلة لديه كل عام هي منطقة العنصر في ولاية جيجل شرق العاصمة الجزائرية.

والهدف من قضاء العطلة في البلد الأم هو زيارة العائلة والأقارب والاجتماع بالأصدقاء، إضافة إلى الاستمتاع بالشاطئ. ويقول عمران القادم من إنكلترا إن نكهة الصيف تكون محتلفة برفقة الأهل والأحباب. يضيف: "بعد غياب عن البلد دام 10 سنوات، فإن زيارة الجزائر تعني كل الحب". ويقول إن الشواطئ هي وجهته المفضلة. ويستغرب البعض عودة الغتربين لقضاء العطلة عند شواطئ الجزائر، في ظل قلة المنتجعات السياحية التي باتت تجذب السياح.

على الرغم من تلك الحقيقة، يختلف عبد الله بوذينة في طرحه. يقول لـ "العربي الجديد" إن "العودة إلى الديار في العطلة فرصة له ولعائلته لاكتشاف ما لا يمكن إيجاده في الغربة"، موضحاً أن "الأشخاص الذين لم يعرفوا الغربة لا يتفهمون حاجتنا للعودة كل مرة لاكتشاف أشياء جديدة". في الصيف أيضاً، تنتهز العشرات من العائلات العطلة لإقامة الأعراس أو حفلات النجاح في الباكالوريا، الأمر الذي يجده المغتربون فرصة لالتقاء الأقارب والأصدقاء والجيران وتثبيت العلاقات وأواصر المحبة.



الهدايا والعيد

في الفترة ما بين شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين، قدم إلى الجزائر أكثر من 359 ألف مواطن من الخارج، في إحصائية غير رسمية مرشحة للارتفاع. وغالباً ما يستخدم المغتربون في عدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا الباخرة كوسيلة للنقل، لأن أسعار التذاكر المخصصة للعائلات أقل، كما أنها وسيلة تسهل عليهم نقل سياراتهم.
في ميناء الجزائر عشرات الوافدين الذين يخرجون بسياراتهم المحملة بالأجهزة والأغراض والحقائب والهدايا. ويقول بلقاسم آيت قاسي لـ "العربي الجديد" إنه يزور مدينته باعالي في ولاية بجاية شرق الجزائر مرة كل سنتين، ما يجعله يجلب معه بعض الهدايا للأهل والاقارب.

وبهدف مشاركة الفرحة بين الأصدقاء، يؤخر البعض العطلة إلى أيام العيد، خصوصاً عيد الأضحى الذي يعد فرحة عائلية، ومن مقدسات العائلات الجزائرية التي تسعى إلى احتفال سنوي جماعي أو "احتفال في الدار الكبرى".

وعلى الرغم من أنه لزيارة المغتربين الجزائر في فصل الصيف أهدافها ومعانيها، غير أن البعض يشعر بالضيق بسبب وضع المغتربين في خانة البحبوحة المادية. ويقول سيد علي من ولاية بومرداس شرق العاصمة الجزائرية، لـ "العربي الجديد"، إن زيارته السنوية صارت تسبب له شخصياً مشكلة لأن الجميع ينتظر منه الهدايا.

وبطبيعة الحال، يتأثر المغتربون بالحالة الاقتصادية في أوروبا وغلاء المعيشة، ما يجعلهم ينتهزون الفرصة لشراء بعض الحاجيات من الجزائر، منها الوسائل الإلكترونية أو الأدوات واللوازم المدرسية كونها أرخص. وتقول غنية لـ "العربي الجديد": "يساهم المغتربون في إنعاش الاقتصاد الجزائري". كما يحرص البعض على شراء أواني فخارية ونحاس تباع على طول الطريق السريع في عدد من ولايات الجزائر، والتي "لا يمكن إيجادها في فرنسا أو إيطاليا" بحسب غنية.

وعلى الرغم من وجود أماكن سياحية في الجزائر، إلا أنها لا تستقطب الكثير من السياح. ويقول الخبير الاقتصادي نورالدين عكوش إن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية، خصوصاً أن الجزائريين المقيمين في الخارج يحتاجون لاكتشاف بلدهم أولاً، والارتباط به، علاوة على أهمية استفادة الخزينة العامة من الكتلة النقدية التي يجلبها المغتربون للجزائر.



اللغة والوطن 

وتتجه بعض العائلات الجزائرية القاطنة في المهجر إلى استغلال العطلة الصيفية لتعزيز التواصل بين الأبناء ولغة البلد الأم، وهو ما يقوله كثيرون، إذ باتت اللغة محط خوف العائلات بعدما فقد الأبناء القدرة على التكلم بالعربية وحتى الأمازيغية. وعمد البعض إلى الاستعانة بأساتذة خلال العطلة الصيفية. ويقول عبد القادر قمراوي لـ "العربي الجديد": "على الرغم من ظروفه الإيجابية في كندا، إلا أن هاجسه الأكبر هو أن يبتعد أبناؤه عن لغة بلدهم وتقاليده وعاداته، خصوصاً في المناسبات الدينية والاجتماعية".

حنين

ويحفظ الصغير والكبير أغنية "يا الرايح وين مسافر تروح تعيا وتولي"، وهي إحدى أغنيات الفنان الشعبي الجزائري الراحل دحمان الحراشي، والتي يحبها المغتربون خصوصاً حين يغلب عليهم الحنين. ويقول الإعلامي فوزي سعد الله، الذي اختار قضاء العطلة الصيفية في الجزائر، وتحديداً في حي باب الوادي العتيق والقصبة: "المحروسة (الجزائر) تستهويني وتعيدني لحقيقة أن الجزائر البيضاء لها الكثير من الأسرار".

يمشي سعد الله في شوارع العاصمة القديمة، ويلتقط صوراً جديدة ويوثقها، ويقصّ حكايات مرتبطة بأسماء تلك الأماكن المحفورة في الذاكرة. يقول إن الأحياء القديمة تضمد جراح غربته منذ أكثر من 19 عاماً. تتعدّد وجهات المغتربين لقضاء عطلة الصيف والعيد، في ما تظل الجزائر أهم وجهة لدى الآلاف على الرغم من اختلاف الظروف.