يبدو أن الفرنسيين حريصون على إكرام العاملين في بعض القطاعات، خصوصاً الندل في المقاهي والمطاعم، وقد أظهر استطلاع للرأي أنهم كرماء
كم سيكون النادل في مطعم أو مقهى أو فندق مبتهجاً حين يحصل على بعض القطع النقدية الإضافية؟ والفرنسيون، بنسبة كبيرة، يعبرون عن هذا الكرم، الذي يعتبرونه نوعاً من أداء الواجب، خصوصاً إذا كانت الخدمات جيدة، وكان النادل مرحاً ومهذباً.
وهذه الحقيقة أكدها استطلاع للرأي أجراه معهد "يو غوف"، مبيناً أن 60 في المائة من الفرنسيين يعطون إكراميات بشكل منتظم. ويكشف أن الرجال أكثر كرماً من النساء. وعلى الرغم من أن الفرنسيين أقلّ كرماً من الأميركيين، إلا أن 20 في المائة تقريباً يؤكدون أنهم يقدمون إكراميات في كل مرة.
وتختلف الحوافز التي تدفع الزبائن إلى دفع الإكراميات. ويقول عمر الحلوي: "أفعل ذلك لأنني أعرف أن هؤلاء يقومون بعمل شاق ويتحملون أمزجة الناس المختلفة. بالنسبة إلي، هذا تقدير ودعم متواضع وعرفان بالجميل".
ويعترف كثيرون ممن يتلقون هذه الإكراميات أنها تكون كبيرة أحياناً، إذا ما عملوا في أماكن يرتادها أصحاب المال والثروة، وهو حال رجب القروي ونذير الحدادي اللذين يجنيان مالاً كثيراً بسبب هذه الإكراميات. رجب القروي حلاق رجالي في حي شعبي في باريس. يحصل من الزبون على 10 يوروهات (نحو 11 دولاراً)، وغالباً ما يترك له الزبائن يورو واحداً أو يورو ونصف اليورو. ويقول: "أحياناً، أحصل على ما بين 30 يورو (نحو 33 دولاراً) و40 يورو (نحو 44 دولاراً) يومياً. صحيح أنه مبلغ غير كبير، لكنه يتجاوز رواتب كثيرين في فرنسا في نهاية الشهر".
أما نذير الحدادي، وهو حلاق نسائي في حي راق بباريس، فيتعامل مع نساء ثريات ما يجعله يجمع مبالغ أكبر بكثير من زميله. "أحياناً، أحصل على 400 يورو (نحو 445 دولاراً) وأكثر. وتزداد المكافآت حين أزور النساء في بيوتهن". ويقول إنه نتيجة لذلك، ألحق ابنته الصغرى في مدرسة حرة في المغرب، وأرسل والديه لأداء فريضة الحج، واشترى شقة في الدار البيضاء.
والمهن التي تشجع الناس على دفع الإكراميات كثيرة، منها مهنة الرصّاص. وتقول سعدية الراجي إنها حين ترى الرصاص وقد أصلح صنبور المياه بإتقان، لا تتردد في منحه مكافأة قد تتجاوز عُشُر الثمن الذي يطلبه نظير عمله.
اقــرأ أيضاً
ويكشف استطلاع الرأي أن 17 في المائة لا يدفعون إلا نادراً، بينما يعترف 19 في المائة أنهم لا يدفعون أبداً، باعتبار أن الكثير من المواطنين يعانون من جراء البطالة.
وثمّة من يرى في منح هذه الإكراميات فساداً أو إفساداً أو رشاوى، من بينهم محمد الكحلاوي. يقول: "النادل في المطعم له راتبه، كما أن الأسعار في المطاعم مرتفعة. فلماذا بذل مجهود مكلف؟". يستدرك: "أفعل ذلك أحياناً حين أكون في مقهى، ويقابلني النادل بودّ وابتسامة. لكن ما أتركه لا يكون كبيراً. بالطبع، لا أفعل ذلك بشكل منتظم".
وهذا موقف كثيرين، منهم أسعد، وهو أستاذ في إحدى المدارس. يقول: "أفضل العمل الذي يأتي من عرَق الجبين، وهو الذي يستحق الإكرامية. ثم إن النادل في مطعم أو مقهى سيحصل حتماً على إكراميات من آخرين. أفعل هذا مع بستاني أصلح حديقتي، أو مع صبّاغ...".
ويبين استطلاع الرأي أن النساء أقل كرماً من الرجال على الرغم من أن عددهن لا يختلف عن الرجال. وفي التفاصيل، إذا كان الرجل يقدّم 3,80 يورو (نحو 4.2 دولارات)، فالمرأة تقدم 2,80 يورو (نحو 3.1 دولارات). ويعزو كثيرون هذه الفروق بين الرجال والنساء، التي يجمعون أنها ستتلاشى مستقبلاً، إلى ما يَعتبرونه "علاقة سلطة". فالرجال في فرنسا يعتبرون أن السلطة ما زالت في أيديهم، على الرغم من محاولات المرأة الحثيثة تحقيق المساواة في كل القطاعات. وما زالت رواتب النساء في كثير من القطاعات أقل من رواتب الرجال، على الرغم من الوعود الحكومية المتكررة.
تضحك زوجة رشيد يحياوي، وهي ممرضة، حين تتحدث عما تصفه بـ "إسراف" زوجها، وهو مهندس معماري من أصول جزائرية: "تصوّر أنه لا يستطيع تمالك نفسه عن ترك إكراميات كبيرة حين نكون في مطعم، فأستفزه بالقول إن الطعام لم يكن لذيذاً أو أن الخدمات لم تكن كما يجب". تضيف: "لكنه انتقائي، إذ أنه لا يفعل الشيء ذاته مع المرأة التي تأتي للجلوس مع أبنائنا أثناء غيابنا. وهذا الأمر مصدر توتر بيننا".
اقــرأ أيضاً
ويبين الاستطلاع أن القطاعات التي يعطي فيها الفرنسيون إكراميات بصفة أكبر، هي المقاهي والفنادق والتاكسي وغيرها. كما أن القاطنين في العاصمة أكرم من القاطنين في المحافَظات. ويعزو عالم الاجتماع قدور زويلاي هذا التفاوت بين العاصمة والمحافظات إلى مستوى العيش الجيد في العاصمة بالمقارنة مع مدن أخرى، وهو ما يمكن تفسيره بأن السكن والعمل في باريس حلم كثير من الفرنسيين.
الفرنسيون كرماء إذاً ومتضامنون. لكن هذا الكرم، كما يقول أحمد الشامي، وهو عامل استقبالات في فندق باريسي مرموق، "دون كرم الأميركيين". ويوضح أن الكثير من الفرنسيين يتركون بعض الإكراميات حين يغادرون غرفهم، وقد تصل إلى عُشر ثمن ليلة في الغرفة. لكن ما يتركه الأميركيون عادة يقترب من ثَمَن ليلة في فندق. ويرى أنه يتوجب على الفرنسيين بذل جهود حتى يقتربوا من الأميركيين. ويسأل: ألا يقلدونهم في الكثير من الأشياء؟". يضيف: "هذا يشجعنا على أن نكون أكثر إتقاناً وإخلاصاً في العمل. لكل شيء ثمن، وهذه خدَمات وجهود تستحق مقابلاً".
وهذه الحقيقة أكدها استطلاع للرأي أجراه معهد "يو غوف"، مبيناً أن 60 في المائة من الفرنسيين يعطون إكراميات بشكل منتظم. ويكشف أن الرجال أكثر كرماً من النساء. وعلى الرغم من أن الفرنسيين أقلّ كرماً من الأميركيين، إلا أن 20 في المائة تقريباً يؤكدون أنهم يقدمون إكراميات في كل مرة.
وتختلف الحوافز التي تدفع الزبائن إلى دفع الإكراميات. ويقول عمر الحلوي: "أفعل ذلك لأنني أعرف أن هؤلاء يقومون بعمل شاق ويتحملون أمزجة الناس المختلفة. بالنسبة إلي، هذا تقدير ودعم متواضع وعرفان بالجميل".
ويعترف كثيرون ممن يتلقون هذه الإكراميات أنها تكون كبيرة أحياناً، إذا ما عملوا في أماكن يرتادها أصحاب المال والثروة، وهو حال رجب القروي ونذير الحدادي اللذين يجنيان مالاً كثيراً بسبب هذه الإكراميات. رجب القروي حلاق رجالي في حي شعبي في باريس. يحصل من الزبون على 10 يوروهات (نحو 11 دولاراً)، وغالباً ما يترك له الزبائن يورو واحداً أو يورو ونصف اليورو. ويقول: "أحياناً، أحصل على ما بين 30 يورو (نحو 33 دولاراً) و40 يورو (نحو 44 دولاراً) يومياً. صحيح أنه مبلغ غير كبير، لكنه يتجاوز رواتب كثيرين في فرنسا في نهاية الشهر".
أما نذير الحدادي، وهو حلاق نسائي في حي راق بباريس، فيتعامل مع نساء ثريات ما يجعله يجمع مبالغ أكبر بكثير من زميله. "أحياناً، أحصل على 400 يورو (نحو 445 دولاراً) وأكثر. وتزداد المكافآت حين أزور النساء في بيوتهن". ويقول إنه نتيجة لذلك، ألحق ابنته الصغرى في مدرسة حرة في المغرب، وأرسل والديه لأداء فريضة الحج، واشترى شقة في الدار البيضاء.
والمهن التي تشجع الناس على دفع الإكراميات كثيرة، منها مهنة الرصّاص. وتقول سعدية الراجي إنها حين ترى الرصاص وقد أصلح صنبور المياه بإتقان، لا تتردد في منحه مكافأة قد تتجاوز عُشُر الثمن الذي يطلبه نظير عمله.
ويكشف استطلاع الرأي أن 17 في المائة لا يدفعون إلا نادراً، بينما يعترف 19 في المائة أنهم لا يدفعون أبداً، باعتبار أن الكثير من المواطنين يعانون من جراء البطالة.
وثمّة من يرى في منح هذه الإكراميات فساداً أو إفساداً أو رشاوى، من بينهم محمد الكحلاوي. يقول: "النادل في المطعم له راتبه، كما أن الأسعار في المطاعم مرتفعة. فلماذا بذل مجهود مكلف؟". يستدرك: "أفعل ذلك أحياناً حين أكون في مقهى، ويقابلني النادل بودّ وابتسامة. لكن ما أتركه لا يكون كبيراً. بالطبع، لا أفعل ذلك بشكل منتظم".
وهذا موقف كثيرين، منهم أسعد، وهو أستاذ في إحدى المدارس. يقول: "أفضل العمل الذي يأتي من عرَق الجبين، وهو الذي يستحق الإكرامية. ثم إن النادل في مطعم أو مقهى سيحصل حتماً على إكراميات من آخرين. أفعل هذا مع بستاني أصلح حديقتي، أو مع صبّاغ...".
ويبين استطلاع الرأي أن النساء أقل كرماً من الرجال على الرغم من أن عددهن لا يختلف عن الرجال. وفي التفاصيل، إذا كان الرجل يقدّم 3,80 يورو (نحو 4.2 دولارات)، فالمرأة تقدم 2,80 يورو (نحو 3.1 دولارات). ويعزو كثيرون هذه الفروق بين الرجال والنساء، التي يجمعون أنها ستتلاشى مستقبلاً، إلى ما يَعتبرونه "علاقة سلطة". فالرجال في فرنسا يعتبرون أن السلطة ما زالت في أيديهم، على الرغم من محاولات المرأة الحثيثة تحقيق المساواة في كل القطاعات. وما زالت رواتب النساء في كثير من القطاعات أقل من رواتب الرجال، على الرغم من الوعود الحكومية المتكررة.
تضحك زوجة رشيد يحياوي، وهي ممرضة، حين تتحدث عما تصفه بـ "إسراف" زوجها، وهو مهندس معماري من أصول جزائرية: "تصوّر أنه لا يستطيع تمالك نفسه عن ترك إكراميات كبيرة حين نكون في مطعم، فأستفزه بالقول إن الطعام لم يكن لذيذاً أو أن الخدمات لم تكن كما يجب". تضيف: "لكنه انتقائي، إذ أنه لا يفعل الشيء ذاته مع المرأة التي تأتي للجلوس مع أبنائنا أثناء غيابنا. وهذا الأمر مصدر توتر بيننا".
ويبين الاستطلاع أن القطاعات التي يعطي فيها الفرنسيون إكراميات بصفة أكبر، هي المقاهي والفنادق والتاكسي وغيرها. كما أن القاطنين في العاصمة أكرم من القاطنين في المحافَظات. ويعزو عالم الاجتماع قدور زويلاي هذا التفاوت بين العاصمة والمحافظات إلى مستوى العيش الجيد في العاصمة بالمقارنة مع مدن أخرى، وهو ما يمكن تفسيره بأن السكن والعمل في باريس حلم كثير من الفرنسيين.
الفرنسيون كرماء إذاً ومتضامنون. لكن هذا الكرم، كما يقول أحمد الشامي، وهو عامل استقبالات في فندق باريسي مرموق، "دون كرم الأميركيين". ويوضح أن الكثير من الفرنسيين يتركون بعض الإكراميات حين يغادرون غرفهم، وقد تصل إلى عُشر ثمن ليلة في الغرفة. لكن ما يتركه الأميركيون عادة يقترب من ثَمَن ليلة في فندق. ويرى أنه يتوجب على الفرنسيين بذل جهود حتى يقتربوا من الأميركيين. ويسأل: ألا يقلدونهم في الكثير من الأشياء؟". يضيف: "هذا يشجعنا على أن نكون أكثر إتقاناً وإخلاصاً في العمل. لكل شيء ثمن، وهذه خدَمات وجهود تستحق مقابلاً".