تخفيف الولاية... انتصار "تاريخي" للمرأة السعودية

03 اغسطس 2019
سلطة الرجل عليها إلى تراجع (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

قبل أكثر من عام، في يونيو/ حزيران 2018، تمكّنت المرأة السعودية من حقّها في قيادة السيارات. وفي بداية أغسطس/ آب الجاري، تم تخفيف الولاية عنها في مجالات مختلفة.

أصدرت الحكومة السعودية قراراً يُعَدّ "تاريخياً" يقضي بالسماح للمرأة التي بلغت 21 عاماً وما فوق باستخراج جواز سفر خاص بها والانتقال إلى خارج البلاد من دون إذن من وليّ أمرها، الأمر الذي يعني إسقاط قانون الولاية على المرأة السعودية في ما يخصّ السفر. وقد نشرت صحيفة "أم القرى" السعودية، وهي الصحيفة الرسمية المخوّلة نشر القرارات الحكومية، خبر التعديلات في قانونَي الأحوال المدنية ووثائق السفر التي تمنح المرأة إلى جانب الحقّ في استخراج جواز سفر من دون إذن الوليّ، حقّ أن تكون "ربّ أسرة" مناصفة مع الزوج، على أن يكون محل إقامة المرأة المتزوجة بيت زوجها في حال كانت العشرة مستمرة بينهما، ما يعني أنّه في حال قرّرت المرأة المتزوجة الخروج من بيت الزوجية فإنّ ذلك لن يُعدّ مخالفة قانونية كما تنصّ القوانين السابقة. والتعديلات الجديدة سمحت للمرأة كذلك بالتبليغ عن حالات الولادة أسوة بالرجل، وبالتبليغ عن حالات الزواج أو الطلاق أو المخالعة (فسخ الزواج)، بالإضافة إلى حقّها في طلب الحصول على سجلّ الأسرة من الجهات الحكومية بعدما كان ذلك محصوراً بالرجل.

ووصف ناشطون وناشطات سعوديون تلك التعديلات التي أدّت إلى إسقاط ولاية الرجل عن المرأة بما يشبه "ثورة". فتقول ناشطة وأكاديمية سعودية فضّلت عدم الكشف عن هويتها لـ"العربي الجديد" إنّ "القرار يمثّل الثورة الاجتماعية الأكبر في تاريخ البلاد منذ تأسيسها ويمثّل إنهاءً حقيقياً لسلطة الرجل على المرأة على مدى السنوات الماضية". تضيف الأستاذة المحاضرة في إحدى الجامعات السعودية أنّ "السماح للمرأة بالسفر من دون إذن وليّ الأمر يعني أنّ لا سلطة للرجل من اليوم فصاعداً في الزواج والعمل والتعليم وغير ذلك. وإذا حاولت الأسرة الضغط نفسياً أو اجتماعياً على المرأة للزواج من رجل لا ترغب فيه، عليها (الأسرة) أن تعلم أنّ ابنتها تستطيع السفر بسهولة والخروج من البلاد. والأمر ينسحب على إجبارها الدخول في تخصّص دراسي لا ترغب فيه أو منعها من العمل".

من جهته، يرى المحامي أحمد الخالدي وهو باحث قانوني سعودي، أنّ "التعديلات على قانون وثائق السفر وقانون الأحوال المدنية هي تعديلات جوهرية أنهت وجود ما يُسمّى نظام ولاية في البلاد". ويقول الخالدي لـ"العربي الجديد" إنّ التعديلات تنقسم إلى قسمَين"، شارحاً أنّ "الأوّل يتعلق بسفر المرأة وتلك تعديلات واضحة للجميع. فالمرأة اليوم يحقّ لها أن تستخرج جوازاً خاصاً بها من دون إذن والدها كما هي الحال مع الرجل، ويحقّ لها أن تسافر من دون إذن أيّ كان كما هي الحال مع الرجل وبالتالي يُلغى ما يسمّى تصريح السفر المعمول به اليوم في نظام أبشر الإلكتروني. أمّا القسم الآخر فيتعلق بقانون الأحوال المدنية الذي يجعل المرأة رباً للأسرة كما هي الحال مع الرجل، وهذا تطوّر كبير في القانون لدرجة أنّه جعل السعودية في هذه النقطة متقدّمة على بقية دول الخليج". ويؤكد الخالدي أنّ "هذه القوانين تعني فعلياً إنهاء أزمة النساء اللواتي يرفض ولاة أمورهنّ استلامهنّ من دور الرعاية بعد انتهاء محكوميتهنّ بالسجن، وتعني كذلك إنهاء حالات التغيّب والعقوق التي يرفعها الأهالي ضدّ بناتهنّ في حال رغبتهنّ في الاستقلال والحصول على وظيفة والسكن في خارج المنزل".



في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ظهر قانون الولاية على المرأة في السعودية. وقد أتى ذلك على خلفية حادثة اقتحام مجموعة متطرّفة بقيادة الجندي السابق في الحرس الوطني جهيمان العتيبي المسجد الحرام واحتلال الكعبة في مكّة المكرمة على مدى أيام عدّة، فعمدت الحكومة بالتالي إلى تبنّي خطاب ديني متشدّد، في محاولة منها لاحتواء تصاعد المدّ الديني في البلاد. كذلك، فإنّ حادثة هروب أميرة من الأسرة المالكة إلى خارج البلاد أدّت إلى اقتناع تلك الأسرة بوجوب وضع قوانين تحدّ من صلاحيات المرأة في المجال العام. بعد ذلك، أصدرت السلطات السعودية حزمة من القوانين التي تمنع المرأة بموجبها من الدراسة والعمل والسفر والتنقل وحتى الحصول على العلاج إلا بموافقة وليّ أمرها الذي يكون في العادة والدها إذا كانت غير متزوجة أو شقيقها، وفي حال كانت متزوجة فإنّ وليّ أمرها هو زوجها، وفي حال طلاقها أو وفاة زوجها فإنّ ابنها يكون وليّ أمرها.

وعلى الرغم من عدم وجود قانون واضح ينصّ على مفهوم ولاية الرجل على المرأة، فإنّ الولاية منصوص عليها في قوانين التعليم والصحة والعمل، إذ كان يُشترط على المرأة التي ترغب في العمل الحصول على موافقة وليّ أمرها، سواء أكان ذلك في القطاع الحكومي أم الخاص. وفي حال رغبتها في الدراسة، فإنّ الأمر يشترط كذلك موافقة وليّ الأمر، علماً أنّ ثمّة أولياء أمور يعترضون على متابعة بناتهم دراسة في تخصصات معيّنة. كذلك الأمر بالنسبة إلى العلاج الطبي، إذ إنّه لا يمكن القيام ببعض الإجراءات الطبية من دون موافقة وليّ الأمر. وهو ما فصّلته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها نشرته في عام 2008 تحت عنوان "قاصرات إلى الأبد: انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن نظام الولاية والفصل بين الجنسين في المملكة العربية السعودية".




وقد استغلّ مسؤولون حكوميون كثيرون سياسة التشدد تجاه المرأة، ليصدروا قرارات ارتجالية مجحفة في حقّها، تستوجب إذناً من وليّ أمرها في كلّ خطوة لها في داخل إداراتهم الحكومية، وذلك من دون سند نظامي أو قرار حكومي رسمي، وهو الأمر الذي جعل الحكومة السعودية تتعرّض إلى هجوم من قبل منظمات دولية كثيرة تُعنى بالحقوق وما إليها.

لكنّ نساء كثيرات رفضنَ ذلك، وبدأت محاولات انتفاضتهنّ في مدينة الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1990، عندما كسرت 47 امرأة الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة وقدنَ في مدينة الرياض 16 سيارة في وضح النهار. فقامت السلطات السعودية باعتقالهنّ مع أزواجهنّ وأقرباء لهنّ وطُردنَ كذلك من وظائفهنّ واشتدّ التضييق عليهنّ في المجالات كافة.

وفي عام 2006، بدأت محاولات السلطات السعودية في إدخال تعديلات على قوانين الولاية التي تغوّلت في كل اللوائح النظامية لأجهزة الدولة، فعمدت إلى وقف اشتراط حصول المرأة على إذن من وليّ أمرها للعمل، لكنّ ذلك بقي مجرّد حبر على ورق حينها لأنّ وليّ الأمر قادر على رفع قضية في حقّ ابنته التي عملت من دون إذنه واتّهامها بالعقوق، بالتالي تجبرها المحكمة على العودة إلى بيتها والتعرّض إلى الأذى من دون حماية حقيقية.



وصار المجتمع النسائي في السعودية، والمؤلّف من أكاديميات وصحافيات، يناقش موضوع إسقاط الولاية عن المرأة، فعُقدت ندوات ومؤتمرات غير رسمية لمناقشة المطالب قابلتها السلطات بتوقيف المنظمات وإجبارهنّ على توقيع تعهّدات بعدم تكرار مثل تلك الندوات. لكنّ شرارة المطالبة بإسقاط الولاية سُجّلت فعلياً في عام 2016، مع إطلاق مجموعة من الناشطات الشابات وسم #سعوديات_نطالب_بإسقاط_الولاية الذي حاز على اهتمام عالمي كبير من قبل الصحف الغربية ومنظمات حقوق الإنسان. وقد حصل ذلك على دعم من قبل أكاديميات سعوديات، لعلّ أبرزهنّ الأكاديمية والناشطة عزيزة اليوسف التي جمعت 14 ألف توقيع لنساء سعوديات على عريضة رُفعت إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تطالبه بإسقاط الولاية.

ومع ازدياد الضغط الشعبي، أصدر العاهل السعودي، في محاولة منه لامتصاص الحملة النسوية الغاضبة، أمراً في إبريل/ نيسان من عام 2017 لكلّ الجهات الحكومية يقضي بعدم حرمان المرأة السعودية من الخدمات الحكومية في حال عدم توفّر موافقة من وليّ أمرها، إلا في حال وجود قانون ينصّ على خلاف ذلك. وهو ما يعني رسمياً إلغاء القرارات الارتجالية التي كان يصدرها بعض المسؤولين ضدّ المرأة. لكنّ النساء السعوديات رفضنَ هذا القرار المجتزأ وأكّدنَ مطالبتهنّ بحلّ كامل ونهائي وبإسقاط الولاية بشكل تام. فكان بالتالي تصريح لوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في خلال مقابلة صحافية، قال فيه إنّ موضوع الولاية لم يتمّ برغبة حكومية في السابق بل بسبب سيطرة "الصحوة" على مقاليد البلاد السياسية والاجتماعية في ثمانينيات القرن الماضي.



تجدر الإشارة إلى أنّه في خلال السنوات الأخيرة، اعتقلت السلطات السعودية مجموعة من الناشطات النسويات اللواتي قدنَ حملات المطالبة بإسقاط الولاية وبالسماح للمرأة بقيادة السيارة، ومنهنّ لجين الهذلول التي اتهمت بالخيانة العظمى وتعرّضت إلى التعذيب والتهديد بالتحرّش وفق شهادة أخيها في الكونغرس الأميركي، إلى جانب إيمان النفجان وأخريات. في سياق متصل، يقول المعارض السعودي عبد الله الغامدي لـ"العربي الجديد" إنّ "وليّ العهد السعودي يحاول تصوير الأمر كأنّه مكرمة منه، لكنّه في الحقيقة انتصار نسوي كبير حققته النسويات اللواتي يعيش عدد كبير منهنّ في خارج البلاد. ومن تلك النسويات المطاردات والمطلوبات للعدالة الدكتورة هالة الدوسري، في حين تقبع أخريات في السجون مثل لجين الهذلول. مثيلات هؤلاء النساء هنّ أصحاب الحقّ واللواتي دفعنَ في اتجاه تلك التعديلات وليس محمد بن سلمان".