يعبّر خبراء ليبيون عن قلقهم على النسيج المجتمعي في الجنوب الليبي، مؤكدين أنّ ثمّة انقساماً وأزمات اجتماعية كبيرة على خلفيّة الصراعات القبلية التي أذكتها حروب اللواء المتقاعد خليفة حفتر هناك. وليبيا، بحسب ما يقول الباحث الاجتماعي عبد الرزاق مخلوف لـ"العربي الجديد"، كانت "حتى اندلاع النزعات القبلية، تعيش بعيداً عن الإثنيات، على الرغم من التعدد القبلي". يضيف: "لكنّ أطرافاً خارجية زجّت الجنوب في حروب على أساس نعرات تاريخية"، محذّراً من "خطر إحياء تلك النعرات بين أكثر من 15 قبيلة في الجنوب".
في خلال العامَين 2012 و2013، شهدت منطقتا الكفرة وأوباري حروباً استمرّت شهوراً عدّة بين بعض القبائل. وقد انتهت كبرى تلك الحروب بين قبيلتَي التبو والطوارق بمصالحة وُقّعت في العاصمة القطرية الدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015. لكنّ مساعي حفتر العسكرية إلى السيطرة على الجنوب، دفعته إلى عقد اتفاقات وصفقات مع القبائل الكبرى، مثل قبيلة التبو الممتدة في أكثر من منطقة، وقبيلة الزوية في الكفرة، فكفلت له تلك القبائل سيطرة بالاسم على مناطقها لكنّها في الوقت ذاته اضطرت إلى خوض معارك مع قبائل أخرى مثل قبيلة أولاد سليمان وقبيلة المجابرة وقبيلة الطوارق وغيرها، لمصلحته.
اقــرأ أيضاً
ويشير مخلوف إلى أنّ "خطر حروب حفتر وصل مداه الأبعد عقب إطلاقه عملية عسكرية للسيطرة على الجنوب بمساعدة دول جوار أفريقية، في مقدمتها تشاد، في يناير/كانون الثاني الماضي. وقد فكّ بالتالي تحالفاته مع قبيلة التبو التي صارت أكبر أعدائه في الجنوب، وذلك في مقابل صفقات عقدها مع قبائل منافسة لها". يضيف مخلوف أنّ "تصريحات قادة قوات حفتر تؤكّد استعانته بمليشيات قبليّة على غرار أولاد سليمان والحساونة والمجابرة وغيرها لمواجهة التبو، بالإضافة إلى إثارة نعرات قبليّة بين العرب من جهة وبين التبو والطوارق من جهة أخرى".
من جهته، يقول الباحث السياسي عبد العزيز الأوجلي، الخبير في شؤون الجنوب الليبي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ميل بعض قبائل الجنوب الأكثر تنفّذاً وقوّة مثل الطوارق لمصلحة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، الخصم التقليدي لحفتر، استدعى الأخير إلى الاستعانة بالمرتزقة من تشاد والسودان". ويستدلّ الأوجلي بتقارير للأمم المتحدة تشير إلى "تنفّذ مليشيات المرتزقة في الجنوب"، مشيراً إلى أنّ "اللعب على الوتر القبلي من أبرز عوامل سيطرة حفتر. هو يعرف أنّ لتلك القبائل امتدادات وراء الحدود جنوباً وكذلك خلافات مع قبائل أخرى ما وراء الحدود، بالتالي عمد إلى فتح الباب موارباً أمام مرتزقة قبائل ما وراء الحدود للنَيل من خصومه". ويؤكّد الأوجلي أنّ "ما يحدث حالياً في مرزق هو من نتائج لعب حفتر على الوتر القبلي". يُذكر أنّ الأمم المتحدة أعلنت قبل نحو أسبوع عن مقتل أكثر من 90 مدنياً في الاشتباكات القبلية في داخل مرزق وإصابة أكثر من 200 آخرين، بالإضافة إلى حرق وتدمير أكثر من 1200 مسكن.
في السياق، يرى الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية خليفة الحداد أنّ "استراتيجية حفتر الحالية تذهب إلى ضرب القبائل بعضها ببعض، فيما يبقى هو متفرّجاً على نتائج تلك المعارك ليقف من ثمّ في صف المنتصر"، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أنّها "سياسة حفتر مع التبو في السابق قبل أن ينقلب عليها ويوالي خصومها لإقصائهم". تجدر الإشارة إلى أنّ التبو تمثّل غالبية "قوة حماية الجنوب" الموالية لحكومة الوفاق والتي تخوض قتالاً منذ أيام في مناطق مرزق وجوارها، وذلك في محاولة منها لإعادة السيطرة على مناطقها القبلية وطرد فصائل قبلية أخرى موالية لحفتر.
ويشدّد الحداد على "الآثار السلبية لاستراتيجيات حفتر في الجنوب"، على الرغم من أنّ المجتمع الدولي يلتزم الصمت حيال الحروب القائمة على الثارات القبيلة. ويقول إنّ "أولى نتائجها سوف تكون استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار وامتداد آثارها إلى دول الجوار. أمّا النتائج على المدى البعيد فهي تعميق الانقسام القبلي". ويتابع الحداد أنّ "آراء خبراء علم الاجتماع تُجمع على أنّ الصراعات القبلية لا تنتهي بسرعة"، موضحاً أنّه "على الرغم من أكثر من خمسين عاماً من الاستقرار والتعايش القبلي، فإنّ سياسة حفتر نجحت في إظهار الخلافات التاريخية القديمة. وهذا يعني أنّ اندمال الجروح لن يكون سهلاً ولا قريباً".
وفي حين يصف الحداد سياسة حفتر في ما يتعلق بالسيطرة على الجنوب بأنّها "فاشلة"، يشير الأوجلي إلى بعد آخر ويقول إنّ "سياسة حرق المنازل التي تجري حالياً في مرزق، واحدة من كبرى مدن الجنوب، يعني أنّ الصراع وصل إلى مرحلة متقدمة. وما يجري هو انتقام وثأر". بالنسبة إلى الأوجلي، فإنّ "القيم الأساسية للتعايش التي كانت تسود البلاد تمثّل صمّام الأمان"، موضحاً أنّ "تفكك المجتمع من جرّاء ما يحدث في الجنوب وصل إلى حدّ إشراك المدنيين في دائرة العنف، وهو بعد جديد ومخيف". ويؤكد أنّ "إشارة الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 90 مدنياً يعني أنّ ثمّة كتائب ومجموعات منظمة موجودة على الأرض، وبالتالي أنّ الصراع بات بين الأهالي مباشرة". يضيف الأوجلي أنّ "تفكك قيم المجتمع أدّى إلى الانتقام وإلى العنف الجماعي... دائرة مغلقة لا نهاية لها". وبينما تشير بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى خطر سياسات حفتر على الصعيد الاجتماعي، أكد رئيسها غسان سلامة في أكثر من مرّة أنّ "استمرار النزاع تسبّب في تآكل النسيج الاجتماعي على نحو ينذر بالخطر".
اقــرأ أيضاً
ويلفت الحداد إلى أنّ "سياسات حفتر الكارثية في الجنوب مرتبطة بمصالح دول ترى أنّ لها حقوقاً تاريخية في البلاد، مثل فرنسا التي كانت تستعمر فزان وما زالت تملك ارتباطات بدول الجوار الأفريقي". ويتحدّث الحداد عن "تقارير نشرتها وسائل إعلام غربية أكّدت وقوف فرنسا وراء تسليح بعض القبائل في الجنوب في مقابل دعمها حفتر، وقد أشارت كذلك إلى فتح الحدود الجنوبية أمام قبائل من وراء الحدود باتت اليوم تسيطر على مناطق بكاملها". وبحسب ما يؤكد الحداد، فإنّ "مليشيات تشادية وسودانية تسيطر حالياً على مناطق ما وراء تراغن، مثل القطرون القريبة من الحدود مع تشاد والغنية بمناجم الذهب"، مشيراً إلى أنّ "وزارة شؤون المهاجرين التابعة لحكومة الوفاق الوطني تمتلك بيانات لأعداد النازحين من الجنوب من جرّاء الحروب القبلية". وهو ما عدّه الأوجلي من جهته "مؤشراً ينذر بخطر تغيّر ديموغرافي كبير في الجنوب، بسبب نزوح عدد كبير من سكانه وتوطين غيرهم من الوافدين عبر الحدود".
في خلال العامَين 2012 و2013، شهدت منطقتا الكفرة وأوباري حروباً استمرّت شهوراً عدّة بين بعض القبائل. وقد انتهت كبرى تلك الحروب بين قبيلتَي التبو والطوارق بمصالحة وُقّعت في العاصمة القطرية الدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015. لكنّ مساعي حفتر العسكرية إلى السيطرة على الجنوب، دفعته إلى عقد اتفاقات وصفقات مع القبائل الكبرى، مثل قبيلة التبو الممتدة في أكثر من منطقة، وقبيلة الزوية في الكفرة، فكفلت له تلك القبائل سيطرة بالاسم على مناطقها لكنّها في الوقت ذاته اضطرت إلى خوض معارك مع قبائل أخرى مثل قبيلة أولاد سليمان وقبيلة المجابرة وقبيلة الطوارق وغيرها، لمصلحته.
ويشير مخلوف إلى أنّ "خطر حروب حفتر وصل مداه الأبعد عقب إطلاقه عملية عسكرية للسيطرة على الجنوب بمساعدة دول جوار أفريقية، في مقدمتها تشاد، في يناير/كانون الثاني الماضي. وقد فكّ بالتالي تحالفاته مع قبيلة التبو التي صارت أكبر أعدائه في الجنوب، وذلك في مقابل صفقات عقدها مع قبائل منافسة لها". يضيف مخلوف أنّ "تصريحات قادة قوات حفتر تؤكّد استعانته بمليشيات قبليّة على غرار أولاد سليمان والحساونة والمجابرة وغيرها لمواجهة التبو، بالإضافة إلى إثارة نعرات قبليّة بين العرب من جهة وبين التبو والطوارق من جهة أخرى".
من جهته، يقول الباحث السياسي عبد العزيز الأوجلي، الخبير في شؤون الجنوب الليبي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ميل بعض قبائل الجنوب الأكثر تنفّذاً وقوّة مثل الطوارق لمصلحة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، الخصم التقليدي لحفتر، استدعى الأخير إلى الاستعانة بالمرتزقة من تشاد والسودان". ويستدلّ الأوجلي بتقارير للأمم المتحدة تشير إلى "تنفّذ مليشيات المرتزقة في الجنوب"، مشيراً إلى أنّ "اللعب على الوتر القبلي من أبرز عوامل سيطرة حفتر. هو يعرف أنّ لتلك القبائل امتدادات وراء الحدود جنوباً وكذلك خلافات مع قبائل أخرى ما وراء الحدود، بالتالي عمد إلى فتح الباب موارباً أمام مرتزقة قبائل ما وراء الحدود للنَيل من خصومه". ويؤكّد الأوجلي أنّ "ما يحدث حالياً في مرزق هو من نتائج لعب حفتر على الوتر القبلي". يُذكر أنّ الأمم المتحدة أعلنت قبل نحو أسبوع عن مقتل أكثر من 90 مدنياً في الاشتباكات القبلية في داخل مرزق وإصابة أكثر من 200 آخرين، بالإضافة إلى حرق وتدمير أكثر من 1200 مسكن.
في السياق، يرى الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية خليفة الحداد أنّ "استراتيجية حفتر الحالية تذهب إلى ضرب القبائل بعضها ببعض، فيما يبقى هو متفرّجاً على نتائج تلك المعارك ليقف من ثمّ في صف المنتصر"، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أنّها "سياسة حفتر مع التبو في السابق قبل أن ينقلب عليها ويوالي خصومها لإقصائهم". تجدر الإشارة إلى أنّ التبو تمثّل غالبية "قوة حماية الجنوب" الموالية لحكومة الوفاق والتي تخوض قتالاً منذ أيام في مناطق مرزق وجوارها، وذلك في محاولة منها لإعادة السيطرة على مناطقها القبلية وطرد فصائل قبلية أخرى موالية لحفتر.
ويشدّد الحداد على "الآثار السلبية لاستراتيجيات حفتر في الجنوب"، على الرغم من أنّ المجتمع الدولي يلتزم الصمت حيال الحروب القائمة على الثارات القبيلة. ويقول إنّ "أولى نتائجها سوف تكون استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار وامتداد آثارها إلى دول الجوار. أمّا النتائج على المدى البعيد فهي تعميق الانقسام القبلي". ويتابع الحداد أنّ "آراء خبراء علم الاجتماع تُجمع على أنّ الصراعات القبلية لا تنتهي بسرعة"، موضحاً أنّه "على الرغم من أكثر من خمسين عاماً من الاستقرار والتعايش القبلي، فإنّ سياسة حفتر نجحت في إظهار الخلافات التاريخية القديمة. وهذا يعني أنّ اندمال الجروح لن يكون سهلاً ولا قريباً".
وفي حين يصف الحداد سياسة حفتر في ما يتعلق بالسيطرة على الجنوب بأنّها "فاشلة"، يشير الأوجلي إلى بعد آخر ويقول إنّ "سياسة حرق المنازل التي تجري حالياً في مرزق، واحدة من كبرى مدن الجنوب، يعني أنّ الصراع وصل إلى مرحلة متقدمة. وما يجري هو انتقام وثأر". بالنسبة إلى الأوجلي، فإنّ "القيم الأساسية للتعايش التي كانت تسود البلاد تمثّل صمّام الأمان"، موضحاً أنّ "تفكك المجتمع من جرّاء ما يحدث في الجنوب وصل إلى حدّ إشراك المدنيين في دائرة العنف، وهو بعد جديد ومخيف". ويؤكد أنّ "إشارة الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 90 مدنياً يعني أنّ ثمّة كتائب ومجموعات منظمة موجودة على الأرض، وبالتالي أنّ الصراع بات بين الأهالي مباشرة". يضيف الأوجلي أنّ "تفكك قيم المجتمع أدّى إلى الانتقام وإلى العنف الجماعي... دائرة مغلقة لا نهاية لها". وبينما تشير بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى خطر سياسات حفتر على الصعيد الاجتماعي، أكد رئيسها غسان سلامة في أكثر من مرّة أنّ "استمرار النزاع تسبّب في تآكل النسيج الاجتماعي على نحو ينذر بالخطر".
ويلفت الحداد إلى أنّ "سياسات حفتر الكارثية في الجنوب مرتبطة بمصالح دول ترى أنّ لها حقوقاً تاريخية في البلاد، مثل فرنسا التي كانت تستعمر فزان وما زالت تملك ارتباطات بدول الجوار الأفريقي". ويتحدّث الحداد عن "تقارير نشرتها وسائل إعلام غربية أكّدت وقوف فرنسا وراء تسليح بعض القبائل في الجنوب في مقابل دعمها حفتر، وقد أشارت كذلك إلى فتح الحدود الجنوبية أمام قبائل من وراء الحدود باتت اليوم تسيطر على مناطق بكاملها". وبحسب ما يؤكد الحداد، فإنّ "مليشيات تشادية وسودانية تسيطر حالياً على مناطق ما وراء تراغن، مثل القطرون القريبة من الحدود مع تشاد والغنية بمناجم الذهب"، مشيراً إلى أنّ "وزارة شؤون المهاجرين التابعة لحكومة الوفاق الوطني تمتلك بيانات لأعداد النازحين من الجنوب من جرّاء الحروب القبلية". وهو ما عدّه الأوجلي من جهته "مؤشراً ينذر بخطر تغيّر ديموغرافي كبير في الجنوب، بسبب نزوح عدد كبير من سكانه وتوطين غيرهم من الوافدين عبر الحدود".