لطالما مثّل المعتقلون في السجون السورية قضيّة كبرى تحرّكت من أجلها جهات حقوقية وإنسانية مختلفة، محلية وعالمية، مطالبة بالكشف عن مصيرهم. من بين هؤلاء لاجئون فلسطينيون كانوا قد استقرّوا أو ولدوا في سورية.
لا يَسلم اللاجئون الفلسطينيون في سورية من بطش النظام بمختلف أشكاله، سواء بالقتل أو الاعتقال أو الإخفاء القسري، شأنهم شأن المواطنين السوريين. وتفيد إحصائية حديثة أعدّتها مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية ونشرتها في يوليو/تموز المنصرم، بأنّ ثمّة 1759 لاجئاً فلسطينياً معتقلاً في سجون النظام السوري، من بينهم 109 نساء، فيما لقي 606 لاجئين فلسطينيين حتفهم في الزنازين.
واللاجئون الفلسطينيون المعتقلون وكذلك الذين قُتلوا تحت التعذيب، أعدادهم أكبر من تلك التي وثّقتها بيانات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، بحسب ما يشير الحقوقي الفلسطيني أيمن أبو هاشم في حديث إلى "العربي الجديد". ويعيد سبب قوله ذلك إلى أنّ "مجموعة العمل من أجل فلسطين وثّقت ما وصل إليها من معلومات حول عدد الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب، لكنّ مصير حالات كثيرة ما زال مجهولاً حتى الآن. كذلك فإنّ ذوي معتقلين كثيرين، نظراً إلى خوفهم من النظام، لا يكشفون عن اعتقال أبنائهم". يضيف أبو هاشم أنّ "أسماء معتقلين كثيرين لم تُكشَف إلا بعدما قضى هؤلاء في الاعتقال، بالتالي يُمكن التأكيد أنّه من غير الممكن معرفة العدد الحقيقي للذين تمّت تصفيتهم طوال السنوات الماضية".
ويتابع أبو هاشم أنّ "ثمّة مؤسسات عدّة تتابع بالتأكيد هذه القضية، ومجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية واحدة منها وكان لها دور أساسي في هذا السياق. ومن بينها كذلك مؤسسات أخرى مستقلة وبعيدة عن الفصائل الفلسطينية، وجهات فلسطينية تعمل في صفوف المعارضة السورية مثل التجمّع الفلسطيني السوري - مصير الذي يُعِدّ نفسه معنياً بهذا الملف". ويؤكد أبو هاشم أنّه "في جميع الأحوال، إذا كان الأمر متعلقاً بمصير المعتقلين الفلسطينيين أو المعتقلين السوريين في سجون النظام، فإنّ هذا الملف شائك ومعقّد والجميع يدرك حجم الصعوبات والعقبات في هذا المجال. في ما يرتبط بالضغط على النظام لإطلاق سراح المعتقلين، فإنّ الأمر يُعَدّ مشكلة كبيرة جداً ولم يُحرَز أيّ تقدم في هذا الشأن حتى اليوم، سواء من خلال المفاوضات السياسية أو عمليات تبادل الأسرى. عدد قليل فقط حُرّر في عمليات مشابهة، في حين ما زال العدد الأكبر في معتقلات النظام السوري".
في سياق متصل، يعمد النظام السوري كعادته إلى ابتزاز ذوي المعتقلين لديه بطرق عدّة. فيقول أبو هاشم إنّه "يستغلّ عائلات المعتقلين الفلسطينيين بالطريقة نفسها التي يستغلّ بها عائلات المعتقلين السوريين، من خلال محاولات لجمع أموال منها، فتتعرّض تلك العائلات، في كثير من الأحيان، إلى عمليات نصب واحتيال كثيرة، وكلّها أمل بإطلاق سراح أبنائها". ويكمل: "أعرف حالات كثيرة سدّدت فيها عائلات المعتقلين الفلسطينيين مبالغ هائلة عن طريق سماسرة ووسطاء هم ضباط في الأمن لمعرفة مصير أبنائها وإطلاق سراحهم. لكنّها أعلمت، في وقت لاحق، أنّ أبناءها قضوا في السجون، وقد طُلب منها أكثر من ذلك، إذ إنّه طلب منها التوجّه إلى مديرية الأحوال المدنية للحصول على شهادة وفاة لمن لقي حتفه في زنزانة ما". ويؤكد أبو هاشم أنّ "ذلك تكرّر في حالات كثيرة، لكنّ عامل الخوف يمنع الناس من فضح حقائق كثيرة. فالنظام الأمني القمعي في البلاد لا يرحم من هم في قبضته، بالتالي يضطرون إلى الصمت حول الابتزاز والنصب اللذَين يتعرضون لهما".
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد الفلسطينيين في سورية كان يُقدَّر بنحو نصف مليون نسمة قبل عام 2011، وكان مخيّم اليرموك الواقع جنوبي دمشق والذي تعرّض إلى التدمير يُعَدّ أكبر تجمّع للاجئين الفلسطينيين، علماً أنّ ثمّة أكثر من 13 مخيّماً لهؤلاء موزّعة في كل أنحاء سورية.
ويتحدّث الناشط الفلسطيني ثائر أبو شرخ، المهجّر من جنوب دمشق إلى ريف حلب الشمالي، لـ"العربي الجديد"، عن معاناة عائلات المعتقلين، مشيراً إلى أنّ "ثمّة عائلات فلسطينية كثيرة من تلك التي هُجّرت إلى الشمال السوري، لديها أبناء في سجون النظام، وهي على يقين اليوم بأنّ الحملات الإعلامية والوقفات التضامنية والدعوات لإطلاق سراح المعتقلين لا تجدي أيّ نفع. ومن جهة أخرى، ثمّة خشية لديها من أن يتعرّض المعتقلون إلى القتل تحت التعذيب بسبب مثل تلك الحملات". ويشير أبو شرخ إلى أنّ "عائلات كثيرة اضطرت إلى البقاء في مناطق سيطرة النظام لعلّها تتمكّن من معرفة مصير أبنائها".
من جهته، يقول الناشط في جنوب دمشق أيهم أبو النور لـ"العربي الجديد": "كنت شاهداً على الأوضاع الإنسانية في المنطقة قبل اتفاق التهجير في عام 2018. كنّا معاً نحن وإخوتنا الفلسطينيون في المنطقة، وقد ذاقوا ما ذقناه وعانوا ما عانيناه في خلال سنوات الحصار"، مضيفاً أنّ "النظام لم يفرّق في اعتقالاته ما بين سوريّ وفلسطينيّ". ويشير أبو النور إلى أنّ "ثمّة أهالي فقدوا الأمل بمعرفة مصير أبنائهم، لا بل هم يعدّونهم اليوم في عداد الموتى".