ترتفع نسبة معاداة السوريين في تركيا لأسباب عدة، منها خطاب الكراهية في وسائل الإعلام ومواقف الأحزاب المعارضة التي جعلت الأتراك يعتبرون اللاجئين السوريين مزاحمين لهم على لقمة العيش. رفضٌ امتد إلى تلاميذ المدارس.
بدأت انعكاسات حملات الكراهيّة ضد السوريين، التي قادتها منذ أعوام بعض الأحزاب المعارضة، كحزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، تظهر على الأرض، لترتفع نسبة ملاحقة السوريين المخالفين، إضافة إلى عدم تقبلهم في تركيا والدعوة إلى طردهم من البلاد، باعتبارهم مسؤولين عن تردي الواقع المعيشي وزيادة نسبة البطالة، عدا عن سوء علاقات تركيا السياسية مع العديد من دول العالم، كما تروج المعارضة التركية.
ويكشف استطلاع رأي أعدّه مركز الدراسات التركي في جامعة "قادر هاس"، عن موقف الشعب التركي من اللاجئين السوريين، والذي أجري على عينة من الأتراك في مختلف المحافظات وعلى مدار أربعة أعوام، أن نسبة رفض اللاجئين السوريين وصلت إلى 67 في المائة في عام 2019، بعدما كانت نحو 57 في المائة في عام 2016. وقد شكلت النتائج صدمة لدى المراقبين، خصوصاً أن نسبة الرفض ارتفعت بين جمهور حزب "العدالة والتنمية" الحاكم إلى 59 في المائة، بينما وصلت لدى حزب "الشعب الجمهوري" المعارض إلى أكثر من 80 في المائة.
يعدّ رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون في إسطنبول، رجب شان تورك، أن استمرار ارتفاع نسبة رفض اللاجئين السوريين تتزامن مع الحملات التي بدأتها بعض الأحزاب المعارضة، خصوصاً في عام 2016، بعد الانقلاب الفاشل والانتخابات، والتي حُمّل السوريون بعض نتائجها، ووصل الأمر بزعيم حزب الشعب المعارض للدعوة ولأول مرة إلى طرد السوريين. يضيف شان تورك لـ"العربي الجديد": "هناك متغيرات كبيرة في تركيا على الصعيد الداخلي سياسياً واقتصادياً وعلى الصعيد الخارجي، ما فرض تغييراً في بعض السياسات التركية وضبط وجود اللاجئين. لكن بعض الأحزاب التركية المعارضة استغلت الأمر، مسلطة الضوء على أفعال بعض اللاجئين السوريين، ما زاد من عدم تقبل اللاجئين ورفضهم".
لم تقتصر حملات التحريض وعدم تقبّل السوريين على الشارع والمنشآت الاقتصادية التي يرى بعض الأتراك أنها تنافسهم في إنتاجهم وتزيد من نسبة العاطلين من العمل، بل امتدت إلى المدارس أخيراً. وبدأ التلاميذ السوريون يشعرون بعدم تقبل، إن لم نقل عنصرية، من بعض التلاميذ الأتراك. ويكشف تقرير لمركز الدراسات الاجتماعية التابع لمؤسسة التنمية البشرية التركية "İNGEV" أن أكثر من نصف أفراد المجتمع التركي لا يرغبون بأن يكون أصدقاء أطفالهم من السوريين، كاشفاً عن وجود مسافة بين المجتمع التركي المضيف واللاجئين السوريين. يضيف التقرير أن 55 في المائة من الأتراك لا يرغبون بأن يكوّن أطفالهم صداقات مع سوريين، ويبيّن أن 48 في المائة من المجتمع التركي يرى أن العلاقة بين الأتراك والسوريين تندرج ضمن أكثر العلاقات الاجتماعية توتراً.
ويتابع التقرير أن المشاكل الاقتصادية التي تشهدها تركيا، والمنافسة في سوق العمل الناجمة عن العمالة غير المسجلة، إضافة إلى انتشار لغة الكراهية في وسائل الإعلام خلال الأشهر الأخيرة، كلها عوامل ساهمت في ارتفاع حدة التوتر، إذا ما استثنينا الأهداف السياسية المرجوة من ذلك الاحتقان. ويؤكّد أن نسبة التوتر انعكست سلباً على المجتمع التركي وتقديره لمواقف الحكومة التركية الإنسانية حيال اللاجئين السوريين. ويشير التقرير إلى أن امتنان السوريين الأكبر يرتبط بالبيئة الآمنة التي يعيشون فيها، بحسب ما قال 84 في المئة منهم، في وقت أشار 71 في المائة منهم إلى أن هاجسهم الأكبر يتمثل بقلقهم على مستقبل عائلاتهم. وأظهرت نتائج المسح أن 40 في المائة من الأتراك يقدرون المواقف التركية في هذا الشأن، في وقت أعربت النسبة الأكبر عن دعمها لعودة السوريين إلى بلادهم. كذلك أعرب 17 في المائة من الأتراك عن دعمهم لبرامج ومشاريع الاندماج، في وقت تقول نسبة 44 في المائة منهم إنها تعتقد بأن السوريين أكثر ميلاً لارتكاب الجرائم. وفي ما يتعلق بتجنيس اللاجئين السوريين، أيّد 12 في المائة فقط من الأتراك حصول السوريين على الجنسية التركية، مشيرين إلى ضرورة التعامل معهم على أنهم مواطنون.
في السياق، تقول المدرّسة منار يوسف عبود: "تختلف درجة تقبل السوريين في تركيا من ولاية إلى أخرى"، مشيرة إلى أن الحملات التي قامت ضد وجود اللاجئين السوريين بدأت في إسطنبول أولاً، وإن كان هناك فرق في الأحياء المحافظة (كالفاتح وأيوب سلطان) التي ما زالت ترحب بالسوريين، في مقابل أخرى مثل كجيهانغير وشيشلي، تطالب بطرد السوريين وتحملهم وزر التردي المعيشي والمشاكل السياسية. تتابع عبود: "حتى الأطفال السوريين بدأوا يدركون عدم تقبل بعض الشارع التركي لهم. حين أسأل تلميذاً هل أنت سوري؟ ينكر أحياناً. وهذا ليس حصراً في المدارس فقط، بل يمتد إلى الشارع". وتشير إلى أن الأطفال السوريين في المدارس قلّصوا التكتل في ما بينهم، حتى لا يُستهدفون، خصوصاً بعد ملاحظة بعض العنصرية من قبل التلاميذ الأتراك حيال زملائهم السوريين، والتي لم تكن أبداً موجودة خلال سنوات اللجوء الأولى. على العكس، كان التلميذ السوري موضع ترحيب.
تجدر الإشارة إلى أن نحو 750 ألف سوري يعملون بشكل غير شرعي على الأراضي التركية، في وقت أسّس المستثمرون السوريون أكثر من 10 آلاف شركة، تعمل في معظمها ببيع المنتجات إلى السوريين، أو تصديرها إلى الدول العربية. وتعيش الغالبية العظمى من السوريين البالغ عددهم نحو 3.6 ملايين سوري في تركيا تحت بند "الحماية المؤقتة"، ويقدّر متوسط أعمار اللاجئين السوريين على الأراضي التركية بنحو 21 عاماً.