يُعِدّ أبناء سيناء أنفسهم "أصحاب قضية عادلة وبها يواجهون كلّ السياسات الضاغطة عليهم في سبيل تهجيرهم من أرضهم، كما هي الحال في مدينة رفح وأجزاء واسعة من مدينة الشيخ زويد". هذا ما يؤكده شيخ قبلي وسط التضييق على الأضاحي اليوم.
في أحدث أساليب التضييق على المواطنين في محافظة شمال سيناء، ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تفرض السلطات الأمنية المصرية إجراءات مشددة على إدخال الأضاحي إلى مدن المحافظة، خصوصاً رفح والشيخ زويد والعريش. ويتطلب إدخال الأضاحي إلى هذه المدن، تنسيقاً (إذناً) أمنياً، يشمل تفاصيل كثيرة، من شأنها أن تدفع المواطن للتفكير ملياً قبل اتخاذ قرار الأضحية لهذا العام، خصوصاً في ظل سوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تعيشها المحافظة منذ سنوات. وبالرغم من الدعوات إلى تخفيف الإجراءات المفروضة على سكان المحافظة، فالجهات المعنية لا تتجاوب مع شكاوى المواطنين ومطالبهم.
يقول أحد وجهاء مدينة العريش لـ"العربي الجديد" إنّ "المعاناة في المدينة طاولت مختلف مناحي الحياة وتفاصيلها، وشملت حتى المواسم والأعياد، بما في ذلك الأضاحي، التي باتت تحتاج إلى الحصول على التنسيق الأمني من قبل السلطات، كي يسمح لها بالدخول إلى المدينة، في حال قرر المواطن الأضحية هذا العام، وشراء الأضاحي من خارج سيناء، لعدم توفّر الأضاحي في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، كما كانت الحال قبل بدء الحرب عام 2013، بعدما دمر الجيش المصري كثيراً من المزارع والأراضي الزراعية وأماكن تربية الحيوانات في تلك المدن". يضيف الوجيه نفسه الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أنّ "ذلك دفع المواطنين إلى شراء الأضاحي من خارج المحافظة، خصوصاً محافظة الإسماعيلية، لكن من غير الممكن إيصالها إلى العريش وما بعدها من دون امتلاك الإذن الأمني المفروض على كلّ البضائع الواردة إلى مدن شمال سيناء، ومن شأن ذلك أن يدفع المواطنين إلى الامتناع عن شراء الأضاحي، خصوصاً أنّ المسألة لا تقتصر على الإذن الأمني، بل تمتد إلى بقاء الأضاحي على الطريق لأيام عدّة، ما يهدد بنفوقها".
ويتابع الوجيه نفسه أنّ "عدد المواطنين المقبلين على الأضحية هذا العام سيكون قليلاً، وهذا يعود لأسباب عدّة أبرزها الظروف المعيشية الصعبة نتيجة الحصار المفروض على المحافظة، والتضييق على الأعمال، وضعف الحركة التجارية منذ بدء العملية العسكرية الشاملة، الناجمة عن تدمير الجيش عدة مصانع جنوبي مدينة العريش، بالإضافة إلى إغلاق البحر في وجه الصيادين لأكثر من عام ونصف، عدا عن تجريف مئات الدونمات الزراعية، وكذلك ضعف حركة المواصلات في ظلّ صعوبة الحصول على الوقود، والانتظار في طوابير طويلة أمام محطة الوقود الوحيدة العاملة في المدينة، بالإضافة إلى قضية التنسيق الأمني، عدا عن تشرذم العائلات وتفرقها بين المدن، نتيجة حالة التهجير القسري التي طاولت كلّ مدن المحافظة، إذ إنّ العائلات اعتادت على التشارك في الأضاحي، ومعايشة أجواء العيد طوال العقود الماضية، لكنّ هذه الأجواء اختفت تدريجياً مع سنوات الحرب الدائرة منذ صيف عام 2013، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا".
تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من استمرار المعارك بين الجيش المصري وتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، فإنّ مدن محافظة شمال سيناء (العريش، والشيخ زويد، ورفح، ووسط سيناء) التي تشهد المعارك ما زالت تحتضن مئات الأسر السيناوية التي رفضت ترك أراضيها تحت ضغط الظروف الأمنية والاقتصادية التي أوجدتها سياسات الأمن المصري تجاه المحافظة طوال السنوات الستّ الماضية، وتصر هذه العائلات على الاستمرار في العيش وممارسة طقوس المواسم والأعياد ولو بالحدّ الأدنى متحدية كلّ الظروف.
من جهته، يقول أبو ياسر السويركي، أحد أبرز مشايخ سيناء لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمن المصري يحاول بكل ما أوتي من قوة التضييق على أهالي سيناء الذين رفضوا ترك أراضيهم ومنازلهم، على الرغم من كلّ الخسائر التي تعرضوا إليها، من قتل لأبنائهم وتجريف لأراضيهم وحرمانهم من أعمالهم ومصادر رزقهم. ويشمل هذا التضييق مختلف مناحي الحياة كالكهرباء والمياه والمواصلات والأعمال التجارية، بالإضافة إلى قضية الأضاحي التي تُعَدّ من حقوق المواطنين في ممارسة الشعائر الدينية كبقية المدن المصرية، لكنّ الحال في محافظة شمال سيناء تختلف عن بقية المحافظة لجهة سوء تعامل الأمن مع المواطنين وعدم إعطائهم الفرصة في ممارسة الحياة بالشكل الطبيعي حتى في المواسم والأعياد الدينية التي من المفترض أن تشكل فرصة لالتقاط الأنفاس من الظروف الصعبة التي تعيشها المحافظة والأحداث الأمنية المستمرة فيها".
ويوضح السويركي أنّ "لا حجة أمنية كافية لفرض التنسيق الأمني على الأضحية، وكذلك الحال مع بقية البضائع والمواد الواردة إلى سيناء، خصوصاً في أعقاب العملية العسكرية الشاملة، غير أنّ سياسة التنغيص على المواطنين أوصلت الحال إلى أن يجري فرض إجراءات أمنية على الأضاحي". يضيف أنّ ذلك "يستدعي تحركاً جاداً من الأطراف الحكومية المعنية في سيناء لإنهاء هذه المسألة والتخفيف عن كاهل المواطنين وتوفير احتياجاتهم بأسعار مخفضة بدلاً من الضغط عليهم والتضييق بشتى الوسائل الممكنة، ما أدّى إلى حالة من النفور في أوساط من لا حول لهم ولا قوة في مواجهة الأمن وقراراته الخشنة التي تتابعت خلال المرحلة الماضية وحوّلت حياة المواطنين في سيناء إلى جحيم حقيقي لا يمكن لأيّ إنسان تحمله".