كان أهالي الريف والأطراف في السودان سباقين بالنزول إلى الشارع والاحتجاج ضد كل ما عانوه من ظلم وتهميش. وبعد نجاح الثورة، يأملون في الحدّ من المآسي والفقر والنزوح والهجرة إلى خارج البلاد، بحثاً عن خدمات وحياة أفضل
منذ اندلاع الثورة السودانية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لم تكن لافتةً مشاركة الريف والأطراف النائية في الحراك فحسب، بل إشعال تلك المناطق لفتيل الثورة قبل العاصمة الخرطوم، ودفع أهلها أثماناً باهظة من خلال سقوط ضحايا. وتثير تلك المشاركة الريفية تساؤلات عن دوافع أهل الريف وتمنياتهم لما بعد النجاح.
شارك الكثير من القرى الريفية في الثورة ضد نظام المخلوع عمرالبشير، وقد برزت أسماؤها في وسائل الإعلام ضمن يوميات الثورة السودانية أو ما تسميه المعارضة التوقيع على دفتر الحضور الثوري الممثل في التظاهرات والمواكب والإضراب عن العمل والعصيان المدني الشامل.
وسبق أن نجحت ثورتان شعبيّتان في الإطاحة بنظامين عسكريين في عامي 1964 و1985، لكنهما تركزتا في العاصمة الخرطوم وعدد قليل من المدن الكبيرة. على العكس من ذلك، خرجت كل الولايات السودانية في تظاهرات احتجاجية قبل أن يصل قطار الثورة إلى الخرطوم في 25 ديسمبر/ كانون الأول. وسبقت العاصمة أكثر من 15 مدينة وقرية سودانية، أبرزها عطبرة وبورتسودان والقضارف والجزيرة أبا والأبيض وغيرها.
يقول أحمد أبشر، وهو عضو قيادي في اتحاد مزارعي ولاية القضارف (شرق البلاد)، التي شاركت في الثورة، إن الدافع الأساسي لخروج الريف والأطراف والولايات إلى الشارع قبل العاصمة الخرطوم مرتبط بالإهمال المتعمد من قبل الحكومات المركزية للريف، ما أدى إلى نتائج اجتماعية سلبية كالنزوح من الريف إلى المدن الكبيرة، حتى عاش الريف حالة أشبه بالفراغ السكاني. كما يتطرق إلى التغيرات المناخية التي أثرت على الإنتاج، وبالتالي تدهورت ظروف الريفيين المعيشية.
يوضح أبشر لـ "العربي الجديد" أنّ وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في معرفة سكان الأطراف بما يدور في البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ما أدى إلى تشكيل مواقفهم التي تحولت إلى فعل مع خروجهم في التظاهرات الأولى.
من جهته، يقول أستاذ الإعلام في جامعة البحر الأحمر حيدر عبد الحفيظ: "السرعة التي تمتاز بها وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الناس في الأطراف والأرياف على درجة متساوية من الإدراك والوعي مع القاطنين في المدن، لا سيما وأن الرسائل التي استخدمت للحشد الثوري كانت بسيطة". ويشير إلى أن تلك الرسائل غيرت الكثير من المفاهيم الاجتماعية، وجعلت الريفيين أكثر ثقة في أنفسهم، ليكونوا جزءاً من التغيير السياسي والاجتماعي.
اقــرأ أيضاً
ويوضح عبد الحفيظ لـ "العربي الجديد" أن الشعور بغياب العدالة والمعاناة في الأطراف سببان رئيسيان لحماسة أهل تلك المناطق للثورة، والتضحية من خلال استشهاد عدد من أبناء تلك المناطق خلال الحراك الثوري. ويوضح أن المعاناة تشمل تردي الخدمات التعليمية والصحية وازدياد معدلات الفقر، مستشهداً بولاية البحر الأحمر التي تعد واحدة من الولايات السياحية، والتي تضررت كثيراً من جراء ضعف الخدمات أو انعدامها، وانتشار الفقر والبطالة، وغياب البنى التحتية، إضافة إلى مشكلة مياه الشرب النقية التي ظلت تؤرق أهل الولاية طوال السنوات الماضية، على الرغم من الوعود المتكررة من الحكومات المركزية بحل المشكلة.
ويتوقّع عبد الحفيظ أن تقابل حكومة ما بعد الثورة ما حدث بالاهتمام بحلحلة مشاكل الخدمات الصحية والتعليمية، وزيادة نسب توظيف أبناء تلك الولايات في الخدمة المدنية، والتأسيس لمشاريع تنموية ريفية حقيقية، والتركيز على مشاريع الأمن الغذائي، ونشر الوعي وسط المجتمعات الريفية التي ما زالت تحتفظ بعادات وتقاليد بالية.
أما الصحافي ماهر أبو الجوخ، فيعزو مشاركة الريف في الثورة إلى السياسات الاقتصادية التي اتبعها نظام المعزول عمر البشير خلال 30 عاماً من حكمه، ما أدى إلى انهيار القطاعات الإنتاجية التقليدية والقطاع الزراعي والحيواني. ويوضح أن انهيار تلك القطاعات بسبب إهمال الدولة المتعمد أدى إلى رفع مستويات الفقر في المناطق الريفية وخارج المدن الكبيرة، وتفاقم مشاكل أهل الريف. "إذا كان سكان المناطق الحضرية يعانون، فمن المؤكد أن القاطنين في المناطق الريفية يعانون عشرة أضعاف ما يعانيه سكان المناطق الحضرية".
ويؤكّد أبو الجوخ لـ "العربي الجديد" أن التأثيرات السلبية على مجتمع الريف شملت زيادة النزوح نحو العاصمة، بحثاً عن خدمات أفضل في قطاعي التعليم والصحة. كما زادت نسبة الهجرة إلى الخارج، خصوصاً بين الشباب. وشكلت تلك السياسات طبقة جديدة وجعلت فئة من الناس أكثر فقراً، في وقت برزت أخرى ترتبط بالنظام السابق، ما خلق حالة غبن واسعة خصوصاً أن التحول لم يتم بصورة طبيعية بل من خلال سياسات ممنهجة الغرض منها إفقار فئات ودعم أخرى من خلال اتباع طريق فيه الكثير من الفساد، وتدمير المؤسسات الاجتماعية والمشاريع الاقتصادية، التي كان أثرها الاجتماعي واضحاً جداً بالنسبة لأبناء الأطراف والريف.
اقــرأ أيضاً
ويطالب أبو الجوخ حكومة ما بعد الثورة بأن تضع مشاكل الريف في مقدمة أولوياتها، وتحويل الدولة السودانية من دولة جباية إلى دولة رعاية، وأن تشرف على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم في الأطراف بدلاً من تركها لحكومات محلية، وتبديل السياسة الاقتصادية الحالية وتنمية القطاع الزراعي، واعتبار الأمر رافعة للاقتصاد ووسيلة أنجع لمحاربة الفقر، ووضع الميزانية في شهر يوليو/ تموز بدلاً من يناير/كانون الثاني. فخلال يوليو، تظهر النتائج الحقيقية للحصاد الزراعي الذي يمكن الاعتماد عليه في الميزانية بدلاً من الاعتماد على تقديرات. يضيف أن ذلك يتيح فرصة التوسع في المشاريع الزراعية التي تعد مربط الفرس، والأساس لمعالجة كافة المشاكل الاجتماعية والحصول على حياة أفضل.
لكن أبشر يرى أنه لا يجب رفع سقف الأمنيات أو الآمال بعد الثورة، خصوصاً لناحية علاج أزمات المناطق الريفية، لأن الانهيار في مؤسسات الدولة كبير جداً ويحتاج إلى مدة طويلة قبل التعافي من أمراض السنوات الماضية. ويشير إلى أنه "لا يمكن أن تحدث تنمية اقتصادية واجتماعية في الريف إلا من خلال إصلاح اقتصاد الدولة بشكل كامل، وهذا يتطلب تغييراً كاملاً في اقتصاد الدولة، ما يتطلب جهداً كبيراً. علينا أن نوضح ذلك للناس حتى لا يصطدموا بالواقع الجديد".
شارك الكثير من القرى الريفية في الثورة ضد نظام المخلوع عمرالبشير، وقد برزت أسماؤها في وسائل الإعلام ضمن يوميات الثورة السودانية أو ما تسميه المعارضة التوقيع على دفتر الحضور الثوري الممثل في التظاهرات والمواكب والإضراب عن العمل والعصيان المدني الشامل.
وسبق أن نجحت ثورتان شعبيّتان في الإطاحة بنظامين عسكريين في عامي 1964 و1985، لكنهما تركزتا في العاصمة الخرطوم وعدد قليل من المدن الكبيرة. على العكس من ذلك، خرجت كل الولايات السودانية في تظاهرات احتجاجية قبل أن يصل قطار الثورة إلى الخرطوم في 25 ديسمبر/ كانون الأول. وسبقت العاصمة أكثر من 15 مدينة وقرية سودانية، أبرزها عطبرة وبورتسودان والقضارف والجزيرة أبا والأبيض وغيرها.
يقول أحمد أبشر، وهو عضو قيادي في اتحاد مزارعي ولاية القضارف (شرق البلاد)، التي شاركت في الثورة، إن الدافع الأساسي لخروج الريف والأطراف والولايات إلى الشارع قبل العاصمة الخرطوم مرتبط بالإهمال المتعمد من قبل الحكومات المركزية للريف، ما أدى إلى نتائج اجتماعية سلبية كالنزوح من الريف إلى المدن الكبيرة، حتى عاش الريف حالة أشبه بالفراغ السكاني. كما يتطرق إلى التغيرات المناخية التي أثرت على الإنتاج، وبالتالي تدهورت ظروف الريفيين المعيشية.
يوضح أبشر لـ "العربي الجديد" أنّ وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في معرفة سكان الأطراف بما يدور في البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ما أدى إلى تشكيل مواقفهم التي تحولت إلى فعل مع خروجهم في التظاهرات الأولى.
من جهته، يقول أستاذ الإعلام في جامعة البحر الأحمر حيدر عبد الحفيظ: "السرعة التي تمتاز بها وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الناس في الأطراف والأرياف على درجة متساوية من الإدراك والوعي مع القاطنين في المدن، لا سيما وأن الرسائل التي استخدمت للحشد الثوري كانت بسيطة". ويشير إلى أن تلك الرسائل غيرت الكثير من المفاهيم الاجتماعية، وجعلت الريفيين أكثر ثقة في أنفسهم، ليكونوا جزءاً من التغيير السياسي والاجتماعي.
ويوضح عبد الحفيظ لـ "العربي الجديد" أن الشعور بغياب العدالة والمعاناة في الأطراف سببان رئيسيان لحماسة أهل تلك المناطق للثورة، والتضحية من خلال استشهاد عدد من أبناء تلك المناطق خلال الحراك الثوري. ويوضح أن المعاناة تشمل تردي الخدمات التعليمية والصحية وازدياد معدلات الفقر، مستشهداً بولاية البحر الأحمر التي تعد واحدة من الولايات السياحية، والتي تضررت كثيراً من جراء ضعف الخدمات أو انعدامها، وانتشار الفقر والبطالة، وغياب البنى التحتية، إضافة إلى مشكلة مياه الشرب النقية التي ظلت تؤرق أهل الولاية طوال السنوات الماضية، على الرغم من الوعود المتكررة من الحكومات المركزية بحل المشكلة.
ويتوقّع عبد الحفيظ أن تقابل حكومة ما بعد الثورة ما حدث بالاهتمام بحلحلة مشاكل الخدمات الصحية والتعليمية، وزيادة نسب توظيف أبناء تلك الولايات في الخدمة المدنية، والتأسيس لمشاريع تنموية ريفية حقيقية، والتركيز على مشاريع الأمن الغذائي، ونشر الوعي وسط المجتمعات الريفية التي ما زالت تحتفظ بعادات وتقاليد بالية.
أما الصحافي ماهر أبو الجوخ، فيعزو مشاركة الريف في الثورة إلى السياسات الاقتصادية التي اتبعها نظام المعزول عمر البشير خلال 30 عاماً من حكمه، ما أدى إلى انهيار القطاعات الإنتاجية التقليدية والقطاع الزراعي والحيواني. ويوضح أن انهيار تلك القطاعات بسبب إهمال الدولة المتعمد أدى إلى رفع مستويات الفقر في المناطق الريفية وخارج المدن الكبيرة، وتفاقم مشاكل أهل الريف. "إذا كان سكان المناطق الحضرية يعانون، فمن المؤكد أن القاطنين في المناطق الريفية يعانون عشرة أضعاف ما يعانيه سكان المناطق الحضرية".
ويؤكّد أبو الجوخ لـ "العربي الجديد" أن التأثيرات السلبية على مجتمع الريف شملت زيادة النزوح نحو العاصمة، بحثاً عن خدمات أفضل في قطاعي التعليم والصحة. كما زادت نسبة الهجرة إلى الخارج، خصوصاً بين الشباب. وشكلت تلك السياسات طبقة جديدة وجعلت فئة من الناس أكثر فقراً، في وقت برزت أخرى ترتبط بالنظام السابق، ما خلق حالة غبن واسعة خصوصاً أن التحول لم يتم بصورة طبيعية بل من خلال سياسات ممنهجة الغرض منها إفقار فئات ودعم أخرى من خلال اتباع طريق فيه الكثير من الفساد، وتدمير المؤسسات الاجتماعية والمشاريع الاقتصادية، التي كان أثرها الاجتماعي واضحاً جداً بالنسبة لأبناء الأطراف والريف.
ويطالب أبو الجوخ حكومة ما بعد الثورة بأن تضع مشاكل الريف في مقدمة أولوياتها، وتحويل الدولة السودانية من دولة جباية إلى دولة رعاية، وأن تشرف على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم في الأطراف بدلاً من تركها لحكومات محلية، وتبديل السياسة الاقتصادية الحالية وتنمية القطاع الزراعي، واعتبار الأمر رافعة للاقتصاد ووسيلة أنجع لمحاربة الفقر، ووضع الميزانية في شهر يوليو/ تموز بدلاً من يناير/كانون الثاني. فخلال يوليو، تظهر النتائج الحقيقية للحصاد الزراعي الذي يمكن الاعتماد عليه في الميزانية بدلاً من الاعتماد على تقديرات. يضيف أن ذلك يتيح فرصة التوسع في المشاريع الزراعية التي تعد مربط الفرس، والأساس لمعالجة كافة المشاكل الاجتماعية والحصول على حياة أفضل.
لكن أبشر يرى أنه لا يجب رفع سقف الأمنيات أو الآمال بعد الثورة، خصوصاً لناحية علاج أزمات المناطق الريفية، لأن الانهيار في مؤسسات الدولة كبير جداً ويحتاج إلى مدة طويلة قبل التعافي من أمراض السنوات الماضية. ويشير إلى أنه "لا يمكن أن تحدث تنمية اقتصادية واجتماعية في الريف إلا من خلال إصلاح اقتصاد الدولة بشكل كامل، وهذا يتطلب تغييراً كاملاً في اقتصاد الدولة، ما يتطلب جهداً كبيراً. علينا أن نوضح ذلك للناس حتى لا يصطدموا بالواقع الجديد".