تشكيك في جدوى جامعات روسيا

13 يوليو 2019
هل سيخدمه التعليم العالي؟ (فلاديمير سميرنوف/ Getty)
+ الخط -
على الرغم مما يوفره التعليم العالي من فرص الحصول على المعرفة وتطوير طريقة التفكير وفرص العمل والوصول إلى مكانة اجتماعية مرموقة، إلا أنّ أعداداً متزايدة من الشباب الروس باتوا يشككون في جدواه، وفي ما إذا كان سيضمن لهم الالتحاق بوظيفة في إطار تخصصهم تلبي طموحاتهم المادية والمهنية.

أظهر استطلاع حديث أجراه موقع "سوبر جوب" لإعلانات الوظائف، أنّ 47 في المائة فقط ممن استطلعت آراؤهم قالوا إنّ أبناءهم يعتزمون الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي في عام 2019، وذلك مقابل 80 في المائة من خريجي المدارس أعربوا في عام 2010 عن نيتهم مواصلة الدراسة في مرحلة الجامعة.

مع ذلك، تعتبر الأستاذة بقسم إدارة الموارد البشرية بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، يلينا فارشافسكايا، أنّ الأرقام التي تظهر تراجعاً لهيبة التعليم العالي في روسيا مخادعة، كونها لا تعكس نسبة من يلتحقون بالجامعات بعد الدراسة بالمعاهد المتوسطة.




وتقول فارشافسكايا في حديث إلى "العربي الجديد": "هناك انتشار لحالات الالتحاق بالجامعات بعد الحصول على التعليم الفني المتوسط، إذ يلتحق ثلث خريجي المعاهد المتوسطة بمؤسسات التعليم العالي في سنة التخرج نفسها. يسلك هؤلاء هذا الطريق خوفاً من عدم اجتياز امتحانات الثانوية العامة، فيختار نحو نصف خريجي المدارس الإعدادية الالتحاق بالمعاهد المتوسطة التي تصبح في نهاية المطاف طريقاً إلى الجامعة، وإنْ بنظام الانتساب".

وحول تأثير حمل شهادة التعليم العالي على السلم الوظيفي للخريجين، تضيف: "ما زالت أجور خريجي الجامعات أعلى من غيرهم، كما أنّ نسبة البطالة بينهم هي الأدنى. بات التعليم العالي من الضروريات، لكنّه ليس في متناول الجميع، والشعور بأنّ كلّ الناس حولنا من حاملي الشهادات مخادع. يبلغ عدد الحاصلين على شهادات التعليم العالي 30 في المائة تقريباً بين مجموع سكان روسيا ونحو 40 إلى 45 في المائة بين الشباب".

إلى ذلك، أظهر استطلاع أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" في إبريل/ نيسان الماضي، أنّ 47 في المائة من حاملي الشهادات العليا لا يعملون في إطار تخصصهم، ما يطرح تساؤلات حول تخريج أعداد مفرطة من المتخصصين في مجالات مثل القانون والاقتصاد والإدارة مقابل قلة أعداد أصحاب المهن الهندسية وبعض المهن التي لا تقتضي دراسة جامعية.

في المقابل، تشكك فارشافسكايا في دقة مثل هذه التقديرات: "هذه أسطورة، وليس هناك نقص في أعداد المهندسين ولا أعداد مفرطة من الاقتصاديين. لن تؤدي زيادة عدد الدارسين بكليات الهندسة على نفقة الدولة، سوى إلى تراجع مستوى الملتحقين بها. مع ذلك، قد يتراجع الإقبال على التعليم العالي بعد نحو 15 عاماً من الآن في حال لم نحقق تنمية اقتصادية".

ومن مؤشرات عدم وجود نقص بالمهن التي لا تتطلب تعليماً جامعياً في روسيا، توافد ملايين المهاجرين من الجمهوريات السوفييتية السابقة، لا سيما دول آسيا الوسطى، ولا تزيد نسبة التعليم العالي بينهم عن 17 في المائة، وهي بذلك أقل كثيراً من نسبة حاملي الشهادات بين مواطني البلاد. تعلق فارشافسكايا على ذلك: "يشغل المهاجرون وظائف لا تتطلب شهادة جامعية، ويسجلون تراجعاً مهنياً عند وصولهم إلى روسيا، وهو أمر يحدث بجميع الدول المستقبلة للهجرة تقريباً. لكنّ المهاجرين الوافدين إلى روسيا، لا سيما الآتين من آسيا الوسطى، لا يعوضون هذا التراجع في ما بعد. صحيح أنّ هناك مهاجرين يشغلون وظائف مثل المعلمين والأطباء، لكنّ ذلك لا يحدث على نطاق واسع".

وعلى الرغم من كلّ مميزات التعليم العالي، إلا أنّ المناقشات بين الشباب حول الجدوى منه تتزايد على شبكة الإنترنت، فباتت مقاطع الفيديو حول هذه القضية تنال عشرات الآلاف من المشاهدات. يصف أحد المدونين الذي أنشأ قناة حول إدارة الأموال وكيفية تكوين الثروات على موقع "يوتيوب" التعليم بمرحلتيه التقليديتين، أي المدرسة والجامعة، بأنّه "فقدان الوقت بلا جدوى" كونه لا يعلّم لا كيفية جني الأموال ولا بناء علاقات عاطفية سعيدة ولا تحقيق التناغم في الحياة ولا الرجولة أو الأنوثة. مع ذلك، يشيد مقدم الحلقة بالمهارات التي يمكن اكتسابها أثناء العملية التعليمية، مثل مهارة التواصل مع الآخرين والالتزام واستيعاب المعلومات وكيفية تطبيقها.




يشار إلى أنّ الجامعات الروسية تمكنت من تحسين تصنيفها بين جامعات العالم، إذ سجلت 15 جامعة روسية ارتقاء لمرتبتها في تصنيف أفضل الجامعات الذي تعده شركة "كواكواريلي سايموندز" البريطانية، وفي مقدمتها جامعة "موسكو الحكومية" التي حلت في المرتبة 84 عالمياً، ما سيوفر مزيداً من إقبال الطلاب الأجانب عليها.
المساهمون