في المجتمعات الفقيرة، تتعرّض النساء إلى انتهاكات كثيرة، منها استغلالهنّ والاتّجار بهنّ. في باكستان على سبيل المثال، راحت تنتشر ظاهرة خداع فتيات من قبل رجال صينيين يتزوّجونهنّ قبل أن يستغلّوهنّ بطرق مختلفة.
في الأيام الأخيرة، أثارت قضية اتّجار بعض الصينيين بفتيات باكستانيات، تحت غطاء الزواج بهنّ، جدالاً كبيراً في الأوساط الباكستانية، سواءً الشعبية منها أو الإعلامية أو السياسية أو القضائية، في حين دعت الصين إلى مقاضاة الضالعين في ذلك، معلنة وقوفها إلى جانب باكستان. وكان 30 مواطناً صينياً قد زُجّ بهم في السجن بتهمة خداع فتيات واستغلالهنّ، في حين اعتُقل عدد من الباكستانيين، نساء ورجال، ساعدوا الصينيين في الوصول إلى الفتيات الباكستانيات. وتزامن ذلك مع قرارات للسلطات الباكستانية بتفتيش الشركات التي كانت تصدر تأشيرات باكستانية إلى الصين أو تساعد في تلك العمليات.
أوضحت هيئة التحقيقات الفدرالية، في بيان، أنّ المتهمين بمعظمهم يدّعون أنّهم قصدوا باكستان بنية التجارة وكذلك الزواج، لكنّ التحقيقات تشير إلى أنّهم ضالعون في قضايا أخرى. بالتالي، قرّرت الهيئة توسيع دائرة التحقيقات والتفتيش، للتأكد من تورّط شركات السفر التي ساعدت هؤلاء في الحصول على تأشيرات، في القضية. وذكرت الوكالة أنّ التحقيقات شملت 11 شركة سفر، طُلب منها تقديم كل سجلاتها والأوراق التي قدّمها لها المواطنون الصينيون المعنيون من أجل الحصول على تأشيرة باكستانية. كذلك عبّرت الهيئة عن خشيتها من ضلوع بعض المسؤولين في الحكومة وبعض الإدارات في ذلك، تحديداً في مدينة لاهور مركز إقليم البنجاب.
وأوضحت الهيئة أنّ ظاهرة زواج الصينيين بالباكستانيات امتدت إلى أقاليم باكستانية مختلفة بعدما انطلقت من البنجاب، مشيرة إلى أنّ عدداً كبيراً من الباكستانيات المعنيات من الأقلية المسيحية. في مدينة فيصل أباد (إقليم البنجاب)، أفادت إدارة التحقيقات الخاصة بشؤون الأجانب، في بيان، بأنّ ثمّة خليّة تنشط في المدينة منذ أسابيع وأنّ الإدارة حصلت على معلومات تؤكد أنها تمكّنت من تزويج 18 فتاة مسيحية برجال صينيين نقلوا عدداً منهنّ إلى الصين. أضافت الإدارة أنّ ذوي هؤلاء الفتيات صرّحوا بأنّ بناتهنّ استُخدمنَ في "أعمال غير أخلاقية".
في بيان آخر أصدرته هيئة التحقيقات الفدرالية، كشفت أنّ الأرقام التي حصلت عليها تشير إلى أنّ نحو 1500 مواطن صيني تزوّجوا بفتيات باكستانيات، وأنّ فتيات منهنّ تمّ استغلالهنّ بالفعل في "أعمال غير أخلاقية". أضافت الهيئة في البيان نفسه أنّه من ضمن الموقوفين في هذا الإطار ثلاث نساء باكستانيات كنّ يساعدنَ في البحث عن فتيات لاستغلالهنّ. وهؤلاء النساء اعتقلنَ في مدينة لاهور، عاصمة إقليم البنجاب. وأشارت الهيئة إلى أنّ ثمّة فتيات باكستانيات زُوّجنَ مرّتَين أو ثلاث مرّات أو أكثر، لكنّهنّ التزمنَ الصمت لأنّ المافيا المعنيّة هدّدتهنّ بعواقب وخيمة في حال كشفنَ الأمر وقصدنَ الشرطة والقوى الأمنية.
تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة طريقتَين للعثور على فتيات لاستغلالهنّ في عمليات مماثلة، بحسب هيئة التحقيقات الفدرالية. الطريقة الأولى عبر الباكستانيات والباكستانيين الذين يساعدون المافيا أو الصينيين الذين يتّجرون بالفتيات، أمّا الثانية فمن خلال الاتصال بالفتيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً "فيسبوك". وبعد التعرّف والدردشة لفترة معيّنة، يُعرض الزواج على الفتاة وكذلك زيارة منزل العائلة. وأوضحت الهيئة أنّ الصينيين، وجلّهم من الشباب، يختارون الفتيات من الطبقة الفقيرة ويقدّمون لهنّ هدايا ثمينة ويعرضون عليهنّ العيش في الصين ثمّ يقنعون ذويهنّ بالزواج في مقابل المال.
في سياق متصل، أصدرت السفارة الباكستانية في بكين بياناً أوضحت فيه أنّها تمكّنت بالتنسيق مع جهات صينية مختلفة من العثور على 20 فتاة أُحضِرنَ إلى الصين بعد زواجهنّ. أضافت السفارة أنّ الفتيات أفدنَها بأنّ الرجال الذين تزوّجوا بهنّ كانوا يهددونهنّ بانتزاع أعضاء من أجسادهنّ في حال كشفنَ الحقيقة وأخبرنَ أيّاً كان بما يعشنَه. ولفتت السفارة الباكستانية إلى أنّها تلقّت مئات الشكاوى من قبل مواطنين ومن قبل هيئة التحقيقات الفدرالية وهي تتواصل باستمرار مع السلطات الصينية من أجل العثور على مزيد من الفتيات اللواتي تعرّضنَ وكذلك ذووهنّ للخداع.
من جهتها، أفادت السفارة الصينية في إسلام أباد في بيان مقتضب بأنّ بكين تؤيّد معاقبة الضالعين في تلك القضايا وفق القانون الباكستاني، وتساند كل الجهود المبذولة من أجل العدالة والإنصاف، مشيرة إلى أنّ الصين تطّلع كذلك على التقارير الأخيرة حول القضية وتأخذها على محمل الجدّ. أضافت أنّ وفداً من وزارة الأمن العام الصينية حضر إلى باكستان للمساهمة في التحقيقات، مؤكدة أنّها تقف إلى جانب الصينيين الذين قصدوا باكستان من أجل الزواج غير أنّها تدين أيّ عمل إجرامي تحت ذلك الغطاء. لكنّ السفارة الصينية رفضت تهماً باستخدام الباكستانيات في "أعمال غير أخلاقية" أو تهديدهنّ بانتزاع أعضاء من أجسادهنّ، وطالبت الشعب الباكستاني بعدم الإنصات إلى مثل تلك الشائعات.