أعراس ليبيا... "فضانية" و"كرمود" و"نجمة" مهددة بالاختفاء

17 مايو 2019
الاستعراضات اقتصرت على بعض القبائل (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
في الماضي، كانت تتخلل أيام العرس في ليبيا طقوس تحوله إلى مراحل عديدة لا يمكن تجاوزها. يبدأ ذلك من "الفضانية" مروراً بـ"المستأذنات" ثم "يوم القفة والحنة" و"يوم الكرمود" ثم "يوم النجمة". بعد ذلك يقام حفل منفصل يسمى "الأسبوع"، في سلسلة منتظمة تجمع الأسر المتصاهرة.

يشرح بشير حمودة، المهتم بالتراث، ومؤلف كتاب "صور الجهاد الليبي في الموروث الشعبي" تلك السلسلة: "الفضانية هي الاتفاق المبدئي بين أهل كلّ من العروس والعريس على شروط المهر والصداق. ويبدأ العرس بحفلات أسرية مصغرة بداية أسبوع العرس معروفة بالمستأذنات وهنّ نساء من الأسرتين ينظمن احتفالين منفصلين في منزل كلّ من الطرفين، في إشارة إلى الاستئذان، والإعلان للجيران ببدء أيام العرس".

يتابع حمودة حديثه إلى "العربي الجديد": "يوم القفة والحنة يعرف في بعض المناطق بالجهاز، إذ تزور فيه أسرة العريس جماعياً أسرة العروس لتقديم الملبوسات والحليّ المتفق عليها في الفضانية وتزيين العروس بالحناء". أما "يوم الكرمود فهو يوم زفاف العروس لعريسها. والكرمود هو الهودج الذي يوضع على الجمل قديماً لزفاف العروس وقد استمرت تسمية يوم الزفاف به حتى وقت قريب بالرغم من تغير وسائل النقل" ويبين أنّ العرس ينتهي بـ"يوم النجمة" وفيه يحرص أهل العروس على زيارة ابنتهم في صبيحة اليوم التالي لزفافها. وبالرغم من انتهاء العرس في هذا اليوم، يقول حمودة إنّ "أهل العريس يردون الزيارة برفقة العروس لأسرتها أول مرة منذ زفافها، بعد أسبوع من العرس وغالباً ما يكون العريس برفقتهم، إذ تكون الزيارة الأولى له إلى أسرة حمويه وأبنائهما".

يذكر عمر الخازمي، وهو عضو جمعية المحافظة على الموروث الليبي في مدينة بني وليد، أنّ عادات الأعراس واجهت توافد ثقافات خارجية على المجتمع، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار وتراجع الأوضاع الاقتصادية، ما اضطر كثيراً من الأسر إلى تقليص أيام العرس والتغاضي عن كثير من التقاليد المصاحبة، بل طاول التخلي عن التقاليد الملابس أيضاً. يتابع لـ"العربي الجديد": "في حين كان يلبس العريس والعروس زياً تقليدياً، بات الاتجاه الحالي إلى الملابس الحديثة التي لا تكلف كثيراً مثل الملابس التقليدية التي ارتفع سعرها كثيراً اليوم".

وقد وصل عدم الاهتمام المحلي بمظاهر العرس إلى حد حصر الحفل داخل الأسرة وفي نطاق محدود. يقول الخازمي: "العزومة وتعني توجيه الدعوات للناس لحضور العرس وتقديم وجبات العشاء والغداء في بيت العريسين أيام العرس استعيض عنها الآن باستضافة المدعوين في صالات مستأجرة للأفراح". يتحدث الخازمي عن كثير من القيم المجتمعية التي كان العرس سبيلاً لنقلها عبر الأجيال: "أغاني الأعراس كانت تتحدث عن قيم الوفاء وبطولات الرجال في الحروب والحث على التكافل والتغني بوفاء وكرم أسرة العريس وأصالتها مثلاً" كما أنّ استعراضات الرجال في أيام العرس كانت إحدى صور الذاكرة الشعبية التي احتفظت بالكثير من أحداث التاريخ المحلي، وقد اختفت اليوم تلك الاستعراضات باستثناء بقائها في بعض القبائل في جنوب ليبيا، بحسب الخازمي.

بالعودة إلى حمودة، فهو يشير إلى أنّ بعض الأسر في ضاحية تاجوراء في طرابلس، ما زالت تحتفظ ببعض العادات القديمة منها "يوم النوبة" وهي فرقة موسيقية ترافق العريس أثناء زفته، برفقة جيرانه وأهله، وما زالت، على الأقل، ثلاث فرق للنوبة قائمة حتى الآن، ويستعان بها في إحياء الأعراس بالمنطقة.

ويتحدث الخازمي عن اختلاف العادات المصاحبة للعرس من منطقة إلى أخرى في ليبيا: "في الغرب الليبي يضاف يوم اسمه يوم الحطب، وهو الحطب الذي يجمعه أهل العريس ويوضع أمام بيت العروس كإشارة لبدء أيام العرس. أما في الجنوب فهناك تقليد إضافي وهو تقليد البحث عن العروس المناسبة وتقوم به أم العريس برفقة عدد من النساء، وعند تحديد اختيارها وموافقة ابنها على العروس تذهب لتضع سلة عطور وكحل".


لا يعفي الخازمي مؤثرات الأوضاع الجارية في البلاد بتضافرها مع الأسباب الاقتصادية ودخول ثقافات وافدة، مما آلت إليه الأمور من تراجع العادات المصاحبة للأعراس. يعتبر أنّ تفكيك الأسر والنزوح الذي اضطر إليه كثير من المواطنين للعيش بعيداً عن مناطقهم قد اضطرهم طوال السنوات الثماني الأخيرة إلى التنازل عن كثير من التقاليد التي كانت تحكم سير الأعراس.

يعوّل الخازمي على المجتمعات القبلية والأسر العريقة في الحفاظ على تلك العادات من الاختفاء: "عندما تذوب الموروثات بسبب الحداثة تصرّ فئات على التمسك بالأصالة حفاظاً على هويتها ووجودها".