العراق: مخاوف من إتلاف آلاف البحوث الجامعية زمن صدام حسين

29 ابريل 2019
مكتبة جامعية في العراق (سكوت بترسون/Getty)
+ الخط -
أثارت وثائق سرية مسربة، كُشف عنها أخيراً، مخاوف الباحثين والمختصين من قيام السلطات العراقية بإتلاف آلاف البحوث والأطروحات والرسائل العلمية في مختلف جامعات العراق، بذريعة ارتباطها بالنظام السابق.

وكشف كتاب رسمي موجه من رئيس لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين في البرلمان العراقي إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 19 فبراير/شباط 2019 عن طلب إعادة تقييم الرسائل الجامعية.

وذيّل الكتاب بتوقيع رئيس اللجنة خلف عبد الصمد، وهو أحد قادة حزب الدعوة الإسلامية، أكد أنّ "لدى مكتبات الجامعات العراقية والمراكز العلمية مجموعة من الرسائل والأطروحات التي تمجّد النظام السابق"، مطالباً الوزارة بـ"مخاطبة الجامعات العراقية والمراكز العلمية لإعادة تقييم تلك الرسائل والأطروحات علمياً وثقافياً وتاريخياً، واتخاذ القرارات المناسبة من قبل الوزارة".

وبحسب وثيقة رسمية مسربة أخرى، فإنّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ردت على الطلب، بتاريخ 14 إبريل/نيسان الجاري، برسالة موقعة من رئيس جهاز الإشراف والتقويم العلمي نبيل الأعرجي، أكدت "اتخاذ اللازم مسبقاً حول الموضوع بتوجيه عدد من التعميمات إلى الجامعات كافة".

وأثار طلب الوزارة قلق الباحثين والمختصين بشأن آلاف البحوث والأطروحات العلمية التي قد تتعرض للإعدام لغايات سياسية أو حتى دوافع طائفية، ما قد يضر بجامعات العراق ويعرقل عمل الباحثين.

ويقول مراقبون إن تجربة العراق سيئة مع عمليات الاجتثاث التي وصلت إلى هدم مبانٍ ونصب بدعوى أنها تابعة لنظام صدام، وتجفيف مشاريع ري بدعوى أن صدام أطلق اسمه عليها، أو طرد أساتذة جامعيين وعلماء بدعوى أن علاقتهم كانت جيدة مع النظام السابق، فخسرهم العراق والتعليم على وجه الخصوص.

عضو في البرلمان العراقي أوضح لـ"العربي الجديد"، شرط عدم ذكر اسمه، أن التوجه الحالي قد يكون عشوائياً ويتسبب بإتلاف أطروحات وبحوث علمية رصينة موجودة بالجامعات العراقية المختلفة، وكتبت بين عامي 1970 و2003.

وأضاف: "جميع البحوث العلمية والإنسانية في هذه الفترة كانت مدعومة من النظام السابق، وكان يعطي للباحث مخصصات مالية تعينه على الكتابة والبحث، فمن غير المعقول وجود منجز علمي أنجز خارج عباءته".

وتابع: "لم يعد هناك بحوث ولا رسائل حول حزب البعث أو شخص صدام حسين وكلها تلاشت، لذا هناك خوف على البحوث الرصينة من هجمة جديدة يقودها حزب الدعوة على التعليم في العراق"، على حد قوله، مبيناً أن الوزير الحالي قصي السهيل باعتباره ينتمي للتيار الصدري يجب أن يكون أكثر حزماً في مواجهة مثل هذا العبث بالجامعات.

وقال الباحث محمد حسين القيسي: "لا نعرف لماذا تحاول الأحزاب السياسية حشر التعليم بالصراعات السياسية، حتى وصل الأمر إلى البحوث العلمية التي يعتمد عليها آلاف الطلبة في دراساتهم". وأوضح لـ"العربي الجديد"، "إذا أقدمت الحكومة على تنفيذ هذه الإجراءات فهذا يعني إعدام الآلاف من البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه لأن في مقدمتها شكرا أو ثناءً للنظام السابق، وهذا كان من الأمور البديهية بالعراق والتي يطالب بها النظام مثل شرط الانتماء لحزب البعث كي تتسهل أمور الشخص بالدوائر الحكومية والتوظيف".

ويقصد مكتبات الجامعات العراقية آلاف الطلبة سنوياً، لإنجاز بحوث ودراسات علمية مختلفة تشمل العديد من التخصصات الإنسانية والعلمية.

طالب الدراسات رمزي الموسوي، رأى أن "هذا الإجراء غير منطقي وغير مقبول، فما علاقة البحوث العلمية بالنظام السابق أو اللاحق؟ ولا يجب إدخالها في الصراعات السياسية والتاريخية". وأضاف الموسوي لـ"العربي الجديد"، "نحن طلبة دراسات عليا في العراق نعاني كثيراً للحصول على المصادر والمراجع العلمية التي تريد الحكومة إتلافها بحجة تمجيدها للنظام السابق، وهذا غير صحيح"، معتبرا أن ذلك "مجرد ذرائع تصب في صالح أحزاب وجهات سياسية مدعومة من الخارج لتدمير التعليم في العراق".

وتعرضت المكتبات الجامعية في العراق لعمليات نهب وحرق وإتلاف بعد احتلال البلاد عام 2003، ما أسفر عن خسارة كبيرة لآلاف المراجع والدراسات والبحوث العلمية في مختلف المجالات، والتي كانت مصدراً مهماً لكثير من أطروحات الدراسات العليا في البلاد.

إلا أن عضواً في حزب الدعوة الإسلامية ويدعى محمد الدراجي قال لـ"العربي الجديد": "المقصود بالرسائل التي تمنح لصدام مجدا أو إنجازا لم يكن أهلاً له". وأضاف: "الجامعات العراقية تغص بهذه الرسائل التي كتبت مجاملة أو تمجيداً لصدام أو تضخيماً لمنجزاته، والجامعات ما زالت تعمل بها لذا يجب التخلص منها"، معتبرا أن الموضوع يحتاج إلى لجنة علمية وأكاديمية تقوم بالمهمة".
المساهمون