عاد الجدل ليحتدم من جديد في المغرب بشأن مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وتحديداً بلغات تدريس المواد العلمية، الموجود حالياً رهن مناقشة حامية في دورات استثنائية يعقدها البرلمان المغربي.
وقررت لجنة الثقافة والاتصال بمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، إرجاء التصويت على القانون الإطار للتعليم، بعد نشوب خلافات بين مجموعات برلمانية مختلفة من الأغلبية الحكومية والمعارضة، بشأن موضوع تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية.
وترافق الخلاف النيابي مع مطالب طرحها نشطاء وسياسيون وأكاديميون بعدم تدريس هذه المواد باللغة الفرنسية، وضمنوا مطالبهم في عريضة شعبية وطنية أعلنوها يوم أمس.
ووجهت أكثر من 150 شخصية من نشطاء وسياسيين وأكاديميين معروفين عريضة إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ووزير التربية الوطنية محمد أبو صالح، ورؤساء المجموعات البرلمانية، طالبوا من خلالها بتعديل القانون الإطار تحت عنوان "من أجل عدالة لغوية"، معبرين عن رفضهم للمضامين المتعلقة بالاختيارات اللغوية في التعليم.
كذلك دعا الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، ضمن بلاغ له، إلى تعديل القانون بما يتوافق مع النص الدستوري ومكانة اللغة العربية في المنظومة التربوية. كما أكد أن المسألة اللغوية ليست اختيارا عرضيا ولا أمرا هامشياً يمكن حسمه بهذه العجلة، بل يقتضي ضرورة فتح حوار وطني موسع حول المسألة اللغوية في المدرسة المغربية.
وقال الدكتور فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "إن جعل الفرنسية لغة للتدريس أو فرنسة التعليم كما تحاول وزارة التربية الوطنية فرضه الآن على أبناء المغاربة، هو خيار تربوي وتعليمي فاشل بامتياز".
ويشرح بوعلي أن الفرنسية لم تعد لغة العلم، وفي كل يوم تفقد مساحات في فضاءات المعرفة والتقنية، ولا يمكن لفرنسا أن تكون نموذجا في التعليم، بدليل "تقرير تمبس" 2016 حول جودة التعليم وغيره من التقارير الدولية التي تبعد اللغة الفرنسية عن الترتيب.
واستطرد قائلاً: "التمسك بالفرنسية تمسك بلغة متراجعة، لكن الأمر له وجوه أسوأ، فلا ينبغي أن ننسى أن الفرنسية لغة المستعمر الذي ما زال يلقي بظلاله الثقافية والسياسية والاقتصادية على الوطن، وبالتالي فرض الفرنسة هو ترسيخ للتبعية للمركز الفرانكفوني".
وزاد بوعلي "يكفي أن نتابع كيف تدبر المشاريع الاقتصادية ومكانة الشركات الفرنسية لنفهم القصة، كما أن للفرنسية في مستعمراتها السابقة عائدا استثماريا على اقتصاد المركز، يتمثل على الخصوص في نشر الكتب والمراكز الثقافية التي يصبح الإقبال عليها كبيرا ما دامت هي مصدر اللغة والمعرفة وجواز المرور نحو المركز".
وأكمل أن "المدرسة المغربية ستفقد مزيدا من أدوارها التربوية والمعرفية لتتحول إلى محطة (ترانزيت) في انتظار الإقلاع نحو بلد الأنوار، ما دام حلم الجميع سيغدو هو العمل في المركز الفرنسي"، مضيفا أن ترحيل العديد من الأطر نحو فرنسا يكلف الدولة الكثير، مبرزا أن "القضية أكبر من مجرد تغيير لغة، بل هي القضاء النهائي على هوية الوطن واستقلاليته".