يُطلق على جنوب أفريقيا اسم "عالم في بلد واحد" وأكثر ما يؤكّد هذا القول هي حدائقها الوطنية العشرون التي تعرض مجموعة مذهلة من البيئات المتنوعة والعجائب الطبيعية والكنوز الثقافية. ويشكل جبل الطاولة أو جبل "تيبل" جزءاً من حديقة جبل الطاولة الوطنية. ويعتبر موطناً لمجموعة كبيرة من الحيوانات والنباتات المتنوعة.
يقع جبل الطاولة في الطرف الشمالي لسلسلة جبلية من الحجر الرملي ويشكل العمود الفقري لشبه جزيرة كيب. ويعرف بهذا الاسم كونه مسطحاً عند القمة، ويبدو لمن يحدّق فيه من بعيد أشبه بطاولة طبيعية ضخمة، تميّز كيب تاون عن مدن العالم. أمّا الرجل الذي وجد هذا التشابه فهو المستكشف البرتغالي أنطونيو دي سالدانا. وفي عام 1503، أصبح أول رجل أبيض يقوم بجولة على جبل الطاولة ليطلق عليه اسم "طاولة كيب تاون". وغالباً ما تغطي هذا الجبل سحابة تشبه قماش غطاء الطاولة.
منذ سنوات، كان جبل الطاولة المتنفس الوحيد أو المنظر الطبيعي الذي حدّق فيه نيلسون مانديلا، (الزعيم السياسي المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والثوري الذي شغل لاحقاً منصب رئيس جنوب أفريقيا، كأول رئيس في أعقاب نظام الفصل العنصري) من سجنه في جزيرة روبن، حيث مكث لعقدين من الزمن تقريباً. كذلك، كانت هذه الجزيرة لمدة 450 عاماً تقريباً، سجناً للمدانين الأوروبيين والعبيد من غرب أفريقيا ولأمراء من الشرق، ولمن يوصمون بـ"الجنون"، فضلاً عن آلاف الأفارقة الجنوبيين الذين احتجزوا فيها لمقاومتهم الحكم القمعي.
أعلن مانديلا في 29 مايو/ أيار عام 1998، حديقة "كريستن بوش" حديقة وطنية، وذلك بعد اندلاع حرائق عديدة، وجرى تغيير اسم الحديقة في ما بعد ليصبح "حديقة جبل الطاولة الوطنية". وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، اختير جبل الطاولة من بين عجائب العالم الطبيعية السبع.
يشتهر بين السكان المحليين والسائحين المشي لمسافات طويلة على جبل الطاولة، وتتوفر مسارات مختلفة الصعوبة هناك. وبسبب المنحدرات الحادة المحيطة بالقمة، فإنّ الصعود المباشر من جانب المدينة محدود. ومعدّل مدّة الوصول إلى القمّة مشياً هو نحو ساعة ونصف إلى ساعتين بالنسبة للشخص غير الرياضي. لكن هناك من يصل في غضون ساعة وهناك من يتأخر حتى ثلاث ساعات، وذلك بحسب مستوى اللياقة البدنية له. الطريق حار جداً في الصيف، كونه يقع على المنحدر الشمالي المواجه للجبل، مع غياب أيّ ظل تقريباً على طول ارتفاع 600 متر.
يقع على الجانب الأطلسي، طريق الصعود الأكثر شعبية "كاتيلسبورت" وهو مضيق يطل على ضاحية كامبس باي وشواطئها التي تجذب عدداً كبيراً من السائحين. أمّا الطريقة الأسهل للوصول إلى قمة جبل الطاولة، فهي التلفريك الهوائي الذي جرى افتتاحه عام 1929، واليوم يمكن أن تحمل كلّ عربة منه 65 راكباً. يوفر التلفريك الهوائي، رحلة أسرع إلى القمة ورؤية بانورامية لمدينة كيب تاون فضلاً عن إطلالات طبيعية، من مستويات مرتفعة إذ بالإمكان مشاهدة، جزيرة روبن وجبل رأس الأسد وساحل المحيط الأطلسي من الغرب والجنوب. كذلك، توفر محطة الكابلات (الأسلاك) العلوية، محلاً لشراء التحف والهدايا التذكارية، ومقهى ومطعما للاستراحة وتناول الطعام والمشروبات بعد عناء التسلّق، فضلاً عن مسارات للمشي بأطوال مختلفة.
تواجدت "العربي الجديد" عند أسفل جبل الطاولة، حيث ازدحم الركّاب عند محطة الكابلات السفلية التي تقع على ارتفاع 302 متر فوق سطح البحر، للانطلاق نحو قمة الجبل التي ترتفع 1076 متراً فوق سطح البحر. أمّا أولئك الذين أرادوا تسلّق الجبل فكانوا يسيرون باتجاهه في طرقات جبلية، لمدة نحو 20 دقيقة، كي يبدأوا بعدها خطواتهم على صخور جرى جمعها لتشكّل درجاً طبيعياً.
تجربة تسلّق جبل الطاولة بمثابة اكتشاف كنوز طبيعية خلابة كلّ بضعة أمتار. وعلى الرغم من الجفاف الذي تعاني منه البلاد في الوقت الحالي، فهناك ينابيع صغيرة من المياه ما زالت تخترق صخوره وتنعش المتسلقين، الذين يتوقّف بعضهم للاستراحة.
على قمة الجبل، خصوصاً من الخلف، شبكة واسعة من ممرات المشاة المميزة التي توفر فرصاً للمشي لمسافات طويلة عبر مجموعة كبيرة من التضاريس، ومسافات يمكن قطعها خلال 30 دقيقة أو عدة ساعات أو حتى طوال اليوم إذا كان هذا هو المطلوب. كذلك، تتوافر خرائط جيدة لجميع الطرقات في المكتبات ومتاجر الترفيه، التي ينصح المتجولون باستخدامها، إذ يمكن أن يهبط الضباب الكثيف أو يحلّ الطقس البارد أو درجات الحرارة المرتفعة، من دون سابق إنذار في أيّ وقت من السنة.